نصوص أدبية

تماضر كريم: جديلة

في الصف الخامس الإبتدائي فقط، وعندما لم يقبل أي تلميذ أو تلميذة الجلوس إلى جانبي في الرحلة اكتشفت أني دميمة وعديمة الجمال إلى ذاك الحد.

يومها ايضا عرفت أني أشبه أمي كثيرا، حيث كانت ذات بشرة كامدة، بلا نضارة تذكر، وعينين غائرتين بلون باهت وفك علوي مرتفع، وأسنان متزاحمة متداخلة مع بعضها. في ذلك اليوم كدت اسأل أبي لماذا أقدم على الزواج من أمي، لكني قضيت الوقت كلّه في اختلاس النظر لملامح أمي غير المتناسقة وملامح أبي متوسطة الجمال.

لم أستطع النوم في تلك الليلة، كنت أكابد ألما من نوع غريب، شيئا يشبه الخجل والعار يجثم على قلبي، وأنا أتذكر كيف كانت المعلمة تحثهم واحدا تلو الآخر على الجلوس إلى جانبي لكنهم جميعا كانوا يرفضون بضراوة. تأملتُ في ذلك الليل العميق  جديلتي الطويلة الكثيفة ذات الملمس الناعم، وأدركت جيدا أنها الشيء الوحيد الجميل الذي بحوزتي، هذه الجديلة ايضا ورثتها عن أمي الدميمة، وأمي ورثتها عن جدتي. إعتدلت في فراشي وجعلتها بين كفيّ، ورحت أقبلها وأشمها، تبا ألم تكن هذه الجديلة كافية لكي يحبني التلاميذ؟

في الصباح بدا صوت أمي وهي توقظني جارحا ومستفزا لجميع حواسي، في الحقيقة كنت غاضبة جدا، ولا أرغب في سماع صوتها.

أنا احمل ذات الصوت الحاد، يا رباه كنت نسختها!  أخبرتها وأخبرت أبي أني قررت ترك المدرسة. عندما فشل أبي في أقناعي بالعدول عن قراري ذاك،  قام بضربي.  في البداية ضربني بيديه، ثم بحزامه الجلدي. كانت أمي تبكي، وهي تهزني من كتفيّ بقوة. ثم بدأت تبكي يوميا بصمت.

من النافذة أشاهد أفواج التلاميذ ذهابا وإيابا، علم المدرسة كان يلوح من بعيد، يتحرك مع الريح، كان يبدو كلّ شيء بخير، الحقائب على ظهورهم، الضحكات على شفاههم، النشيد الوطني الذي يخترق المسافات ليصل إلى سمعي، المعلمات اللواتي يخرجن من المدرسة بتلك الملابس الأنيقة والعطور الطيبة التي تغشى أنفي، وهن يتبادلن الأحاديث، نعم كل شيء كان بخير، ويسير مطمئنا، كأني ما غبت؟ كأني لم أكن معهم يوما!  حتى جديلتي لا أحد يفتقدها! ما نفعها إذن؟

في أحد الأدراج كانت أمي تضع حاجياتها الصغيرة. كانا نائمين بعمق.

حسنا لم أحتج إليهما في تلك اللحظة، انا وحدي أستطيع القيام بكلّ شيء.

لم تتوقف أمي عن الصراخ. توقع بعض الجيران أن أحدنا مات، لكنها فقط جديلتي قمت بقصّها تماما، ودفنها هناك تحت تربة حديقتنا. حتى أبي كان يبكي، ويلطم جبهته، وحدي أنا كنت سعيدة جدا، سعيدة وحرة.

***

تماضر كريم

 

في نصوص اليوم