نصوص أدبية

ذكرى الهروب

عادل الحنظلحين تترك ارضَكَ ليلا

مخفيّا في العتمة

لا تحملُ الّا خوفَك

تتلفّتُ في شتّى الارجاء

تخشى غدرَ الحيطان

وتلوذُ بصمتِ الموتى

كي لا تسمعكَ الأحجار

أو تبصر خوفك أبواب الجيران

تتعثرُ بالريح

تتمنى الا يصدرَ قلبُكَ نبضا

يسمعُه كاتبُ تقريرِ الحزب

وتهربُ في ذعرك كالمجنون

ويصبح دربُكَ أطولَ درب

فستعرفُ انك ان وصلتَ فلن تعود

ولن تعود..

فمن يتلفّع بالظلام

كي يجدَ السلام

يرعبهُ الضياءُ في بلد اللئام

**

في وحشةِ تلكَ العتمة

اتلمّسُ جسمي

اتَوَجسُّ رَوْعا

ان كنتُ تركتُ به

ما يفضحُ إسمي

فأنا محظورٌ ان اعبرَ خط ّ التالوك

أو أعرفَ ماذا في الجهةِ الأخرى

لا أحملُ أوراقا عني

غيرَ جوازٍ لفّقتُ به رسمي

ولقد غيّرتُ ملامحَ وجهي

كي أبدو مثلَ الصعلوك

وشطبتُ تواريخ الميلاد

وسرقتُ هوية منكودٍ مثلي

كي يخطأَني حارسُ أمنٍ مسعور

ودسستُ بكمّي أدعيةً من أمي

تحرسني من سحرٍ شرّير

أنا واللوعةُ سرنا نحوكَ ياطريبيل

مجهولٌ يمشي للمجهول

هل تكشفني عين الجلّاد

فترى في وجهي هلَعي المكبوت

صورٌ تتقافز في عقلي كاللعنات

وتمرُّ ثقالا لحظاتُ الرعب

ذعر..

ذعر..

وكأني مجرمُ حرب

**

يتفرّسُ في وجهي شرطيُ المخفر

ويقلّبُ صفحات جوازٍ

ليس به أسمي

نادى بصوتٍ اشبه بالخنجر

أحرقَ أحشائي

يَبسَتْ قدمي

و فمي كالبئر المهجور

فقرأتُ صنوف الآيات

لا أدري ان كانت انجيلا أو قرآن

أو هذيان

ودعوتُ إلهَ جميع الأديان

فأنا أرتعشُ كالسعفة في الريح

ممتقعٌ وجهي

يتمزقّ قلبي هلَعا

أن يفضحني هذا الشيطان

**

حين عبرتُ بلادَ الخوف

وكسرتُ القيد

وعرفتُ سعادةَ أن أغفو

لا أخشى غدرَ الغد

طَفَرَت مني دمعةُ حزن

لا نشوةُ نصر

أفليس الغيمُ هنا ذات الغيم

فلماذا في بلدي يمطرُ دم

***

عادل الحنظل

...................

* لمناسبة ذكرى مرور 23 عاما على خروجي من العراق متخفيا. في تسعينيات القرن الماضي وقع العراق تحت حصار مؤلم جعل العيش الكريم صعبا للغاية، لهذا سعى من استطاع الى مغادرة البلد، لكن النظام منع أساتذة الجامعة غير المتقاعدين من السفر ووضعت أسماؤهم في دوائر الجوازات وفي المنفذ الحدودي الوحيد آنذاك، منفذ طريبيل مع الأردن. كان السبيل الوحيد أمامهم للرحيل هو أما بتغيير أسمائهم في جوازات السفر أو التزوير بطريقة أو بأخرى، ولا يحملون معهم عند مغادرتهم أية وثائق تدل عليهم. كانت رحلتي للهروب من ذلك الواقع المر صعبة للغاية، خرجتُ ليلا من البصرة نحو طريبيل في السيارة مسافة ألف كيلومتر، وكانت مخاطرة كبيرة أن يُكشف أمري في أي من نقاط التفتيش. وكان من يغادر بهذه الطريقة يكتم أمره تماما فلا يعرف بذلك أحد حتى من أقرب المقربين، لخطورة الوضع وخشية افتضاح الامر، ولكثرة المخبرين من رجال الحزب الحاكم. هذه القصيدة تصف ليلة خروجي من داري متخفيا وحتى عبوري الحدود.

 

في نصوص اليوم