نصوص أدبية

باسم الحسناوي: عاصمةٌ بإقليمِ الجسد

باسم الحسناويليسَ كالنّاسِ سوفَ يغدو رميماً

إذْ يُهالُ الثَّـــــرى الحبيبُ علَيهِ

هوَ روحُ الحياةِ إذ هيَ قشْرٌ

وجميعُ الوجــودِ ملكُ يَدَيْهِ

2-

لك وجهٌ آيةٌ أقْرَأُهــا

وبتَأْويلي لها قد أكفُرُ

لِيطوِّقْ عُنُقـــــي سَيْفُكَ إذْ

يجْمَحُ المَعْنى..أنا لا أشْعُرُ

3-

اللهَ أعْبدُهُ في مقلتَيكَ فـــــــــــــــلا

جُناحَ لوْ قلْتُ: لي أصبحْتَ مُعْتَقَدا

أمّا الهـــدى فضلالٌ حينَ ترفضُهُ

أمّا الضَّلالُ متى ما اختَرْتَهُ فَهُدى

4-

أختارُ أنْ أبكـــــي فأضحكُ كلَّما

ضحكَت خيالاتي ربحتُ مواهبا

 

فمواهبُ الضَّحِكِ الحزينِ جليلةٌ

وأجلُّهـــــــا ما كانَ حُزْناً راهبا

5-

هيَ لم تجئْ، هيَ ربَّما مشغولةٌ

بحديثِ جبريلِ الملاكِ الأعْظَمِ

هيَ لوْ تقاسُ بمرْيَمٍ هيَ مَرْيمٌ

عفَّ الكيانُ عن الخَيالِ المُبْهَمِ

6-

لم تكن تلكمُ الدُّموعُ دموعاً

ذرَفَت مُقلتاهُ جَبرائيلا

كانَ يبكي فكم جرى من فراتٍ

أسوةً بالحسينِ سالَ قتيلا

7-

بلادُكَ عصفورةٌ هربَت

وأنتَ بكفِّكَ للسَّحْبِ خَيْطُ

تفرُّ بلادُكَ دوماً تفرُّ

ويبقى وحيداً معَ الجَيْشِ سِبْطُ

8-

أعطيتُهُ الدَّيْنَ القديمَ وكلَّما

أعطيتُهُ دَيْناً تزيدُ ديوني

هل سوفَ يكفي أن أقولَ أحبُّهُ

فأحبّهُ جداً لحدِّ جنوني

9-

الوهْمُ حتى حينَ ينجبُ أمَّةً

وتموتُ من هرَمِ السِّنينِ غلامُ

عيناهُ أقْتَلُ من عيونِ نسائِهِ

بالرُّغْمِ من أنَّ النِّساءَ سهامُ 

10-

عراقيٌّ أنا حتى نخاعي

حفرتُ الحزْنَ حتى سالَ نهْرا

ولستُ أرى المياهَ تسيلُ لكنْ

أرى عطَشاً وإنَّ الموْتَ مَجْرى

11-

كان في عيشِهِ حكيماً حكيماً

حيث قلبُ الفتى كتابٌ أصيلُ

كان في موتِهِ كبيراً كبيراً

حيث روحُ الفتى بلادٌ تصولُ

12-

هل تعلمينَ بأنَّ شمسَكِ وحْدَها

تَهَبُ الضِّياءَ وحوليَ الظلْماءُ

وبأنَّ أسْماءَ الكواكبِ كلَّها

زورٌ وعنْدكِ تلكمُ الأسْماءُ

13-

شفَّ قلبي فأنتَ فيهِ إلهٌ

أينَ قلبي، أراهُ رعْدَكَ، بَرْقَكْ

وأراهُ لكنْ أراهُ على العرْشِ

فماذا جرى ليهجرَ رقَّكْ

14-

 

أنا لسْتُ أنْ ألجَ السماءَ بقادرٍ

في حين انَّكِ كلَّ حينٍ قادرَهْ

العدْلُ كلُّ العدْلِ أنتِ وعالِمٌ

أنَّ التي حكمت بعدْلٍ جائرَهْ

15-

أنا ضدّ أنْ يهوى الفتى إنسانةً

ويموتَ من حرِّ الصَّبابةِ والهَوى

ينأى الحبيبُ ولا أراهُ نائياً

عنِّي فما أدري وحقِّكِ ما النَّوى

16-

لستَ عندي ذا تهمةٍ حين قتلي

بل أرى قتلَ مهجتي استحقاقَكْ

لي رجاءٌ قبلَ الوفاةِ عراقي

خذْهُ مني وامنَحْ حنيني عراقَكْ

17-

يستمرُّ النزاعُ بيني وبيني

فأنا اللهُ جنبَهُ الشيطانُ

أغريقٌ أنا، فإني غريقٌ

أغريقٌ بنفسه الشطآنُ

18-

أنتِ التقيَّةُ رغمَ ما قالوهُ من

أنِّي وأنَّكِ قد تجنَّبْنا التُّقى

أنّا اندمجنا في الحقيقةِ هكذا

حتى ارتقَيْنا، نعمَ ذاكَ المُرْتَقى

19-

قُبْلَتي في خدِّكِ الأيمنِ نخلٌ

قُبْلَتي في خدِّكِ الأيسرِ نَهْرُ

الوجودُ الآنَ حيٌّ عنْدَما

نتقنُ اللثمَ وإلا فهْوَ قَبْرُ

20-

هنالكَ في أَقْصى الفُؤادِ رزيَّةٌ

تشيرُ إلى أنَّ القَصيدةَ ثاكلَهْ

رَبِحْتُ حَياتي أمْ خَسِرْتُ فإنَّني

أقدِّسُ فيها أنَّ حُزْنيَ عائلَهْ

21-

أحجُّ إلى المَحْبوبِ حجّاً موفَّقاً

وألثمُ آثارَ المَسيرِ متى يَمْشِي

فإنْ أزْعَجَتْهُ الرِّيحُ حينَ هبوبِها

بأتْربةٍ حالاً يدثِّرُهُ رَمْشِي

22-

أنا ميِّتٌ من أجْلِ أنْ تحيا البلادُ

وكلَّما قد متُّ لم يحْيَ البلَدْ

قَدْ قيلَ عن روحي السَّماءُ بأسْرِها

والأرْضُ عاصمةٌ بإقليمِ الجسَدْ

23-

لا يطيقُ الصَّلاةَ خَلْفَ إمامٍ

أإمامٌ ونَظْرَتاهُ الإمامُ

فيهِ سرٌّ مقدَّسٌ لَوْ تَجَلّى

لبني آدَمٍ لكانوا اسْتَقاموا

24-

لا تَحْسَبوا بِهمو سوءاً فإنَّكمو

ستسلكونَ إذا زالوا كما سلَكوا

جِبِلَّةُ الظلمِ فيكم قبلَ مولدِكم

بالقتْلِ كالقاتلِ المَقْتولُ مُشْتَرِكُ

25-

دعي أستقبلِ الطَّعَناتِ تَتْرى

برمْحٍ تارةً وبحدِّ سَيْفِ

فعَزْرائيلُ ضَيْفي كلَّ حينٍ

وإنِّي مُحْتَفٍ جدّاً بضَيْفِي

26-

أنتَ للشِّعْرِ والجمالِ إلهٌ

ألمعيٌّ وليسَ تُجْدي الحروبُ

قلتُ مهْلاً أليسَ من عاطفاتي

ينبعُ الشِّعْرُ أو يفزُّ الحبيبُ

27-

إنِّي أحدِّقُ في البعيدِ فلا ترى

عيني سوى صبَّينِ حينَ أحدِّقُ

قد قبَّلا بعضَيهما وتَعانقا

ذا المغْرِبُ الأقصى وذاكَ المشْرِقُ

28-

 

أنا في صراعٍ هَلْ أقبِّلُ أوَّلاً

من الشَّفَةِ العُلْيا فذاكَ شُعاعُ

أم الشَّفَة السُّفْلى أقبِّلُ قَبْلَها

فتِلْكَ سفينٌ ثمَّ تِلْكَ شِراعُ

29-

لعمرُ الخمرِ ذا قسمٌ عظيمُ

لقد أرهقتَ سكري يا نَديمُ

لأوَّلِ مرَّةٍ ألقى نَديماً

على خَمرٍ أعاقرُها يلومُ

30-

جرَّ السَّماءَ معانقاً ومقبِّلاً

حتى يذوبَ كيانُهُ الضَّوئيُّ

اللهُ جلَّ جلالُهُ هوَ ربُّهُ

لكنَّما هوَ كنْزُهُ المَخْفيُّ

31-

طُرُقي تستقيمُ مأساةُ روحي

أنَّها تستقيمُ مهما انحرفْتُ

أَزَعُ الكونَ كلَّهُ، لا تصدِّقْ

بوصايايَ فالصَّحيحُ انجرفْتُ

32-

إنِّي لأنظرُ في المرآةِ لستُ أرى

سوى حبيبي، أمّا قالوا لقد جَحَدا

لَوْ قد شربْتَ قراحاً من مودَّتِهِ

لغابَ وعْيُكَ حتى لا تَرى أحَدا

33-

سَيْفُ الإمامِ المُرْتَضى من برْقِ

عينَيها لضرْبَتِهِ صِفاتٌ أربَعُ

ماضٍ وصَمْصامٌ وحقٌّ ناصعٌ

ويهزُّ قبضتَهُ البَطينُ الأنْزَعُ

34-

إنَّ وَجْهي منقَّحٌ جيِّداً جدّاً

فوَجْهي حقيقةً إنْسانُ

إنَّ رأْسي على السِّنانِ ذبيحٌ

بوركَ الرأْسُ أيُّذاكَ السِّنانُ

35-

من قُبلَتي اشتُقَّت الدُّنيا بأجمعِها

كلُّ الجهاتِ إذنْ يا قبلتي جهتي

فخُذْ حياتي إذا شئتَ الحياةَ فإنْ

شئْتَ المزيدَ فخذْ للعشْقِ آخِرَتي

36-

يا حبيبي في شراييني اقْتَرِبْ

وامْنَحِ العاشِقَ جَمْرَ القُبْلَتَيْنِ

قَبَضَتْ كفُّ الهَوى مِنْكَ على

كلِّ ما الكَوْنُ احْتَوى في جَمْرَتَيْنِ

37-

أجل لم يكن حبي العظيمُ حكايةً

لتروى فتطوى بعد هذا من الدَّهْرِ

فقد كانَ روحَ اللهِ في الجسَدِ الثَّرى

وأوْشَكَ أنْ يحكيهِ ربُّكَ في الذِّكْرِ

38-

بذاكرةِ الزّهورِ الحبُّ عطرٌ

فإنْ قبَّلتَهُ فسَلِ الأقاحا

وقُلْ هلْ نحنُ عطرٌ ليسَ إلا

تطامنَ ثمَّ أزهَرَ ثمَّ فاحا

39-

إنْ كانَ لي وطنٌ فذا وطنُ

أعْني القصيدةَ أيُّها الفَطِنُ

أَتَقولُ مَرَّ زمانُنا بَدَداً

أينَ الزَّمانُ؟ وهلْ لَنا زَمَنُ

40-

كفى عشقاً فليس العشقُ يكفي

أريدُ العشقَ من طفٍّ لطفِّ

أنا الخسفُ المذلُّ فإنْ سألتم

عن الخسفِ الذَّليلِ فليسَ خَسْفِي

41-

هذا حبيبي الذي لا شخصَ يشبهُهُ

سبحانَ ربِّي كثيراً حينَ صمَّمَهُ

لي جنَّةٌ ولهُ أخرى فإنْ دخلت

جهنَّماً روحُهُ أبغي جهنَّمَهُ

42-

دعني فلستُ بشيءٍ مطلقاً أثقُ

من بعدِ ما خانتِ العينانِ من عَشِقوا

وليسَ لي طُرُقٌ في الحبِّ أسلكُها

فقد تلاشت كروحٍ أُزهِقَ الطرُقُ

43-

طبعاً فؤادُ الكائناتِ متيَّمُ

وأنا بهِ حتى الثمالةِ مغرَمُ

للعرشِ كانَ سما بنا طيرانُهُ

فإلى الحضيضِ هوى الوجودُ المعتمُ

44-

أمّا القصيدةُ فهي محضُ صديقةٍ

لكِ من وفاءٍ بالزُّمُرُّدِ تَنْظِمُكْ

تلك الكآبةُ في فؤادِ قصيدَتي

ماتَتْ لأنَّ كآبتي تتبسَّمُكْ

45-

وكيفَ تبقى بشرْياني موحَّدةً

تَجْري كنهْرِ فراتٍ حينَ تَعْتَزِمُ

إنْ واقعٌ صَدَّها عنْ أيِّ أمْنِيَةٍ

فواقعٌ آخَرٌ أسْمى هُوَ الحُلُمُ

46-

يا بَعيداً عنِّي أزيدُكَ بُعْدا

كي تكونَ القَريبَ عِشْقاً ووَجْدا

لا تكُنْ في الجوارِ منِّي لأنِّي

قَدْ أرى في الجوارِ خَصْماً وندّا

48-

صَباحي أنْتَ أوْ ماتَ الصَّباحُ

غِنائي أنْتَ أوْ طَرَبي نواحُ

دمي إنْ أنْتَ تَعْشَقُني مُصانٌ

وإلا فهْوَ هَدْرٌ مُسْتباحُ

49-

لقد شاءت رحيلاً وابتعادا

فأعلنتُ المآتمَ والحدادا

وما أدري لعلَّ الحبَّ كفرٌ

عناديٌّ ففضَّلتُ العنادا

50-

أدري بأنَّكِ من غرامِكِ مرهقَهْ

وبأنَّ قلبَكِ يا فتاتي محرقَهْ

فأنا إذن حجمُ الفضاء يضيقُ بي

أنّى إذن بيَ قد رأيتُكِ محدقَهْ؟

51-

أيُّها القبرُ الذي لو أنَّني

أسكنُ الآنَ بهِ كانَ شعاعا

أنظرِ الآنَ إلى وجهي فقد

تبصرُ الوجهَ الذي خاضَ الصِّراعا

52-

أرجوكَ لا تعطِ العنادَ قيادَك

فإذا فعلتَ فقد عشقتُ عنادَك

يا أيُّها النائي إليكَ قلوبُنا

تهفو وترغبُ أن تبوسَ فؤادَك

53-

خيالُ حبيبي يفوقُ الحدودَ

سأكذبُ لو قلتُ أصبحَ بَحْرا

وما البَحْرُ إلا فتاتٌ قليلٌ

لمائدةِ الشِّعرِ لو قالَ شِعْرا

54-

لم يَبْقَ من أسَدٍ، كلابٌ أسْدُنا

وزئيرُها حتى الصَّباحِ نباحُ

فلنفترضْ فَرَضاً وليسَ حقيقةً

أنّا أباةٌ والدّموعُ رماحُ

55-

الفقهُ فقهُ اللهِ إن شبعت بهِ

خبزاً بلا ذلٍّ بطونُ جياعِ

أما إذا جاعت بهِ يا صاحبي

فالفقْهُ طَبْعاً تاجرٌ إقطاعي

56-

يقولونَ إنَّ الحبَّ سحرٌ وإنني

لأعتقدُ الحبَّ الصحيحَ هوَ الأفْعى

ولكنَّها الأفْعى التي كانتِ العَصا

بكفِّ نبيِّ اللهِ موسى غدَت تَسْعى

57-

لمَعَ السَّيْفُ في يَدي يا إلهي

بزغَتْ غادَتي منَ اللمَعانِ

زمَنُ الحَرْبِ لا يُقاسُ بسِلْمٍ

زمَنُ الحَرْبِ محْوَرٌ للزَّمانِ

58-

أنا الذي شئتُ منها أنْ تعانقَني

بوصفِها النَّهرَ لم تعبأ بأنهاري

قالت وما حاجَتي للماءِ أشْربُهُ

ما دامَ حبِّيَ من سنخيَّةِ النّارِ

59-

قبلاتُ وجهِكِ مُصْحَفٌ يحتاجُ

منكِ لباطنِ التفسيرِ والتأويلِ

تأويلُها أنَّ النبوَّةَ أوشكت

تأتي وأوشِكُ أن أرى جبريلي

60-

أنظرْ إلى جَسَدِ القتيلِ فإنَّهُ

 حتى سماءِ سمائِهِ قِنْديلُ

هوَ ذاتُهُ الوَحْيُ المبينُ وذاتُهُ

أمُّ الكتابِ وذاتُهُ جبريلُ

61-

لقد لاح بدرٌ واحدٌ فأذلَّني

فكيف وقد لاحت هناكَ بدورُ

خيالي على كلِّ النساءِ مهيمنٌ

خيالي لدى كلِّ النساءِ أسيرُ

62-

انظُرْ إلى جسدي من دونِ عاطفةٍ

كأنَّما جسدي ذا دميةٌ خشَبُ

إني أذكِّرُهُ بالقلبِ يذكرُهُ

حقاً ويسألُ ميْتاً ما الذي يَجبُ

63-

لأنِّي ملأتُ الروحَ ليلاً وأنجماً

تهاوت على رأسِ النهارِ كواكبي

فكانَ نهاراً كالنهارِ وإنَّما

هو الليلُ أيضاً في جلابيبِ راهِبِ

***

باسم الحسناوي

 

في نصوص اليوم