نصوص أدبية

بولص آدم: الفساد

بولص ادمهي قصة لا تُصدق، وما أكثرها، فكل يوم في الواقع قصة منها لا تُصدق، هذا لا يهُم. كُنتُ جالساً على «الصوفا» والبرتقالة تجلس على كفي، بدأ رأس السكين ينغرز بميلان يحزها من القطب الشمالي لها وحتى جنوبه بحركة لولبية. نزعت القشر على مهل ووضعته على مُشمع الطاولة بإتقان، ظننتها برتقالة مُستنسخة. وهذا أيضاً لا يهُم.

ستقسمها إلى ثلاثة أثلاث، وتعطي لزوجتك وابنك الثلثين وتبلع الثلث الثالث، ستُطيلُ المضغ قبل ذلك. إنها البرتقالة الأخيرة. ستصبح أفقر بألفين. برتقالة لذيذة خلّفت وراءها كآبة، عاطل، يائس من إيجاد عمل. هذا هو ما يهُم، توَتَّرت وضغطت بقدمك اليسرى على البلاطة، أحسستَ بأنها تحركت. أزحتها على مهل وبدأت بالسكين في يدك بالشخط في الأدمة، فَرَّغت غضبك، لصق البلاطة سيجعلك أفقر بثلاثة آلاف. كَتَبتَ «إيميل» إلى… تسألهم عن وظيفة. دُستَ بسبابتك على مفتاح Enter، دُستَ ثانيةً، الرسالة لا تُرسل، هذا بحاجة إلى تصليح، ستصبح بستة آلاف أفقر. عاد الغضبُ. ستذهب الى المطبخ وتعود بسكين أكبر، تُزيحُ بلاطة الأرضية ثانيةً وتُفرغُ غضبكَ بطعن الأدمة. ما أجملَ صُدفة التنفيس.

المجموع، أحد عشر ألفا أفقر. ترتفعُ الحرارة، البرد قارس، المدفأة مُطفأة. الغيروسين سيجعلُكَ أفقر بستين ألفا للبرميل منه. ستنزع بلوزتكَ غضباً وتذهب إلى المخزن وتعودُ بحازقة جذور يدوية وتخلعُ حفنة تُرابٍ من مربع البلاطة المزاحة جانباً. كانَ المخزنُ الضيق رطباَ مُظلماً، اللمبة المعطوبة ستجعلُك بعشرة آلافٍ أفقَر. تنزعُ القميصَ مُشتعلاً وتُفرغُ غضبكَ بالمجرفة هذه المرة. مكانُ البلاطة حُفرة. تدخُل زوجتُكَ لتُذكرك بالإيجار. عرضتُ عليها البدء ببيع مصوغاتها الذهبية. فحَفرتُ أكثر. وصلت حرارتي إلى سقفِ صيفي، نزعتُ الفانيلة. المُعلمةُ أبلغت ولدي، أن يأتي غداً بعشرة آلاف، لا يعرف لماذا. نزعتُ البنطالَ، فعلاً تعرقت. أفقرُ، حالياً بمئة ألف.

ناولتني زوجتي قرطاً ذهباً. نَزَعتُ اللباس الداخلي وحفرتُ أكثر. عارياً حفرتُ حتى كساني التُرابُ في الغُرفة. خرجتُ. ثُمَ خرجتُ وبيدي القرط. وقايضته في الشارع الصناعي برأس ماسٍ ملحوم بقضيب. عُدتُ عارياً تغطي جسدي بدلة تُرابية. حافٍ ليس كالمُعتاد، حشرتُ الرأس الثاقب في آلة الثقب وحفرت حتى اختفت قامتي. أدركتٌ أنني في بداية النفق.

بعد شهر. تلقينا إنذاراً من المؤجر.. سنصبح أفقر، أفقر.

هَبَّ ولدي وزوجتي للمعونة وحفرنا بالتناوب نفقاً بطول عشرة أمتار، قبل أن يقدح شرراً معدن لامستهُ الحفارة. حفرنا حوله واكتشفنا أنه خزنة بنك. عُدنا فوراً واحداً يتبعُ الآخرَ، بشق الأنفُس عدنا إلى الغُرفة. انفجرتُ غضباً. لا أحد سيُصدقُ. لأجل التنفيس عن الغضب بالحفر، وصلنا الى خزنة البنك تحت الأرض بنفق، لن يُصدقوا أننا عُدنا دون أن نحاولَ، مُجرد مُحاولة فتحها.

مُتهالكين ثلاثتنُا على «الصوفا»، فكرت زوجتي ان استحمَّ وألبس ثانية.

يا إلهي، سخانُ الماء عاطل… فُقرُنا يثير الرعود والعواصف ويقلع الأشجار ويدمر، لم أعُد أعرف بكَم ألف صرنا أفقر. نزعتُ بلاطة أُخرى وفرغتُ غضبي هُناك، فسألتني زوجتي: أليس من العبث، الحفر ثانية والوصول إلى الخزنة نفسها والعودة بتأنيب ضمير غير ضروري؟

– سأحفُرُ هذه المرة، بعقلية لُص.

 

بولص آدم - كاتب عراقي

 

في نصوص اليوم