نصوص أدبية

حكاية في أواخر القرن العشرين / لطفي شفيق سعيد

 

نحن في أواخر القرن العشرين

نركض هدبا للقرن الغابر

للحظ العاثر لأسفل سافلين

نبصق في وجوهنا مرتين

عند بزوغ الشمس

وعندما ننام كالميتين

يلعننا آباؤنا في قبورهم

وتظهر العلامة كالضياء

وتحت باحة القباب

وفي المجالس والمنابر

نندب تاريخنا  الغابر

نلعق خزينا كاللبان

نكشف عوراتنا بلا حياء

تقتل أرواحنا  بالمجان

فتضحك من جهلنا الاوطان

يا لسخرية الزمان  وحقارة الإنسان

يعبث في مخدعه المارينز

وغراب البين والخصيان

فهل سمعتم أو رأيتم غابة

يحكمها صرصار

يقطع الأشجارويقطف الأثمار

يدوس ببسطاله زهرة النرجس والجلنار

ويلعب بالنرد ويخسر الوطن  بالقمار

وتنقل  الأخبار

للداني والبعيد

بأنه سيلعب ( من جدة وجديد)

كأنما لم يكن ولم يصار

ولم تحل في حقولنا

مواسم الصبار

والخزي والعار

أيها القادمون من رحلة بعيدة

أحكي لكم حكاية غريبة عجيبة

ليست كقصص الآطفال

كان ياما كان

في سالف العصر والأوان

كانت في هذه المعمورة

مدينة مسحورة

هجرها التاريخ والرجال

نساؤها عقرن بمرض عضال

وكان أهلها أحياء

لكنهم بلا حياء

في الليل يحكي لهم عرابهم سالوفة

ممجوجة مألوفة

ما أنزل الله بها من سلطان

فيفزع الناس من عساكر السلطان

وكان للحيطان آذان

فيسقطوا نيام

وفي الصباح ينهضون

لهمهم وغمهم وبؤسهم

من عتبة الدار يركضون

وللسوق يهرعون

فيشترون ويبيعون وينهبون

ويلهثون ويعرقون

بل يضحكون ويرقصون

من فرط ما يصيبهم جنون

في واحد من الأعوام

أنتشر الجذام

في كل حارة وبيت

فصار يفتك بالعقول

وينشر الغباء والذهول

وظهر الأعور الدجال

وخلفه قارئة الفال

تحرق له البخور

وتقرع الطبول وتنشر الزهور

فتركض الجموع

من كل حارة وصوب

وكل من هب ودب

وخلف موكبه الحافل

يختلط الحابل بالنابل

وعلى حس الطبل

يهرعون

لكي تنالهم مكرمة

من يده الميمون

لكنهم

بأخمس البنادق

وجزم الجنود

يرفسون

يا ايها القادمون

من غدنا المبهم

ستقرأون

سيرة السقوط والعدم

لكنكم لن تقرأوها في العلن

بل ستجدنوها بالكفن

وبعد أن يكشف النقاب

عن المقابر والأسلاب

لكنني أدلكم عن تميمه

تفتح كل باب

يا أيها الآتون

في غدنا البعيد

من كل باب

موصدة بالحديد

لعلكم  ستجدون

كتابة أو جملة محفورة

تقص سيرة العذاب

من الباب للمحراب

أواه يا وطنا أصبح بلا حضارة

تملأه الأنقاض والحجارة

يبول فوقه الغزاة بعد كل سكرة

ويختفي المافوق في حفرة

وعندما تحين ساعة  الدعاء

يقسم بمائه وأرضه والسماء

في ليلة ليلاء

وقبل أن يرحل عن مدينتي الشتاء

أنطفأت الشمس ونورها الوضاء

واختفت الأحياء

في سحب الدخان والسخام

وفزع الناس وفزت الأبل والأغنام

ومر فوقهم طائر الحديد

أحال ليلهم نهار وصبحهم قار

ومنذ ذلك الحين

وبعد سالف السنين

انكفأ القوم في جحورهم نيام

بدورة الزمان والايام

في الليل والنهار

تنفث رئاتهم

السم والنار

ووصمة العار

أجوج ويأجوج

الحسوا سور مدينتكم العمياء

من غبش الصبح لآخر المساء

من شارك باللحس أصابه الأعياء

ونام تحت الحجارة الصماء

ومن جديد وعند أول الضياء

تبدأ رحلة العناء والغباء

وليس لسور المدينة أن ينهار

ولا أناسها تخجل في حياء

ومر عام

وبعده سيمر أكثر من عام

والحال من المحال في العباد

وحسرتاه على عساكر البلاد

سيقوا الى القضاء والقدر

وفي الوغى

مصيرهم الخسران والردى

تلوح فوق هاماتهم

شارة الهزيمة النكراء

وسقط الوطن

مضرجا بالدماء

ملقى تكابده المحن

 

لطفي شفيق سعيد

من الدفاتر المخفية في عام 1992

 

 

تابعنا على الفيس بوك  وفي   تويتر

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2284 السبت 24 / 11 / 2012)

في نصوص اليوم