نصوص أدبية

قصيدة مُبلّلة إلّا وطن

فاتن عبد السلام بلان

ثمَّةَ بؤبؤانِ يتلصّصان ..

كنهرٍ بعيدٍ تُحدّقُ بي

حذارِ .. حذارِ

سيسقطُ رأسي بألفِ سَمَكة

كيف سأغرّبلُ

مجدافَ هروبي مِنْ مجدافِ ظلّي

وأنتَ تُشاكسني

بنشنشةِ زورقٍ

وثرثرةِ قشّةٍ

وغرغرةِ حصاة ؟

**

مَنْ منّا سينزعُ الشَبَكَ أولاً ؟

أنتَ .. تُلاغزُني

بقافيةٍ إلّا زُرقة

وشراعٍ بلا وِجْهة

وقُبلةٍ دونَ شِفاه

وأنا .. أستشيطُ شوقًا

 فمي رسائلُ غرقى

وكفّايّ ستةُ نوارسٍ

وأربعُ صفصافاتٍ إلا جسر !

**

مَن منّا سيتشعّبُ كالضوءِ

في موجِ الآخر

ومراياكَ على ذمّةِ التصحّرِ

وملامحي على قيدِ العطش؟

ومع كُلِّ هذا وذاك

غمّازاتكَ تخطوطبُ

فتمغنطُني

وأصابعكَ تتجسّسُني

كالرادارات

وأنا أفكُّ أزرارَ كيف

مِنْ عرواتِ لماذا

وكُلَّني أتعرّقُ حيرةً

تحتَ ألفِ فرسخٍ من اللُهاث

**

أتلبَّسُكَ على مصلوةِ التخاطر :

أتتشاقى برشْقةِ نهرٍ

وتَشْرَقُ بزَعْنَفةِ "أحبُّكِ"

فيتخثّرُ نبضي بنشيجٍ مُدْقع ؟

أضعتُني على حافّةِ الغرق

وضفّتاي قاربانِ بعشرةِ صيادين

**

أحبُّكَ بالجدوى واللاجدوى

و بغمْزةٍ مضْفورةٍ

 برمشِ الماء

مَن منّا سيرتكبُ حماقةَ الرحيل

ونمشُ صوتكَ

 يطفحُ بالحفيف

والخريفُ مسافاتٌ برّمائية

بين شيطنةِ معابركَ وتهجّدِ ممراتي ؟

**

أحبُّكَ بالشعورِ واللاشعور

و بشرنقةٍ حُبلى

بحقلِ فراشات

مَن منّا سيبتكرُ أكفًّا للتلويح

وعيناي ساقيتا آهٍ

في هسيسِ المناديل ؟

يا لذروةِ التيهِ اللولبيّة

وأنتَ تقترفُني

بوسواسٍ قهريّ

فأصْدَأُ في قبضةِ تخاريف

رمَّدتْ ماءَ الشمسِ

بظلالِ الفوانيس !

**

أحبُّكَ حدَّ الإختناقِ والتلاشي

فما زلتَ نهرًا

تُحصّصُني على الإبحار

وتشاطرني برَّ القلق

أحبُّكَ حدَّ التكْميمِ للزفير

فما زلتَ رجْفةً

تستدفئُ في صدري

كبلادٍ مزكومةٍ برُهابِ الحرب ..

**

وا أسفاه أتُهمّشُ زُرقتكَ

في حواشٍ ضبابية

وتُعنونُ خرائطَكَ

بهجرةٍ إلا زهايمر

وأضلاعي موانئُ لجوءٍ

وكتفاي هواءٌ وخُبز .. ؟

أتجغّرفُ بأربعةِ قلوب

أنا الطافحةُ بأبراجِ الحَمَام

المُفْرطةُ في جذورِ الوطن

فلماذا تبرُّ شريعةَ الفزَّاعاتِ

وتعقُّ الزيتونَ بفؤوسِ السَّفر ؟

**

يثْكلُني جُرْحُ الوداع

صافحني بعناق

تشمّسني بعناق

تفيّأني بعناق

صدّقْ أو لا تُصدّق

النهرُ في غيابكَ

زجاجٌ يُدمي كُلْيتيَّ حدَّ العراء

وأنا جَناحٌ مِنْ سِربٍ

أراوغُ مكيدةَ القفّاصين

وأستذئبُ على لعنةِ الرصاص

**

يثْكلُني جُرْحُ الوداع

حدّقْ بي أكثر

لأعبرَ إليكَ أكثر

لأتقمّصكَ أكثر

صدّقْ أو لا تُصدّق

 تعرقلُني المطبّاتُ

لكيلا أُبكَّرَ في العودةِ إليكَ أكثر !

**

ثمَّةَ بؤبؤانِ يتلصّصان

ووجهٌ يفيضُ بالألغام

وجُحُورٌ ملأى بالغرباء

وأنا رفرفةٌ أمامَ سارية

وإشارةُ اِستفهامٍ خلفَ شاهدة

يؤلمُني صمتكَ العاري

تجلدُني "أُحبّكِ" الباردة

فكيفَ أعوّلُ على شبْرٍ بيننا

والخطوةُ صرخةٌ كسيحة

وأسلاكٌ شائكة

وقصيدةٌ مُبلّلةٌ إلّا وطن ؟

***

فاتن عبدالسلام بلان

في نصوص اليوم