نصوص أدبية
شهْوةُ الأسْرِ
هلْ تُسألُ الرَّيحُ عمّنْ موَّجَ البَحْرا
وتُسألُ النَّارُ عمَّنْ أوقدَ الجَمْرا؟
أو يعرفُ النَّحْلُ ما يجنيْهِ منْ عَسَلٍ
ويُسألُ الزَّهْرُ عنْ أنسامهِ العِطْرا!
يا حاديَ الشِّعْرِ في إيقاعِ قافيتي
تبكي التَّفاعيلُ في ميزانِها عُسْرا
كأنَّني لمْ أكنْ رسَّامَ لوحتِها
ولمْ أُلوّنْ حروفي منْ رؤىً حبْرا
ولمْ أُعنقدْ دواليها بقافيةٍ
ولا رأتْني بضادٍ عاصراً خمْرا
ولمْ أكنْ عاجناَ بالبوحِ سنبلِها
ولا رغيفُ الرؤى خمّرْتُهُ الفُقْرا
ولمْ أُكاشِفْ صدىً قدْ بحَّ يسجنُني
وقدْ رفضْتُ قيوداً تمنعُ الفكْرا
فكمْ هززْتُ بكفّي جذعَ نخلتِها
فاسّاقطَ الوحيُ منْ نعمائِها تمْرا؟
وكمْ صعدْتُ على دّرْجاتِها ولداً
وكمْ حبوْتُ وليداً في الهوى عشْرا
وكمْ تموسقْتُ في فاصولِها نغماً
ودندنَ الّلحنّ حرفاً يُرقصُ السَّطْرا
وقَدْ عرجْتُ جناحاً في مدى لُغتي
سبْحانَ مَنْ ببراقِ الرُّوحِ قدْ أسْرى
لتنتشي كلِماتي في مواضِعِها
تختالُ واحدةٌ إذْ تزدهي أخْرى
يأتينَني يوسُفاً يُغوي زليختَهُ
فيمَ العفافُ بمنْ لا تقبلُ العُذْرا؟
وما خطوْتُ على آثارِ مَنْ سبقوا
إلَّا عبورَ طوافٍ ذلكَ المسْرى
فكمْ قبضْتُ على ضادِ الرُّؤى شغفاً
وماءُ كفّي سواقٍ سُلْسِلتْ نهْرا
واليومَ نهري ضفافٌ في تيبّسِهاِ
يا خيبةَ النَّهرِ لمَّا خانَهُ المجْرى
يا شعرُ خضرُكَ أغراني برفقتِهِ
لكنَّني مَعَهُ لمْ أستطعْ صبْرا
يا شعرُ حمَّلْتني ما لسْتُ أحملُهُ
طوعاً وكنْتُ بهِ المُستعبدَ الحُرَّا
فما الكلامُ بمجْدٍ في علانيةٍ
ولا الضَّميرُ براضٍ قولَنا سرّا
ضدّانَ في النَّفسِ عاشا في معاكسةٍ
أمرانِ أحلاهُما لوْ ذقْتُهُ مُرّا
وما عرفْتُ سوى الآلامِ فلسفةً
وكيفَ مَنْ جرحهُ في الرُّوحِ أنْ يبرا؟!
كأنَّما رحلتي في العُمْرِ واهمةٌ
فخيرُ ما أمطرَتْني غيمةٌ شرَّا
أُرتّقُ الحُلْمَ بالآمالِ بارقةً
علَّ التمزّقَ بينَ النَّاسِ لا يُدْرى
وما أُفرّطُ في حرّيَّتي فأنا
بها الغنيُّ وقدْ ملّكتْها تبْرا
ولا خفضْتُ جناحي في مُواجهةٍ
ولا خشيْتُ بحقٍّ قلتُهُ: جهْرا
يا شعرُ ما زلْتَ رغمَ الآهِ تأسرُني
ومنْ عجيبي بأنّي أشتهي الأسرْا!
***
د. وليد العرفي
