نصوص أدبية
وليد العرفي: خطوات
أعوْدُ للأمْسِ جسْرُ الأمْسِ آهاتي
لأعبرَ الحاضرَ المسكونَ في ذاتي
أُصارعُ الشّوقَ في ذكرى تُغالبُني
وما مقاومتي إلا ... بدمعاتي
لأرفعَ الرَّايةَ البيضاءَ مُنكسراً
وأعلنُ اليومَ عنْ بدءِ انهياراتي
وقدْ ملكْتُ بحبّي الكونَ أجمعَهُ
وكمْ فردْتُ على الدُّنيا جناحاتي؟
بحبّكِ الكونُ قدْ أنشدتْهُ طرباً
وكمْ نسيماتهُ اهتزَّتْ بريشاتي؟
ملَّكتني الأفقَ حتَّى صرْتُ سيّدهُ
فكيفَ أهبطُ منْ سبعِ السَّماواتِ؟!
وقبلَ حبّكِ كانَ الشّعْرُ مرثيتي
ولمْ أموسقْ بغيرِ الحزنِ نغْماتي
كأنمَّا صرْتُ مِنْ أمسي غريبَ هوىً
مصلوبةٌ أحرفي في سجْنِ كلْماتي
وقبلَ أنثاكِ لمْ أُهزمْ بمعركةٍ
ولا جوادي كبا يوماً بغزواتي
حسبي بحبّكِ قدْ ملَّكتْني لغتي
فإنَّما أحرفي منْ مضغةِ القاتِ
أدمنْتُ فيكِ تجلّي الحرفِ شعَّ رؤىً
كمْ منْ مجازاتِهِ اخْضرَّتْ خيالاتي؟!
عنّي ابْعدي كيفما تبغينَ وارتحلي
واسْتأصلي مِنْ دمي بيضَ الكُريَّاتِ
واخفي حضورك عن عيني وباصرتي
لكنَّ قلبي الذي أنكرتِهِ : هاتي
فبعدَ حبّكِ ما أنثى تحرّكُهُ
فما بحاضرهِ يحيا ولا ...آتِ
أرخصْتُ فيكِ دموعاً كنْتُ أغليها
لولاكِ ما ذرَّفَتْ عيني: عزيزاتي
وأصعبُ الدَّمْع ما لمْ تبكهِ مقلٌ
وكمْ تخفَّتْ جراحٌ في ابْتساماتي؟
ألوّنُ الوجهَ بالضّحكاتِ أصبغُها
زيفاً وتفْضحُ كُنْهَ الَّلوْنِ حسراتي
وما سوى الحبِّ أبكاني وأسعدَني
وعشْتُ في خفضِهِ أعلى مقاماتي
أنا الغريبُ بروحٍ صرْتُها جَسَداً
يا مَنْ تغلْغلْتِ في كلِّ المساماتِ
عيناكِ بوصلتي أنَّى اتَّجهْتُ أنا
فغيرُ شطّكِ لا تهواهُ مرساتي
وأنتِ فيَّ برغمِ البعدِ باقيةٌ
وقدْ يزيدُ اقترابي منكِ مأساتي
فإنمَّا أنتِ سرٌّ لا انكشافَ لهُ
وأجملُ العيشِ ما يسمو بغاياتِ
وأنتِ أفردْتني في عالمي لأرى
فيكِ الحياةَ حياةً منْ ملذَّاتِ
لكنَّني وأنا المجبولُ منْ ألمٍ
حسبي أعيشُكِ ذكرى في كتاباتي
فما أنا غيرُ حرفٍ زالَ رونقُهُ
ورحلةُ العُمْرِ حكَّتْهُ بممحاةِ
فكمْ كتبْتُ تواريخي أجدّدُها
وكمْ رجعْتُ لأيَّامِ البداياتِ؟
وكنْتُ كالطّفلِ يلهو في شقاوتهِ
وكنْتِ عصفورةً تدْمى بملهاتي
والطّفلُ لمْ يدْرِ ما يجنيهِ في عبثٍ
وقدْ هدمْتُ بإعصارٍ إماراتي
فإنّني خضركِ الميمونُ سابحةً
إذْ كنتِ موسى بصبْرِ في مجاراتي
كبّرْتِ ذنباً ولمْ آثم جنايتهُ
وكمْ تسامحْتِ أمساً عنْ إساءاتي؟
وكمْ غفرْتِ ذنوباً كنْتُ أفعلُها
وكنْتِ تلتمسينَ العذر مولاتي
وتنظرينَ بعينِ الحبِّ حاكمةً
وتفغرينَ رضىً عَنْ كلِّ هفواتي
وكنْتِ لي موقدَ الأشعار قافيةً
ولمْ تزلْ جذوةً في الحبِّ جمراتي
ولم تزلْ جمرةُ الأشواقِ توقدُني
و ما تزالينَ إشعاعَ المساءاتِ
وما تزالينَ ماءَ الرُّوحِ مُنسكباً
وما تزالينَ ينبوعَ المسرَّاتِ
فكمْ بعينيكِ قدْ أبرقْتِ في حلمٍ
وأمطرتنْي بآمالٍ عظيماتِ
وكمْ صعدْتُ برمشٍ بتُّ أحضنُهُ
لأرتقي قمراً بينَ المجرَّاتِ
فابقي بباليَ ذكرى الأمسِ تسكنُني
وكمْ كبرْتُ وليداً في عذاباتي؟
عيشي الحياةَ تناسي حبَّنا فأنا:
طفلٌ تمادى بأحلامٍ بريئاتِ
مددْتُ كفَّيَ للأقمارِ أقطفُها
يا خيبةَ الكفِّ مِنْ نارِ احْتراقاتِ
آمنْتُ بالحظِّ والدُّنيا معاكستي
وإنَّ حظّيَ منْ دنيايَ خيْباتي
وأنتِ حوَّاء كالدُّنيا تعاندُي
وفي رحيلكِ يا حوا: نهاياتي
تفَّاحةُ الحبِّ يا حوَّاءُ قاتلتي
ضيَّعْتُ فيها أنا دارَ السَّعاداتِ
وقد تماديْتُ في ذنبي فأبعدَني
وآدمي لمْ يصُنْ عهْداً بجنَّاتِ
فابْقي الوداعَ الَّذي يغتالُ ذاكرتي
وامْحي الرَّسايلَ والغيني بمسجاتي
حسبي ولوْ غبْتِ ملءَ الرَّوحِ ساكنتي
وتحضرينَ بشهقاتي و زفْراتي
إليكِ كمْ كانتِ الأشواقُ تسبقُني
ولهفتي طائر يُدني مسافاتي
ولمْ أجىءْ موعدي المسروقَ منْ زمنٍ
إلا وسرْتُ بروحي لا بخطواتي
وأسرجُ الشَّوقَ ملهوفاً للحظتِهِ
كأننَّي ومضُ برقٍ في شتاءاتِ
وفيكِ كمْ حالةٍ قدْ عشْتُ أمتعَها
وكلُّ ثانيةٍ عمرٌ ... بلذَّاتِ
فإنْ تناسيْتِ ذكرى حالةٍ عبَرتْ
فكيفَ تنسينَ لي عُمْراً بلحْظاتِ؟ !
***
شعر د. وليد العرفي
