نصوص أدبية

الجوارح قبل عطس التراب

سأذرّ فراشاتي!

أكياسي ملأى بأجنحة محترقة

ameen botani

الجوارح قبل عطس التراب

أو:  عنصرة التحليق

شعر وترجمة: أمين بوتاني

 

إستفقْ

قمْ يا صاح!

إنك بهذا

لن تتذكر حتى رأسك!!

لقد حان الآن

موسم حلب الوريقات

من ضروع التراب!!!،

إنه موسم تجميع الريح

تحت حظائر جناحات الألفة!!!

إنه موعد قطاف أسراب الأوز

من ثنايا حقول الأفق!!!

أنت أيضاً يا صاحبي

تفضل وأنهي لقياك هذا

و ضع أكاليل الوداع

على مكامن الأثر برمتها.

ألا ترى

بأن الفحمة

لن تخجل من النار أبداً؟!

بل إنها تعيد

جميع بساتين الكروم

الى داخل أحداق الدخان!!!

ألا ترى ماذا تفعل الرياح؟!

إنها تُبكي السقوف المتهالكة

وتنصب للغربة خيام الأمل!

أما الماء!

فلا تذكُر عنه شيئاً بالمرّة!!!

انه يثرر برهة مع التراب

وبعدها يعكر صفو الصحبة والعداء

يعكر صفو الجدّ والهزل!!!

اتركني يا صاح

إنني قررت الفرار

قررت ان أطير

وأهرب بروحي،

سأطير

آخذاً معي من سلالة التراب

قطرة دم واحدة!

ومن سلالة الماء

يرافقني

قارباً مثقوباً!

ومن سلالة النار

بإستطاعة ذنب غير مغفور له

أن يعد عّدة الرحيل!

ومن سلالة الريح

يسافر معي

خريف كهل!!!

سأطير.... نعم إنني سأطير محلقاً!.

فالتحليق لفافة خيوط أحلامي

سأرميها صوب مرتفعات القول.

سأطلق أغنية هادرة

فوق منحدرات القناعة.

قسماً

إنني سأنبت الريش

على جلود القلاع والحصون؛

قسماً

إنني سأعلق أجراس الحكمة

في عنق البلهاء والمجانين!!!

إنني لست أقلّ شأناً من أحد؛

أنظرالى البحار

كيف إنها

تجعل من الغمامة عكازة لها

وتطير!!!

وهذه المعمورة

تجعل من الدروب حجة

وهي ترقع سراويل البعد وتتهالك!!!

وهذه الينابيع

تجعل من نية الظامئين عوينات لها

ويحدقن بلا إستحياء في عورات التعب!!!

وهذه ثلوج أعالي الجبال

كيف إنها تنصهر

مغرمة بسيقان الحلابات البضة.

وهذا باخوس

إنه يتوق الى الكلام

جاعلاً من شرير مهرجاً له

بينما يملأ سعير طرافته بالمغفرة!!!

إيه.. أيتها الأرض الباردة

واريني أنتِ

وأنا أنثر العيوب والعلات.

أقسمي

إن كنتِ رأيتني ولو مرّة!

أقسمي

إن كنتُ قد حطيتُ

على غصن صخرة ولو مرّة!

لن أكذب إن قلتُ

إنني أعلم

بأن عصعص صحاريكِ

كم من الزوابع يحوي!

وكم مرّة

سهرتْ معي تلالك وذراك

الى الهجيع الأخير!

وأعاصيري

كم من المرّات

فتحت أزرار هضابكِ!.

إفعلي ما بوسعكِ

إفعلي ما تقدرين عليه؛؛

كل الشارات إليكِ

كل الضياع لي.

كل القبور لك

كل المنايا لي.

كل الإحتراق لك

كل الآلآم لي.

كل السيول لك

كل الإختناق لي.

كل البحار لك

كل الأمواج لي.

كل السفن لك

كل الأسفار لي.

كل الأبواب لك

كل فتحٍ لي.

كل النوافذ لك

كل النظر لي.

كل الأقفاص لك

كل التحليق لي.

كل الرقاد لك

وكل الأحلام لي.

أفِقْ من نومك

لا تشغل نفسك بهذا الرغيف أكثر

وإلاّ سينقض على أحشاءك يباب حقل.

كم نصحتكَ

بأن تكون حذراً

بأن تغمض عينيك

وتترك الأزقة والدروب الضيقة،

إيه....

لكنك عدت من دون شفاه

وجوارحك مليئة بالقبلات

إيه...

إنك عدت

أوبتك ملأى بالوصول

وذهابك ملأى بالتأخر!.

" إنك بأجنحتك الرطيبة هذه

لن تصل الى تخوم الرجم أبدا"!!.

أيا عزيزاااه

لا تربط فرسك

على مقربة من الينابيع.

وأرجِع لقالقك الحزينة

الى داخل وثنية الريش والرياح.

فهناك

سترى زاهداً

جالساً على بساط الخيال

وهو يهف البيوض!.

قل له

إنني لا أرى ظهري

بالله عليك

أنظر إليه بدلاً عني

كم من آثار التربيت مازالت عالقة عليه؟!.

لا تتوجس

وأرمي الخاقانات السوداء بين يديه،

صدقني لن يحدث شيء!

ستزول عنك كل المصائب..

حينذاك

بين الظل والضوء

بين الجوع والإصطياد؛؛

سترى بوهيمياً ذو وجاهة؛

مصرّ على الضياع

نادم على السفر.

نادم على الجرح

مصرّ على الخناجر.

نادم على الأودية

و مصرّ على الفيضان.

نادم على القيم

ومصرّ على العزاء.

إيه.. وا غريبااااه

لمَ أقدمت على تلقين

التلول والمرتفعات كل هذه المواويل؟!

عبثاً

أسردتَ كل هذه الأقاصيص

للأخضرار واليبوس!!

هل نسيت

ان الصخرة في البداية

كانت زرائب لتدجين الإنحدار!!

بعدئذٍ

تعرفت القمة على الحدور!!!

في البداية

لم يكن للظهر صلة قرابة

مع الأحمال والحصى!

بعد ذلك

أبتلوه بنطفة البسالة!!!

العين في البدء

لم يكن سوى ندم الأجساد!

بعد ذلك

غُررت بالأزاهير!!!

نعم إنه لكذلك

أخشى أن لا تصدقني!

فلو لم تكن الغابة الأولى

لما فكر دخان البداية بالتحليق!

لو لم يكن الدم الأول

هل فكر الجرح الأول بالفرار؟!.

إيه... واغريباااه

كفن البداية

كان منديل الرقصة الأولى.

إيه... واغريباااه

حناء البداية

كان العويل البكر للفرحة الأولى!!

ألا ترين

أيتها الشحرورة المهاجرة

صخور الأعالي

تنصب الكمائن للغزلان،

وتنشر المصيدة للشقائق!

و دم هابيل

يغسل خضابه القاني

بحيض الحمائم البيض

عند حواف الشطآن...

واغريباااه

لستُ أنا من يقول:

يُقال ان الطير الأكبر

في البداية

كان الصخرة الأكبر،

يُروى بأن تلك الصخرة

تدحرجت من سفح جبل

وسقطت على عش طير صغير

مهشمة كل بيضاته!!!

منذ ذلك الحين

أية صخرة تسقط

تلحق الأذى بروح الأعشاش

وكرمة السماء

تزهر عناقيد الطيور

والأنجم الساطعة!!!.

أيا الفضاء المليء

أيها التحليق الماكث

تعرق الشعاع

هو المايسترو

لأقواس قزح خجلى.

الخيال

يعزف على بيانو الألوان،

المطر

جوقة اليابسة.

هذا هو تحليق الشمس

صوب جنائن النور!

هذا هو تحليق الأصوات

نحو ميادين الزعل!

هذا هو تحليق ألفة المنازل

صوب ديار الغربة!!!.

وامنتظرااااه

اعاصير الجوارح

في إنتظار الغابة الأخيرة؛

تمرّ الأزمان والسنون

أعوادها تصبح أقفاصاً

بينما وريقاتها لن تغدو بلابلاً!!!

كفى

فالضجر يلوكني

سأمسح أغصان كل الفصول

بمكانس من خريف!

منذ الآن

سأطير؛

وفي تلكم الأعالي

ساُري النجومَ

السماوات التي في قلوبكم.

رمضاء أنفي

في إنتظار السعير الأخير؛

دائماً

صِرّ شباط ينجو سالماً

بينما أهداب الشموع محترقة!!!

كفى

إنني على بيدر هذا القيظ

سأذرّ فراشاتي!

أكياسي ملأى بأجنحة محترقة

فيما سأرمي تحليقها ثانية

على فخاخ الشفق!!!

ينابيع القلوب

في إنتظار البحر الأخير؛

في غضون الأطراف المائجة

الجرار متكسرة بأجمعها

والنوارس

ليست سوى

أسرابٌ مرتزقة للساحل!!!

كفى

إنني سوف

أجعل من قطرة الغيث

مرآة للتراب؛

كي تمشط أمامها جدائل التحليق

وتكفّر عن الآثام!!!

أيا أصدقاء الضيق

انتم ترون بأن العداء قد إستفحل!!

لا تزيدونني همّاً؛

أي إنتصارٍ هذا سيُغسل الدم المُراق!!!

لا بأس!

فحصاني ينتظرني

في الجانب الآخر من الإعصار!.

ومنذ اليوم

لن ترونني أبداً

بأن أغرز داخل بساتين المداراة

ثمة فزاعة حتى!.

...        ...       ...

 

في نصوص اليوم