نصوص أدبية

زڭاغ (الأحمر) .. كلب القرية

hamza alshafiبعد أن التهم أخر عَظْمَة وقعت عليها مخالبه في القمامة، عاد أدراجه صوب مكان لا هو ببعيد عن منازل القرية ولا هو بممر للسكان. التفت يمنة ويسرة حتى تأكد أن لا أحد من الغرباء قد تسلل إلى قريته الهادئة. أطفأ مصابيح عينيه وأشعل نيران ذاكرته، وانغمس في تأمل أحداث اليوم بين أزقة القرية وحقولها. بدء يسرد الوجوه البشرية التي التقاها اليوم، والتي رآها من بعيد، وتلك التي يمكن أن تكون قد رأته دون أن يراها... غاب للحظة وهو يصنف تلك الوجوه البشرية  كلها.

راقه عطف وإحسان صبية صغيرة تسكن بمنزل طيني في أقصى جنوب القرية عندما رمته بكسرة خبز مبللة بلبن بقرة الجيران. تذكرها جيدا وهي تمدحه بصوت جبلي رقيق:

"زڭاغ … أبو يجيج، تڭيت ديغ ام ازم!"

[زڭاغ، يا صاحب الشعر الكثيف، أنت تشبه الأسد!]

كما أعجبه كلام فجر اليوم لمؤذن وشيخ القرية عندما مر بجانبه قاصدا المسجد وهو يقول:

" زڭاغ... تفغ تغمرين هات دياغ تسيودت"

[زڭاغ... لا تبقى في الأماكن المشبوهة/المظلمة لأنك تخيفنا.]

قبل أن يضيف مازحا:

"أد اخلو ربي أدغار نك، تسبديتي أزار أود  ڭ  أينا ڭ اور إنكر!"

[يا ويحك، لقد وقف الشعر حتى في الأماكن التي لا ينبت فيها )من شدة الخوف)]

ليتدارك قائلا:

" مشان أزڭاغ اور نغي افطي نك."

[لكن يا زڭاغ لا نستطيع فراقك].

مشاهد امتنان وحنين تسردها ذاكرة زڭاغ يوميا، ما جعله يذرف عدة دمعات ثقيلة ودافئة في ذلك اليوم بالذات من أجل سكان القرية الذين يتعاملون  معه باحترام وعطاء ومرح، ويبادلهم بدوره ذلك بالوفاء والحماية والتقدير.

في غمرة انشغال ذاكرته بكل الوجوه البشرية التي رآها اليوم، تذكر زڭاغ فتى في الخامسة عشر من عمره وهو يستدرجه إلى أعماق حقل عنب وخوخ مسيج مستعملا قطعة لحم يابسة قبل أن يرميه بغتة بأحجار حادة كادت أن تودي بحياته لو أصابته في رأسه. في لحظة تذكره لذلك الحادث الأليم، كشر عن أنيابه وبدا ينبح في لاوعي، وفي كل اتجاه ... أشعلت أضواء منازل القرية وسمع صوت تلاه أخر:

"هات إكشمد كان أبراني س إيغرم! زڭاغ دا إتغوات؛ هات اور دا إتهدار!"

[لقد تسلل غريب إلى القرية! زڭاغ يصرخ؛ إنه صارم!]

أعلنت حالة الطوارئ في القرية وزڭاغ لا يزال نائما يحلم. يمرح تارة ويحزن تارة أخرى. يذرف دموع وفاء وشوق مرة وينبح مرات عديدة لعله يشفي غليله من لا وفاء غير الأوفياء، وإن كان ذلك في الحلم فقط.

و يظل زڭاغ كلبا وفيا للقرية؛ يحرسها ويسعده عطاء ومُزاح ومُدَاعَبَة بعض سكانها ويؤلمه عنف ولامبالاة وإهمال البعض الآخر لكنه لن يؤذي أحدا في الواقع...

 

حمزة الشافعي

تنغير/المغرب

 

 

في نصوص اليوم