نصوص أدبية

قصي الشيخ عسكر: الطابور

قصي الشيخ عسكرقصة لمحة

لكنه بدا لي الآن بصورة أخرى تختلف تماما عما ألفته عليه من قبل. كنا قبل ثلاثين عاما ندرس معا في مدرسة (كرون فس) العالية بإحدى ضواحي كوبنهاغن، ليلتها استوقفني وهو يكاد يغصّ بالضحك. قال إنّ أوكينو صديقته اليابانية عارية في السرير، غائبة عن الوعي تماما.. سجارة حشيش من لف يديه جعلتها ترقد حتى الفجر. هي فرصة أمامنا نحن العرب، إذ دعا عبد المنعم والآن معها في السرير. أحمد بعد خمس دقائق. يمكنني أن أذهب إليها. فهل رآى أحد سالما لكي يدعوه...

قلت له لو صحتْ وأدركت ما تفعل لرفعت دعوى تتهمكم باغتصابها..

حاولت إيقافه غير أنه تركني وانطلق يواصل ضحكه ويضيف ساخرا:

هذا إذا صحت قبل صباح الغد.

لقد انسلّ إلي من ركام السنين عبر الرصيف الآخر بوجه عبوس معتم ذي حاجبين كثّين غزاهما البياض ولحية مفرطة الطول سلّم عليّ كأنّه يتعجّل أمرا ما. قال:

إذا أحببت أن أراه فسأجده يوم الجمعة في المسجد المركزي أما الآن فصلاة العصر تدعوه، ثمّ دعا لي بالخير والهداية وخطا قبل أن يسمع جوابي إلى الساحة الصغيرة التي تقابل مكتبة (بلو كوردن) والتي اتخذت منها مجموعة يسارية ماوية مكانا لنشاطها أيام العطل.. ارتقى تلّة وسط الساحة ووضع إبهاميه تحت أذنيه وراح يزعق بالأذان.. لم يلتفت إليه العابرون كأنّ الأمر لا يعنيهم..

كنت وحدي أتطلع إلى الساحة فلا أرى  أو أسمع أيّ شئ سوى أكينو اليابانية العارية  الغائبة عن الوعي ممددة على التلة يقف بين قدميها طابور طويل من العراة لانهاية له، كانت تصرخ من الألم وليس هناك من صوت آخر.

 

قصي الشيخ عسكر

في نصوص اليوم