نصوص أدبية

منتصف الجرح

قدور رحمانيأَحْرَقْـتُـمْ

قاموسَ الأفعال وقاموسَ الأسماء على شفتــي ..

وغَزَلْتُــمْ كم ســوطٍ مَسْمُـومٍ

يجلدنــي

ما بين غشاء النبض ومِحْبـَـرَتي ..

كلُّ الأطيار البِيضِ تُوَدِّعني ..

تتزاحم في ميناء الدمــع وتطعنني

بِرِمَـاحِ الشَّــدْوِ

فَـأَنْــثُــرُ ياقوتا ونجوما من عينيَّ وأوردتي ..

في ريش خوافيها وقوادمها

تبكي مدنٌ وقُــرًى

وجميعُ الألفاظ الـمَطْوِيَّــةِ في لغتــي ..

**

أحرقتم في صدري كم قُــبَّــرَةٍ

كانت تتهيَّأ للطيرانْ ..

وسحبتم من دِيَـمِــي

كم ساقيةٍ كانت تتعــرَّى في نَهَــمِي

للــتَّــدْرُجِ والكَــرَوَانْ ..

أحرقتم جبة قلبي ..

ياقلبي تبكي وتوزع أدمعكَ الحـَـرَّى

مابين الإبـْـرَة والـخِيطانْ ..

أحرقتم رُمَّانا

يتكوَّر بين تنهد أوردتي الـمَسْكُوبَةِ والـخَفَقَانْ ..

وزرعتم كم من أغنيةٍ للـشُّــؤْمِ

تَـحُــومُ ، صباحَ مساءَ ، مع الغربانْ ..

حولتم أضلاعي سفنا للغربة والمنفى

وسَلَالِـمَ للأحزانْ ..

وحضنتم بَيـْـضَ الدمـع وفيـضَ القمـع

وأعشاش الشيطانْ ..

جَفَّفْتُمْ كم نهــدٍ

بالشهد يُنَمِّــقُ خارطة الدنيا

ويـُـزَوِّقُ بيتَ الحب بنُــوَّار الـمَرجانْ ..

أحرقتم كم حقلٍ

يَتَطَاوَسُ فوق دمي .. يتحاور بالألوانْ ..

أحرقتم كل نِيَــاقِ حنيني .. كل رياحيني

ومَجَــرَّةَ أشواق تتزاحم في وَهَجِــي

كالنحل الـمُثمر في واحاتِ القِبلــة والغفــرانْ ..

**

في منتصف الجرح المفتوح أشمُّ بذورك ياوطني

تَتَفَتَّـقُ بين جذور النارِ ..

تُفَــرِّخُ أجراسا فوق الأحجارِ

وتنفخ في نبضي أغصانا داميةً

تتقاطر لاهثــةً

كشرايين الشفق المذبوح على الشطآنْ ..

تَتَعَوْسَجُ في حلقي..

تتعوسج في كتبي .. في أروقة النسيانْ ..

إني بجميع عروق القلبِ

أَسُــحُّ على هضباتك ياوطني

وأُقَـبِّل فوق سواحلك العطشى مُدُنا وأناملَ دامعــةً

كَبَقَايَا من عسلٍ تَتَلَعْثَمُ في الحيطانْ ..

أتذوَّق سُكَّرَ أمِّي

وَهْيَ تُـمَشِّطُ شَعري تحت ضفائــر داليــةٍ

وتـمد سواقيَ من ألحــان أصابعها

وصبايا أعمقَ في قلبي

من در الأنجــم في مــاء الأزمــانْ ..

أستنشق في زهر الرمَّان حنينا

يَرْعُفُ داخلَ أوردتي كمصابيح الرُّهبانْ ..

وأقبِّل كم من داليةٍ في مئذنةٍ

تتدثّــر بالذكرى

وحنين  القمرِ الـمُغْــرَوْرِقِ في الأحضانْ ..

تبكي وتعانقني

وتـمد جدائلها المبحوحةَ فوق ظلال الوشم

زوابعَ من أَرَج  وَدَمٍ ..

تتسلَّق كالعُلَّيْـق أنين الأضلع والأجفــانْ ..

وطني ألقاك وتلقاني في منحدر المنفى

نتطاير مثلَ فَــرَاش النَّـزْفِ

يُشَرْشِفُه

بـرقٌ ودمــوعٌ  بين الخنجـر والشِّريانْ ...

***

قدّور رحمانــي

 

 

في نصوص اليوم