نصوص أدبية

شموس أخرى على طاولة الكون

ففي الأولى خدعة

وفي الثانية رفعة !

 

الشمسُ نجمةٌ ... قال العِلمُ .

قلتُ : نعم ، نجمةٌ تعادي الليل !

 

إشتقتُ إليكِ

واشتاقَ معي فنجانُ قهوتي

ودخاني

ودفتري وكأسُ ليلي

والستارةُ المختلِجة كشراعٍ ...

كُنّا بمجموعِنا نُشكِّلُ

عائلةً من الأشواق !

 

مَرَّ فيلٌ من جنبِ أسدٍ جائعٍ .

نظرَ الأسدُ إليه فراحَ يردِّدُ :

آهٍ لو بالإمكان إرجاع عقربِ الساعة إلى الوراء .

فسألهُ الفيل : ولماذا ، ألدَيكَ عزيزٌ فقَدْتَهُ ؟

قال الأسدُ : نعم ، عزيزٌ جداً ،

فأنا في الماضي لم أكنْ إلاّ قِطاً

وأنتَ بطباعِكَ ولونِكَ

توحي لي بأنكَ لم تكنْ إلاّ فأراً .

هنا أحسَّ الفيلُ بالحزن

فمدَّ خُرطومَهُ

وراحَ يُرَبِّتُ بهِ على كتف الأسد مُعَزِّياً !

 

قال الدولفين لسمك القِرْش :

كُفَّ عن الإفتراس

وتعالَ معي وتعلَّمْ محبة البشَر

قال سمك القرش :

لا جدوى ،

فأنتَ لم تتعلّم المحبةَ

وإنما جُبِلْتَ عليها .

قال الدولفين :

ولكنكَ تُشبِهُني كثيراً في الخَلْق .

ردَّ سمك القرش :

والبشرُ أيضاً يتشابهون كثيراً في الخلق

لذا فالكارثةُ ليست فيَّ أنا

ولكنْ في ألاّ تكونَ مُخلِصاً

لِما جُبِلتَ عليه !

 

أرخى على جيدها

عشرَ قلائدَ من لؤلؤ

وأحاطَ معصميها بأساورَ عديدة

ثم عانقها .

فقالتْ له : ما بالُكَ كريماً معي هكذا

أيها الشاعر ؟

قال : لأني أُحبُّكِ مُضيئةً

أيتها العزلة !

 

أيها الوطن ،

لا تُكرِّرْ اللُّعبةَ ...

القتَلةُ الذين كانوا بالأمس يَهدونكَ

سائرين أمامَك

ها هُم اليوم

يبتهلون خلفَك !

 

دوامُ الحياة على نمطٍ واحدٍ يُعطِّلُها

ولو كانت شجرةً دائمة الخضرة !

 

رغم أمواجِ الدنيا

وتجاذبِها لشراعي بحنقٍ !

كان همسُكِ معي

هو وما نَحَتَهُ من مزامير ،

وابتسامتُكِ

هي وما تفرَّعَ عنها

من مصابيح !

 

قالتْ شجرةُ آسٍ

لشجرة حَوَرٍ مجاورةٍ

إنتظريني ،

سأصنعُ لي

من أوراق الشجر المتساقطة حولي

كعباً عالياً

فربما بلغتُ قامتك أو نصفاً منها

فقد سئمتُ قِصْرَ قامتي .

فابتسمتْ شجرةُ الحَوَر قائلةً :

يا صغيرتي العَذِبة ،

لا تُكلِّفي نفسكِ

فرائحتُكِ الزكيةُ تعلو قاماتِنا ،

والأشياءُ فيما تمنحُ !

 

عملتُ داخلَ وطني بمِِهَنٍ بسيطةٍ

وخارجَهُ بمِهَنٍ بسيطةٍ كذلك

وما بين البساطة والبساطةِ

كان العالمُ قد تعقَّدَ كثيراً

وبينما أنا مُقْبلٌ على تعقيداتهِ الكئيبة

سمعتُ ضحكةً صافية :

كان قلبي مع صِبْيةٍ

يدحرجون إطاراتٍ في الأزقةِ كالأقمار !

 

قالَ لها :

قبل أن أعرفكِ

كنتُ كالعرّاف

أُنْبِيءُ الناسَ بمستقبلهم

ولا أعرف عن مستقبلي شيئاً !

والآن صرتُ أعرف مستقبلي

وأجهلُ مستقبلَ الناس !

سألتْ : وما هو مستقبلُك ؟

فأشار إلى رحيلٍ دائمٍ ،

أشارَ إلى مرافيءَ

تتدلّى من أعناق الطيور !

 

بعد أن رأى رؤيا مخيفةً في منامهِ

قال كسرى لشاعرٍ في إمبراطوريتهِ :

لن يغمضَ لي جَفنٌ

حتى يُؤتى إليَّ بقيصر الروم مُكبَّلاً .

ردَّ الشاعر :

ألَمْ يكفِكَ مَجدُكَ ؟

فهو مترامي الأطراف .

قال كسرى : الأصلُ في المَجد

هو أن يكون خالصاً

وإلاّ لكانت هناك شمسان .

ردَّ الشاعر :

لو كنتَ تنظر إلى الحياة

كما أنظرُ أنا إليها

لرأيتَ شموساً لا تُعدُّ ،

الشمس هي ليست هذه التي تراها

فهذه ظلٌّ لشموسٍ غطّاها رمادٌ في داخلك

وهي التي يجب ألاّ يغمضَ لك جَفنٌ

حتى تعثرَ عليها !

 

تهيَّأ لقلبي بصيصٌ من عبيرٍ

فرأيتكِ تجلسين على تلٍّ ،

والخُضرةُ تحيط بكِ كنسائم كمانٍ

ورأيتُ البحرَ

فغنَّيتُ له ،

غنَّيتُ لجسدٍ من بِذارٍ

يتقلَّبُ بين شهيقِ شواطيءَ

وزفيرِ أمواج !

 

ستغيبُ الشمسُ

وأنتِ تَسبَحينَ داخلَ قبَّعتي

فما أجملَ هذا !

وحتى الشمسُ لا تسير للمغيب

إلاّ لأنها تسمعُ طَرْقاً على باب الأفق

لذا فهي تذهب لاستقبال زميلاتِها !

 

كانون الأول – 2009

برلين

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1252 الخميس 10/12/2009)

 

 

في نصوص اليوم