نصوص أدبية

الميزان

حميد الحريزيكان غافل يجيبب على اسئلة القاضي بدون مبالاة، مصيره معروف ولا داعي للانكار او المراوغة، كان يحدق كثيرا ب(والده) (عبود) الذي يجلس وسط القاعة بملابسه الرثة، وجه مجعد وشوارب كثه، ذراع مكشوف موشوم ب(الحياة عذاب) ...

تمر في مخيلة غافل، جوعه المزمن، اغتصابه من قبل ما وصف ب(والده عبود)، نزوله الى الشارع للعمل، معاون سائق لسائق سكير شاذ، يتناول الحشيش، يتغزل بالغلمان يعلن امام مماثليه ان غافل احد غلمانه، شجعه على سرقة بعض الركاب المغفلين في اوقات الزحام، يغرر باطفال الشوارع والاسواق لسلوك طريق الشذوذ مقابل استلام عمولة من اللواطين، السطو على الدور، ضرب السكين، التسليب والاغتصاب تحت تهديد السلاح بالاشتراك مع آخرين، مرات ومرات حاول قتل والده(عبود) ولكن عبود كان حذرا يقضا لمحاولته، كان يطرده ناعتا اياه بابن الحرام، ابن الزنا ...حينما القي عليه القبض بسبب جريمة سطو وقتل بشعة، كان يعمل لحسابه الخاص خارج نفوذ (عبود).

من داخل قفص الاتهام يلاحظ (غافل) وجود العجوز المتشردة التي كانت الوحيدة التي تعتني به، وتتألم لألمه وتفرح لفرحه، والوحيدة التي كان يعطف عليها كثيراً ويفيض عليها من سرقاته وغزواته من المال والغذاء، على الرغم من انها لا تطلب منه، يحميها ممن يحاول ان يغتصبها أو يعتدي عليها من الشقاوات او من المتسولين، وقد كانت هي شاهد نفي الجريمة الوحيد عنه...

لفت نظر أحدهم وجود المرأة التي تبدو جميلة على الرغم من تشردها، في وسط القاعة، تبكي بكاءً حاراً وان كان مكتوما وهي تصوب نظرها الى قفص الاتهام مرددة بصوت خافت ان المجرم واحد من علية القوم الحاضرين في قاعة المحكمة .

نودي عليها، القت شهادتها بكاءً وصراخاً بأن غافل بريء ...بريء ...بريء وأن المجرم واحداً من الحضور،دون ان يكون لديها دليلا على البراءة أو الأتهام .

سجلت شهادتها،وأمرها كبير القضاة بالجلوس .

- بعد المداولة وسماع شهادة شهود الأثبات، والاطلاع على الادلة الجنائية المستخدمة في الجريمة من قبل المتهم وبعد المداولة . أعلن كبير القضاة حكم المحكمة بالاعدام شنقا حتى الموت على المجرم (غافل عبود) وفق المادة رقم () ودلالة المادة رقم ()، قرار اتخذ بالاجماع وافهم علنا . ثم رفع الجلسة

ارتفع صوت المشردة من وسط القاعة باكيا صارخا

ما اقساك ياولدي فقد حكمت على شقيقك بالاعدام !!!

 تنبه جمهور القاعة وهيئة القضاة، تشاركه حيرته وسؤاله الذي يدور في رأسه حول الشبه الشديد بين (غافل) وبين كبير القضاة (سرمد فاضل) كما مكتوب على دالة برونزية موضوعة امامه باعتباره رئيس الجلسة !!!.

استدعى كبير القضاة المشردة اختلى بها لسماعها، فقصت له حكايتها قائلةً:-

سرحت في مخيلتها بعيدا لتستعيد مرارة الذكرى، حيث اغراها ابن سيدها الذي تعمل شغالة في داره، وكان ما كان، تنكر لها واتهمها بالسرقة بعد ان علم بحملها، فكنتم ياولدي توأماً، القيتكما خلف سياج المسجد، تبنى غافل (عبود)، وتبناك أنت الدكتور الثري (سرمد)، وقد كنت اتابع مصيركما عن بعد،فصار هو(غافل عبود)، وصرت انت (سرمد فاضل)...

عمت قاعة المحكمة ضجة كبيرة وتكاثر اللغط، وقع (سرمد فاضل) قرار الحكم وقرار استقالته من القضاء، بعد أن أستمع لحكاية المتشردة وشاهد سقوط الميزان.

 

قصة قصيرة

حميد الحريزي

 

في نصوص اليوم