نصوص أدبية

محطةُ الرّملِ

كانتْ أشباحُ المماليكِ المغدورين

تحلقُ صوبَ جزيرة فاروس

thamer saeed

محطةُ الرّملِ / ثامر سعيد

 

قبل الغابةِ بفكرةٍ وسؤالين

استوقفتني غيمةٌ

لتشرَحَ لي سورةَ العطشِ

كانَ الوقتُ زئبقاً

سفحَ  قلبَهُ في كفي

وكفي ملساءُ كالحقيقةِ

لا خطوطَ للحظِّ فيها ولا غدران .

 

في محطةِ الرملِ

كانَ الصمتُ يثرثرُ عالياً

وعلى قلوبِ العابرين

الندى البحريُّ يهطلُ .

الرجلُ على مسلتِهِ الشاهقة

يوزعُ نظراتِهِ الشزرةَ

على النسوةِ وبائعي المانجو المتجولين

أما الهلالُ الذي سقطَ

ذاتَ إغفاءةٍ من أصابعِ آمونَ

فصارَ مسناةً للموجِ

واستراحةً للمراكبِ المتعبةِ

ما زالتْ تنضحُ بأنفاسِ الفراعنةِ والمقدونيين .

المقاهي دائخةٌ بالأرجيلاتِ

وحياطينُها مغبرةٌ بالأغاني القديمة

الكلُّ يثرثرُ

عالياً يثرثرون

إلا أنا ..

كنتُ منشغلاً بإخمادِ الحطبِ

تحتَ قميصي !

 

يقولُ لي الحلاقُ الغضُّ

متعثراً بحروفهِ :

يا سيدي ...

لستُ ضليعاً بترتيبِ السنابلِ

من أين جئتَ لي بهذه الحقول ؟

 

أما هناك ..

حيثُ القلعةُ التي أنبتها قايتيباي

في غابةِ الزّعيقِ

كانتْ أشباحُ المماليكِ المغدورين

تحلقُ صوبَ جزيرة فاروس

ثم تسوخُ عميقاً

حيثُ ركامُ المنارةِ الغارقةِ .

هذه بلادٌ مفضوحةٌ بالبحرِ

والمُرسي أبي العباس

فكيفَ أخبئُ في جيوبِ دهشتي

رحيقَ عينيها ؟

 

المغنيةُ التي نَفَحتني منديلاً

من نافذةِ اليوتيوب

لأجففَ أرقي

كيفَ أفهِمُها بأني ناطورُ الغيابِ

تعويني الخرائطُ ، حتى يبستْ حقائبي

في حديقةِ الانتظار

بينما الغيمةُ التي أرهقها التسكعُ

بين رأسي وعينيها

قبلَ أن يأخذها النعاسُ إلى فندقِ البحرِ

كانت ترطنُ في قلبي

كزوجةِ أبٍ ترتبُ مكائدَها اليومية

تسحبني من ياقتي وتقولُ :

أيّها الغارقُ في الزّرقةِ

بلا بوصلةٍ أو مجداف

كنْ حذراً ..

وأنتَ تطاردُ في دَمِكَ

سربَ الغزلانِ المفزوعةِ .

الوردُ يغرّدُ بين يديكَ

وترفرفُ النشوةُ بألفِ جناحٍ

فلا تدري على أيِّ برعمٍ تستريحُ ؟

كيفَ ستَمنحانِ مفاتيحَكما طوعاً إلى العاصفة

وتُسفحانِ على شمعةِ التفرسِ ؟

تنتظرانِ طائرَ الدّهشةِ

يأتي من نهاياتِ الهواء

وحينَ يحطُّ على شجرةِ الرغائبِ

يصطخبُ الأفقُ على زجاجِ النافذةِ !

 

قد تُرديكما رصاصةٌ أو نظرةٌ

قبل الغابةِ

بلهفةٍ واغماضتين

فيضيعُ دمكُما بين القصائدِ .

 

 

في نصوص اليوم