نصوص أدبية

الأسد / يوسف هداي الشمري

يطأ الثرى مختالا بجبروته. وكأنه مليك يخطر بين رعيته. ثمة شاب أنيق يقف غير بعيد عنه. حليق الشارب واللحية. سرح شعره على طريقة الخنافس. تبدت عليه كل أناقة عقد السبعينيات من القرن المنصرم. قميص ضيق طوى أكمامه فوق المرفق، وقد بان شعر صدره عبر الفتحة الكبيرة للأزرار المفتوحة. بنطال (تشارلز) أخضر اللون، ضيق عند الكمر ثم ينحدر باتساع حتى أسفل الكعب.

اقترب منه الأسد. بربر دونه. وبلحظة خاطفة بعد أن استجمع زوره، انقض عليه. طرحه أرضا. وقف على صدره بقدم واحدة. طفق يشخطه بمخلبه الحاد. أمعن في تعذيبه. تخضب الشاب بدمه. أخذ يصرخ. يستنجد. يستجير.. الكل ينظر. ولا مجيب. كف عن النداء، واكتفى بأنين خافت حزين..

طلقة تدوي في أعنان السماء. فيلوح في الأفق رجل تبدو عليه سيماء رعاة البقر الأمريكيين. يسدد بندقيته نحو الأسد، فيتخلى عن فريسته ويتراجع إلى الخلف. لسبب غريب لم يقتله الرجل. أولاه ظهره ومضى..

يتقدم من الأسد ثلة من الرجال. يحملون بأيديهم أوراقا بيضاء. يتحلقون حوله. أضخمهم رجل بحلة عسكرية. يلقي بسلاحه جانبا. ثم يرشق الأسد بالورقة البيضاء التي بيده. يجفل منها. فيرتد خطوتين للخلف. يقابله الآخر. شاب قصير القامة. معقوف الأنف. ذو لحية مسترسلة. تزين جسمه الدقيق بدلة أنيقة. تعتليه طاقية صغيرة. يتأبط كتابا ضخما. لعله من أسفار العهد القديم. يضع الكتاب على الأرض بكل احترام. يرميه بالورقة البيضاء، فيتراجع قليلا..

رجل كهل. ببنطال وقميص متواضعين. يعتلي رأسه شماغ أزرق. يقذفه بورقة بيضاء مشابهة. أخذ يزمجر. ثم زأر بحرقة. كشر عن أنيابه. بلا فائدة. اقتربوا منه أكثر. لاح له شيخ مهيب. يرتدي قفطانا اسودا وعمة سوداء. تتدلى بين أصابعه اليمنى سبحة طويلة.. سوداء أيضا. في يده الأخرى ورقة بيضاء. رماه بها وهو يرطن بكلمات مبهمة. حتى الشاب الأنيق الذي تحرر من أساره قبيل قليل، غير بدلته بواحدة جديدة. وبعد أن ضمد كل جراحاته. أخرج من جيبه ورقة. حذفها عليه. ثم أتبعها ببصقة تشي بكل ما في داخله من حنق وغيض.

تقدم نحوه سادسهم. رجل في أواسط العمر. شماغه أزرق، وعقاله كأنه إطار من شعر. ذو شارب غليظ ولحية غير مشذبة. ما إن رآه الأسد حتى اتسعت حدقتاه، وبرزت أنيابه في تكشيرة هي الموت بذاته. زمجر بغيض. انحنى الرجل على صندوق شفاف مغلق بقفل بلاستيكي. مليء بالأوراق البيضاء. رفعه لأعلى، فلمعت تحت وهج الشمس عقلة اصبعه البنفسجية.

هم بالهجوم على ذلك الخنصر الذي أثار غضبه. ابتدره الرجل بضربة في الصندوق على يأفوخه. تطوح من فعل الضربة. رفع الرجل ثوبه وعضه بأسنانه. التقط عقاله المشعر من على رأسه. ثم طفق ضربا بالأسد.

 

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2072 الثلاثاء 27 / 03 / 2012)

في نصوص اليوم