نصوص أدبية
تُفَّاحَةٌ مِنْ حَجَرْ/ شادية حامد
- شاعر في نيويورك -
لوركا
"نْيُويُورْك، حَضَارَةٌ بِأَرْبَعِ أَرْجُلْ، كَلُّ جِهَة قَتْلٌ وَطَرِيقٌ إِلَى الْقَتْل،
وَفِي الْمَسَافَات أَنِينُ الْغَرْقَى"
- قبر من جل نيويورك-
أَدُونِيس
سِرْدَابٌ وَرَاءَ سِرْدَاب.
لَا نَافِذَةَ،
وَلَا بَاب .
أَهَذِهِ نيُويُورْك ؟
أَمْ هَذِهِ حَفِيدَةُ إِرَمَ ذَاتَ الْعِمَاد ؟
إِذَنْ، مَاذَا تَفْعلُ الْمَلائِكةُ
فِي هَذِه الْبِلاد ؟
كَأَنَّهَا هِيَ .
وَلَكِن تِلْكَ بأَنَامِلَ مِنْ قَصَبٍ
وَهَذِه بِقَلْبٍ مِن إسْمَنْتْ .
طُوبَى لِلإسْمَنْتْ .
هَا هُنَا،
حَتَّى أَدَقُّ الْمَشَاعِرِ وَالْأفْكَارِ مِنْ إِسْمَنْتْ .
الْعَقْلُ جدَارٌ رَقَمِي .
الْلُّغَةُ جَدَارٌ آخَر .
وَالْرُوحُ، بَيْنَ بَيْن، رِيشَةٌ .
مُجَرَّدُ رِيشَةٍ
فِي مَهَبِّ الْرَّمَاد .
يَا أيُّهَا الْرَّمَاد !
فِي أَيِّ قَارُورَةٍ كُنْتَ إلَى حَدِّ الْآن ؟
الْصَّيْفُ ذَهَبَ َوعَاد .
وَأَنْتَ مَا تَزَالُ هَا هُنَا،
فَوْقَ رُؤُوسِنَا ,
تَتَأَوَّه .
هَا هُنَا،
تَحْتَ الْرَّمَاد،
تَحْتَ أَجْفَانِ مِيدُوزَا،
وَفِي غَفْلَةٍ مِنْ سَيْفِ بِيرْسْيُوس،
أَنَّى لي أَنْ أُحِيطَ بِأَشْلاءِ الرَّمْز،
وَأَضْغَاطِ الْمَعْنَى ؟
هَا هُنَا،
مُنْذُ مَا لا يُحْصَى مِنَ الْحُرُوب،
وَالْمَجَاعَاتِ،
وَالْأَعَاصِير،
وَالْزَلَازِلِ،
تِمْثَالٌ لِلْحُرِيَّةِ،
مِنَ الْسَمَاءِ كَالْحَمَامَةِ
وَمِنَ الْأَرْضِ كَالْطَاوُوس،
بِأَجْنِحَةٍ مِن زِئْبَق .
وَشِفَاهٍ مِنْ مَطَّاط .
حَوْلَ الْرَّأْس سَبْعُ مِسَلّات .
كِتَابٌ فِي الْيَمِين .
وَمِشْعَلةٌ فِي الْيَسَار .
قَد اخْتَلَطَ الْلَّيْلُ بِالْنَّهَار
وَمَا عَادَتْ حَتَّى اِيمَا لازَارُوس تَتَذَكَّر مَا كتَبَتْ
هَا هُنَا،
عِنْدَ قَاعِدَةِ الْتِمْثَال .
هَا هُنَا،
بِاسْمِ الْحُرِيَّة، يَصْنَعُ الْحَجَرُ مَا يَصْنَع :
لِنَفْسِهِ،
فِي وَقْتِ الْقَيْلُولَةِ،
أُرْجُوحَةً زَرْقَاء .
لِيْ
- أَنَا الّتِي لَسْتُ لَا امْرَأَةَ أَعْمَالٍ،
وَلَا عَارِضَةَ أَزْيَاء –
أُغْنِيَةً سَوْدَاء.
لِأمْثَالِي :
قُبَّعَاتٍ مِن تِبْن .
ولِلْبَاقِين مَخَابِئَ
تَحْتَ الْأَرْض.
هَا هُنَا،
كَمْ رِيشٍ مُخْتَلِفِ الْأَلْوَان،
كَمْ حَضَارَةٍ،
كَمْ لُغَةٍ،
كَمْ لِسَان ْ،
وَلَكِن بِالْله عَلَيْكْ، أيُّهَا الْطَاوُوس الْحَجَرِي
مَاذَا أَدرَكْتَ مَنْ بَحْرِ الْظُلُمَاتْ ؟
مَاذَا تَرَكْتَ لِي فَوْقَ ضَرِيحِ الْمَعْنَى ؟
وَمَاذَا تَرَكْتَ لِلْهُنُودِ الْحُمْر
فِي قَرَارَةِ الْفِنْجَان ؟
هَا هُنَا،
- حَوْلَ الْفِنْجَان –
صَعَالِيكٌ،
غَجَر،
بشرٌ يأْكُلُهُم بَشَرْ،
أَحْفَاد لُورْكَا،
زِنْجٌ،
وَإفْرِنْجٌ،
وَإغْرِيقٌ،
وَأسْبَان،
وَرُومَان،
قَيَاصِرَة،
وَجَبَابِرَة .....
لَكِنَّهُم أَحْرَار .
بِالْمُقَابِلْ :
هُنَالِكَ، فِي شَرْقِنَا الْقَدِيم،
مُنْذُ أَنْ كُنَّا وَخَيْرٌ عَمِيم
يَجِيءُ مِنْ أَقْصَى الْغَرْبْ :
قَنَاطِيرُ قَمْحٍ يَتَقَاسَمُ رَيْعَهَا
الْمُلُوكُ،
وَالْسَمَاسِرَة،
وَشُيُوخُ الْقَبَائِل
أَكْيَاسُ مِلْحٍ فَاسِدٍ،
طَوَاحِينُ هَوَاء،
ذُبَابُ خَيْلٍ تَلِيهِ أَرْتالٌ مِنَ الْنَّمْلِ الْمُجَنَّح :
دَائِمَاً،
بِاسْمِ الْحُرِيَّة
مِنْ أَجْلِ سَحْقِ الْحُرِيَّة .
هَا هُنَا،
فِي شَرْقِنَا الْقَدِيم :
الْقَيْلُولَةُ الْطَويلَةُ،
وَالجَدَل الْعَقِيم .
بَيْنَمَا هُنَالِكَ، مِنَ الغربِ إِلَى الْغَرْب :
صَخَب ٌ،
زِحَامٌ،
نَاطِحَاتُ سَحَاب،
سِرْدَابٌ وَرَاءَ سِرْدَاب،
وَقْتٌ يَقتُلُ الوَقْت،
فِي عُجَالَةٍ،
وَمِنْ غَيْرِ أَدْنَى نَدَم،
أَوْ عِتَاب .
أَهَذِهِ وَاحَةٌ ؟
أَمْ هَذَا سَرَابْ ؟
هي ذي Manhattan
دُونَ تَوَقُفٍ،
وَدُون اسْتِرَاحَةْ،
هِيَ ذِي، ثَانِيَةً وَثَالِثَةً وَرَابِعَة
كَأَنّهَا قِلَادَةٌ مِنْ فَوَانِيسَ
فَي صَحْرَاءَ شَاسِعَة .
كَأنّمَا نيُويُورْك بُسْتَانٌ أَشْجَارُهُ مِنْ حَجَر
وَأَصْغَرُ تُفَّاحَةٍ فِيهِ
لَا يَفُوحُ مِنْهَا أَيُّ شَيْء
غَيْرَ أَنّهَا مَنْحُوتَةٌ بِأِزْمِيل أَعْظَمِ فَنَّان،
أِزْمِيل جَدِّ الْبَشَر،
الْشَيْطَان !
وَاحِد .
اثْنَان .
ابْتَعِدَا عَنِ الْسِكَّة،
بَعْدَ قَلِيلٍ يَنْطَلِقُ الْقِطَار .
هَا هُنَا،
فِي
MADISON SQUARE
يَنْطَلِقُ مِنْ مَحَطَّة Penn
في كُلِّ عُشُرِ ثَانِيَةٍ،
قِطَار .
قِطَارٌ وَراءَ قِطَارْ
نَحْوَ الْحَاضِر .
نَحْوَ الْمُسْتَقْبَل .
نَحْوَ كُلّ مَا هُوَ طَارِئٌ وَمُفَاجِئٌ وَجَدِيد
هَكَذَا، مَحَطةً مَحَطّة،فِي بِلَادٍ بَارِعَة
فِي صَهْرِ كُلِّ شَيْء
الْطَبِيعَةِ وَالْثَقَافَة .
الْحَدِيدِ وَالْجَلِيد .
الْحَدِيدُ يَؤُولُ إلَى سَلَاسِلَ حَوْلَ جِبَاة الْنَاس وَأَعْنَاقِ الْمُدُن .
وَالْجَليدُ إِلَى أَصْفَادٍ حَوْلَ أَقْدَام عُمَّالِ الْمَزَارِع،
وَأَحْدَاقِ بُنَاةِ الْسُفُن .
NO COMMENT
قِفْ وَرَاءَ ظَهْرِ تِمْثَالِ الْحُرِيَّة
ثُمَّ اجْلِس عَلَى رُكْبَتَيْك
وَشَغِّل الْكَامِيرَا
هَكَذَا هُمْ،
بَيْنَمَا نَحْنُ : كَمَا نَحْنُ
نَقْبَعُ فِي بِلَادِ الْذَهَبْ
قُرْبَ كَوَانِينِ الْحَطَبْ .
قَاطْ،
عَرَقْ،
نَارْجِيلَة،
ثُمَّ هَاتِ، أَيُّها الْحَكَوَاتِي
مَا فِي جُعْبَتِك :
قَصَصْ،
وَخُرَافَاتْ،
وَأَسَاطِيرْ،
عَنِ الْأَنْدَلُس،
وَأَلْفِ لَيْلَة وَلَيْلَة،
وَالْسِنْدِبَاد،
وَخَزَائِنِ ثَمُود،
وَعَجَائِبِ عَاد .
إلَى مَا لَا نِهَايَة،
أَوْ إلَى أَنْ يُرَنِّقَ الْنَوْمُ عُيُونَ الْصِغَار.
هكذا نحن في شرقنا القديم،
حين ننام،
وَحِينَ نَصْحُو،
وَحِينَ يَنْطَلِقُ مِنْ مَحَطَّة Penn
فِي أَقَلَّ مِنْ عُشُر ثَانِيَة
مِلْيوُن قِطَار وَقِطَار .
هَارْلِمْ !
يَا هَارْلِم !
كَم الْسَاعَة الْآن بِالْدَقيِقَة َ والَثَانِيَة ؟
أَزِفَ الْوَقتُ وَهَا أنَا الْآنَ فِي هَذِه ِالْمَحَطَّةِ
بَيْنَمَا أَقْدَامِي فِي مَحَطَّة نَائِيَة .
هَارْلِم !
يَا هَارْلِم !
قَلْبِي عَلَيْكِ .
قَلْبِي عَلَى الْوَجَع الْطَاعِنِ فِي غَيَاهِبِ الْجَاز،
فِي سَحَائِبِ الْكُوكَايِين،
وَفِي مَقَالِبِ الْكَلِمَة .
هَارْلِم !
يَا هَارْلِم !
يَا أَوَلَ وَآخِرَ صَيْحَة مُؤْلِمَة !
أُرِيد أَنْ أُصَلِّي .
وَلَكِن هَذِه كَنِيسَة ٌ
الْتَرَاتِيِل فِيهَا سَوْدَاء
والْقِس أَبْيَض .
كِيْفَ أُصَلّي،
بِأَي لُغَة،
بِأي سِفر،
وَخَلْفَ مَن:
خَلْفَ أبْرَاهَام لينكلن،
أَمْ خَلْفَ رُعَاة الْبَقَر ؟
SOS
هَذَا وَقْتٌ غَيْر الْوَقْت .
وَهَذَا مَكَان غَيْر الْمَكَان .
هَا هُنا، عِنْدَ تَقَاطُع بْرُودْواي والْجَادَة السَابِعَة
في ميدان Times Square
زُحَام،
ضَوْضَاء،
أَشْرِطَة أخْبَار،
لَافِتَات عِمْلاقَةٌ تَنَاطِح الشَّمْس،
أَيَّتُهَا الشَّمْس،
يَا مَكْتَبَةً أَيْنَ مِنْهَا مَكْتَبَةَ الْكُونْغْرِس
وَلَكِن بِلا كُتُب،
وَلا رُفُوف
قَدْ بَانَ الْمَعْنَى
أَهَكَذَا هُوَ الْكُسُوف؟
أَمْ هَذِه فَقَط فَتْرَة مَوْسِمِيَة
يَكُون فِيهَا الْمُحِيط فِي سُبَاتٍ، بَيْنَمَا الْمَرْكَز فَوْقَ نَار قَوِيَّة ؟
أَيَّتُهَا الشَّمْس ! لا مَنَاص .
وَأنْتَ، يَا شَبِيهي، احْتَرِس !
هَا هُوَ أَوَان الْكُسُوف
قَدْ تَخْلَع نَظَّارَتَك السَوْداء
قَد يَخْدَعَكَ النَّظَر .
قَدْ تَنْسَى، وَقَد تَحْسَب، تَحْتَ تَأثِير النِيُون
أَنَّ لَثْغَتَكَ لَم تَعُد مَرْئيِّة .
أَو أنَّ بَشْرَتَك قَدْ صَارَت - مَعَ الْوَقْت – بَيْضَاء .
حَذَارِ .
احْتَرِس .
فَأَنْتَ مِنَ الشَّرْق .
وَأَبْنَاء الشَّرْق لَيْسُوا كُلُّهُم
مِنْ أَبْنَاء السَّمَاء.
أَنَا أَيْضَاً مِنَ الشَّرْق .
أَنَا أَيْضَاً أَكَاد أُجَن .
وأنا أُجيل النَّظَرَ فِي أَرْجَاء
METROPOLITAN MUSEUM OF ARTS
زَخَارِف مِنْ مِصْر،
مَصَاحِف مِنَ الْقُوقَاز،
مُنَمْنَمَات مِن أَصْفَهَان،
أَرَابِيسْك،
قُدُور مَنْحُوتَة،
نُقُوش هِيرُوغْلِيفِية،
وأَلْوَاح آشُورِيَّة .
أَحَقاً هَذَا ؟
أَمْ أَنَّه عَلَيَّ أَنَا أَيْضَاً
أَنْ أُعِيدَ النَّظَر :
فِي لُغَتِي،
وَإِثْنِيَّتِي ؟
............................
الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2093 الثلاثاء 17 / 04 / 2012)