نصوص أدبية

ذَبْحُ اليَاسَمِين

almothaqafnewspaperمهداة إلى..

 روح الشهيدة:

 لينا النابلسي


 

ذَبْحُ اليَاسَمِين / أنطونيوس نبيل

 

1.

مُغمَضَ الشَّفتين

يتحسَّسُ صَمْتَ الجُرْحِ

بإصبعٍ يرتعشُ

كحلمةٍ ثكلى

في فَمٍ جَهِيضْ

*

لا تَخْمِشوا

أديمَ أنفاسِهِ العَابِسة

بأظفارِ لَغْوِكم البَليدْ

فشهيقُهُ رُوحٌ ضَارِعة

تَمضُغُ رُطَبًا مِن الجَمرِ

وزفيرُهُ بيداءُ ظَمإٍ

مَسْجُورةٌ بعِظامٍ

مِنْ أنينٍ وئيدْ

*

اصرِفُوا عنه كأسَ خَمرِكم

فللحَببِ فحيحٌ

وفي القاعِ صَريرٌ دَبِقْ

*

وجوهُكم

قروحٌ تنتَهِشُ أحداقَ الحُلْمِ

بَرَصٌ مَسكوبٌ في أحشاءِ المَرايا

وقبورٌ مُترعةٌ بخواءٍ ثرثارٍ

هي حناجرُكم

*

كما زِرٌّ يتململُ في رَمْسِ عُروتِهِ

دائبًا في ارتقابٍ مَرير

ذاهلًا في انتظارِ الأناملْ

يترنَّحُ مَخمورًا

برَحيقِ اسمِها المَشبُوبْ

*

على بَرزَخٍ مِن شظايا الأرَقْ

دَعُوهُ جناحًا نحيلًا

يُعانقُ خَصْرَ اللَّهَب

فما القلبُ إلَّا مُضْغَةٌ

مِنْ لحمٍ تَشهَّى

أن يستحيلَ بَخورًا مِن الأغنياتِ

***

2.*

يا سِدر يا طُهر الحَليبْ

يا أنگى م الفِضَّة الرُّوباصي

ما تِحتمل لَثم الحَبيبْ

كِيف تِحتمل مَسِّ الرَّصاصي

يا سِدر يا غافي الورودْ

يا شهگة العِطر السُّلافي

كِيف تِحتمل نَبْشِ البَارودْ

ونتا اللي تَأذيك الشِّفافي

***

3.

"بَهَرُوا الدُّنيا

ومَا فِي يَدِهِم إلَّا الحِجَارة

وأضاؤوا كالقناديلِ

وجاؤوا كالبِشَارة

قاوموا واستبسَلُوا واستُشْهِدوا

وبَقِينا

قاتلوا عنَّا إلى أنْ قُتِلُوا

وبَقِينا"**

*

وبَقِينا

فِي مَقَاهِينَا بَقِينا

ليسَ فِينا

أوْهَى نَبْضٍ مِنْ جَسَارة

*

وبَقِينا

نَلْبَسُ الوَجهَ الحَزينا

قانعينَ

بالدُّموعِ المُسْتَعَارة

*

وبَقِينا

نَثغُو بالخُطَبِ اللَّعِينَة

آملينَ

أنْ يَلُوكَ القَلْبُ عَارَه

*

وبَقِينا

بالقَضيةِ صَارِخينَا

حتَّى صَارَ

الحَلْقُ وَكرًا لِلدَّعَارة

***

4

"بَهَرُوا الدُّنيا

ومَا فِي يَدِهِم إلَّا الحِجَارة

وأضاؤوا كالقَناديلِ

وجاؤوا كالبِشَارة

قاوموا واستبسَلُوا واستُشْهِدوا

وبَقِينا

قاتلوا عنَّا إلى أنْ قُتِلُوا

وبَقِينا"

*

وبَقِينا

أيُّ وَحْشٍ

تَحْتَ بَشرتِنا الثَّخينة؟

جِيفَةٌ

قد عَافَهَا الدُّودُ احتقَارا

*

وبَقِينا

رَهْنَ لَيلٍ

ظَلَّ يَأبى أنْ يَلينا

ورَضِينا

أنْ نَقيءَ العُمْرَ زُورًا واحتضارا

*

إذ نَسِينا

أنَّ شَرَّ الكُفْرِ ذَبْحُ اليَاسَمينا

كافرينَ

كَمْ سَفَكْنَا

العِطرَ فِي مَبغَى التِّجَارة

*

إذ نَسِينا

أنَّ رَبًّا

قد تَجَلَّى بوَجهِ لينا

حينَ غنَّتْ

صَلَّتِ الأزهارُ عِشْقًا

والمَلائكُ سَاجِدينا

حينَ أنَّتْ

شُقَّتِ الفِردَوْسُ شَقًّا

صَعَّدَ الكونُ الأنينا

*

أينَ لينا؟

إنَّا بالأشواكِ تَوَّجْنا النَّهَارا

أينَ لينا؟

قد صَلَبْنَاها ونَصْلُبُها مِرَارا

وبَقِينا

 

....................

* بكائيةٌ أشبهُ بعديدِ قريتي بجنوب مصر، والكافُ الفارسيةُ لدلالة على القافِ المنطوقةِ جيمًا غيرَ مُعطَّشة.

** مقطعٌ مِن قصيدةِ "أطفال الحجارة" للراحل الرائع: نزار قبَّاني، بتصرف طفيف.

 

 

في نصوص اليوم