نصوص أدبية

محمد محضار: العامريات (1)

محمد محضارقالت أمي بصوت جهوري:

-اسمع يا ولدي هذه المدينة لها نساؤها الشريفات العفيفات، العامريات حمروات الرُّؤوس شاربات الحناء، من دَخلها عليه أن يطلب "التَّسْليم "، وسَيَنالُ المراد ويحقق مبتغاه، إذا كان نقيَّ السريرة صافيّ القلب .

قلت لها مبتسما:

-أطلبي لهن الرحمة، مثل جميع أموات المسلمين

قاطعتني:

-أروحهن الطاهرة تحلق فوق سماء المدينة، هنَّ يخرجن في الليل متلفِّعَات بأرديّة بيضاء، يقال أنهن سبع وربما كنّ عشرا، لكن العلم لله وحده، جدَّتك رأتهن ذات ليلة قرب سوق الخميس بطريق "الخطوات"، ومنذ ذلك الحين صارت البَركة تُرافقها أينما حَلّت وارْتَحلت، أنت تعلم أنها عاشت مائة عام ونيف، وكانت تقول، " العامريات ديما معايا"، كان الناس يأتون إليها من كل مكان لأخد البركة ولم تكن تبخل عليهم، خلال طفولتك كنا نذهب جماعات إلى مثواهن الطّاهر،  نزور أيضا ضريح سيدي عبدالخالق، نضع الشمع ونترحم على أهل تلك الدار، ونقضي يومنا في رحاب الطبيعة نأكل ونشرب ، اليوم كل شيء تغير، أصبح الناس مشغولين، والحياة صارت معقدة، القَليلُ كان يُدخل البهجة لقلوبنا، أتعلم أنّك كنتَ تَسعد وترقصُ من الفرح عندما أشْتَري لك قُلّة صغيرة ونحن هناك، كنت تسميها :"قَلّوش العامريات" ، فتملؤها ماءً وتمضي تلعب مع أتْرابك، أَتعلم أن البركة الوحيدة الباقية في هذه المدينة هي بركتهن، والدك كان دائما يقول : في الشرق الأنبياء وفي المغرب الأولياء، وخريبكة أوليّاؤها هن "العامريات" .تذكر هذا، ربما يبدو لك كلامي مجرد تخاريف تهذي بها عجوز تعيش خريف العمر، تَذّكر أن الحياة نِيّة أَولاًّ والنّْية أبلغُ من العَمَلِ .

قاطعتُها ضاحكا:

- حراس هذه المدينة إذن نساء، وأكثر من هذا تحت التراب.

تابعتْ بصوت تشوبه رنة تأكيد:

- بلى هذا ما فيه شك، النساء أحيانا يكُنَّ أشرف من العديد من الرجال، ولو كانوا بشوارب طويلة .

أحسست، بأن في كلامها كثيرا من الصحة، فأكثر الجرائم يرتكبها رجال، وأغلب الحروب، يُعلنها رجال، النِّساء كنَّ دوما ضحايا، أو سبايا، وفي أحسن الأحوال صوتًا غير مسموع، ولكنهن قد يستطعن حراسة مدينة بالبركة، وهنَّ تحت التّراب .

 

محمد محضار

يونيو 2016

.......................

 

1) لكل مدينة رجالاتها، وأولياؤها، ولمدينة خريبكة {عامريتها السبع}. وتعود قصة النساء العامريات السبع، المدفونات في قبر واحد مشترك، حسب ما يرويه الأجداد إلى سبعة فتيات قدمن من مدينة {العامرية} بالعراق وقد كن من المتصوفات، العابدات، ولهن عدة كرامات وخوارق، وكان شعر رأسهن أحمر قاني بفعل كثرة استعمال الحنة . وحول سبب وفاتهن، فيروى أن إحدى القبائل كانت لها عداوة بالقبيلة التي انتمت إليها الفتيات السبع، قامت بهجوم مباغت، كان نتيجة ذلك مقتل العامريات السبع، رفقة العديد من سكان القبيلة، ودفن في قبر واحد، وتحول قبرهن إلي مزار للعذارى الراغبات في التبرك والزواج . للإشارة أغلب سكان منطقة ورذيغة (خريبكة والنواحي) هم من بني هلال وبني سليم .

 

في نصوص اليوم