تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

نصوص أدبية

محمد الدرقاوي: ليْسَ بالدِّين...

كانت تصر على أن يسير جنبا الى جنب معها، بل في غير قليل من الأحيان تصر ألا تفارق يده يدها.. لا حبا في حصاره، بل فقط لتحسسه بواجب حمايتها..

كم مرة امتنع نافرا من رغبتها!!.. قبل أن تعاقبه بانسحاب حتى اذا حرك راسه بالتفات وجد ها قد تبخرت من خلفه ، كثيرا ما كانت تتعمد التسلل الى إحدى الأزقة فتظل تراقبه وهو يدور حول نفسه كطفل صغير غابت أمه عن عينيه، ولا اثر لها خلفه.. يضج باعتراض فتعاقبه بمزيد حتى انها منعت نفسها من مرافقته لاي أمر يخص أحدهما أو هما معا الى أن رضخ بعد أن تحرش بها أحد الشباب الطائشين اسقط نقابها وهبر قبلة من خدها.. صاحت صيحة حعلته يلتفت ومن حوله المارة يحكون ما وقع، وقد أفهموه أن سيدة وضيئة مجدولة كزوجته السير بجانبها لا أمامها هو حماية لها من ذئاب الشوارع..

ـ "كان يتقدمني وكأني ذيل له تبيع، ولن أكون كذلك، واذا كنت لاأعجبه فالحل بيده. وقد رأى النتيجة بأم عينيه "..

كانت تمعن في السخرية منه وهي تضيف:

"انت مني اخذت قبلة بمهر وهو نالها هدية ببلاش "

"يرحمك الله يا جدي كان يجعلني أنط بينه وبين جدتي وهي تسير خلفه، وحين كنت أستحثها على مزيد من السرعة تقول:

الدين يقول: الرجال أولا ثم الأطفال ثم النساء..

أبدا لم أشاهد جدي يصلي ماشيا وجدتي به مأمومة حتى في الشارع؟

حين كبرت وتزوجت قلت: ساستعيد كرامة جدتي أما أمي فقد كانت أقوى من أن ترضى بأن تكون تبيعا يتحكم فيها رجل بسلطة قد تمحو لها وجود.. كان ابي يرحمه الله يعبد الله بالعقل متياسرا يؤمن بقولة الرسول الكريم، واقوال الصالحين المؤمنين من صدقوا الله بعقل بعيدا عن موجة الانتماءات المذهبية:

"إن هذا الدين ليسر وأخاف من شق فيه أن يشق الله عليه"

"يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا "

"أنى تكون المصلحة فتم شرع الله"

لكن وجدت "بعلي" بعد زواجي وقبل أن أهدده بطلاق يفرض علي أكفانا من خيش أسود، قطعا تحجبني، بل تحرقني خصوصا في حر، وفي الشارع يتقدمني وقد تعرى له ذراع وصدر، هل ولد زوجي من لحم ودم ومن صخرقد الله جسدي؟..

يعيدونني رغما عني الى زمان جدي الذي لم يترب الا في ظلمات كهوف التقليد والجهل بفلسفة الدين، رجل حِرَفي لم يدخل كتابا ولا مدرسة، ولا في زمانه كان مذياع ولا تلفزة، فهل ترسخ الماضي بقتامته وعليه نصبوني صنما شاهدا والناس خلفي يسيرون الى ماضيهم القهقرى؟ كيف خرج ذوو الاجترار الظلمة من المغاور والكهوف، يرفعون عقيرتهم بكذبة إحياء الدين؟ وهل مات الدين حتى يتم احياؤه؟ أليس قاتلوه هم من اختلقوا أسباب موته؟ أوقفوا العقل والاجتهاد وبين الناس بثوا ثقافة الاتكالية وخرقوا للموت قواعد ووسائل؟ أفتوا بالجهاد وجعلوا من الإرهاب نصرة للدين وطريقا للجنة، ومن قواعده ووسائله الحرب والترهيب لأكثر من عقل بنور الحياة قد انبرى يوضح أخطاء أزمنة الظلام؟ هل لا إحياء يتم الا عن طريق التشدد والقتل؟ ومتى كان التخويف من وسائل الإصلاح والرقي؟

أليس ذلك المسعى هو الجبن والنفاق والدس والنميمة التي صرناها وبها ندير حياتنا؟

لم يكن زوجي يتجاوز الثلاثين من عمره، شابا مجازا في الرياضيات لكنه يفقد بوصلة زمانه، الخير كل الخير في ما كانه أجداده، أما نحن "فقد ضيعنا الدين وتماهينا بالغرب الذي أنسانا ربنا "..

وهل الغرب منع عنا الدين ام من نصبوا نفوسهم نوابا عن السماء بلا إذن من سماء هم من ركبوا سوء الفهم والتأويل لتغطية نفوس مريضة فأغرقوا الناس بالتشدد محولين الدين نارا وجحيما في الدنيا والآخرة؟.. ببغائية مقيتة، وشرح ونقيضه بتأويل، أو قياس ليس في مكانه ولا زمانه، وبحث عما لم يعد له وجود في حياة الناس..

حين كنت أضحك من أقوال زوجي كان يغضب ثم لا يلبث ان يشهر الصمت كعقاب.. فاذا كنا في البيت هجر مضجعي، متوهما أن ترك السرير عقاب قد يقضني بأرق ثم يوقف نفقة يومي ، أما اذا كنا خارج البيت فقد كان يدير راسه كإشارة عودة.. كنت أتعمد الدخول للتجوال في المتاجر الكبرى لاني كنت أكره أن احسسه بالرضا فيزداد كبرا وتأمرا..

في البيت ترتفع خصوماتنا، بل تشرع آلامي في الانفجار، كنت أحس غبنا، أحس قهرا، فلا أجد راحتي الا في دموعي، وصياحي..

كم حاول الجيران أن يسددوا بيننا، أن ينبهوه الى أن الدين يسر ومن شق فيه يشق الله عليه ، كانوا يستغربون تناقضه بين تخصصه المنفتح على العالم والحياة وبين سلوكه كعقل يعيش في جلباب جده في مبالغة وتشدد في الدين...

كنت أدرك أن سلوك زوجي آت من عدم قدرته على الانسجام مع واقعه الحقيقي، واقع زيَّفه بالدجل أحد الشيوخ من ادعوا السلفية وحولهم لموا طلبة من الجامعات، وكونوا حواريين من صناع وحرفيين جهلة، ومن أطفال وشيوخ بلا مدارك واعية كان زوجي يومها طالبا بالجامعة ومن زمرة المغرر بهم، كانت للشيخ قدرة على غسل الأدمغة فاستطاع أن يفتئت عليه وعلى غيره حقائق التاريخ وفلسفة الرسالة النبوية في بعدها الإنساني...

وأتى طلاقي بعد أن يئست من أن أحقق ولو جزءا من وجودي الى جانب وجود زوجي ، أنشر بعضا من افكاري وما أومن به اضاءات في عقل زوجي وسلوكه.. وهي إضاءات كونتها من قراءاتي العميقة للديانات والتي كان زوجي لايومن بها ولا بمن كتبها فكل ماعدا فقيهه فهو كافر يحيد عن الإسلام الحق..

أتاني يوما حاملا فتحا مبينا، توهمه تقربا من ربه وبه يضمن جنة النعيم..

"لفد قدمت أستقالتي من وظيفتي وعزمت الخروج مع فقيهنا للدعوة "..

فاجأته: هل ظهر نبي جديد؟ ألم يكن محمد آخر الأنبياء والرسل؟ جميل أن تجد الدعوة رجالا بشواهد عليا، في الرياضيات والاقتصاد والطب والفلسفة، معناه أن الدعوة الجديدة قادرة على تغيير الناس الى ما يحقق لهم مزيدا من فرص الشغل ورفاهية الحياة، وأن تنقلهم من فكر التشدد والتركن للعبادة الى عصر أنوار العلم والعمل وقدرات العقل وتحرر المرأة، وحرية المعتقد...سعي حثيث لنكون أمة توحد الله من منطلق العقل لا الأساطير والخرافات....

"الحقيقة أننا في امس الحاجة الى اجتهادات جديدة وجريئة وتطويع شريعتنا مع متطلبات التطور وتقدم العصر.. "

وتفاجأ بي وانا أطلق زغرودة ملات الفضاء ثم صيحة مني أستنفر بها الجيران:

ــ "لقد تحررنا كنساء واصبحنا خارج قبضة ديكتاتورية العقول العنكبوتية..

تعالين لتأخذن القدوة من رجالنا الجدد المثقفين ، قدوة تحرركن من عبادة أوثان أفكاركن وتنشر عليكن ألوية السلم والأمان"..

أكذب لو قلت أني لم أحس بسوط ينزل على رأسي بمس جنوني..

وغبن يقمطني في قهر وجودي يحول كل ما حولي الى كراهية مقيتة، الى عدمية تقتل معنى الحياة من حولي..

كل ما بنته الإنسانية، في معتقد زوجي تفاهة وسراب، هو وحده ومن والاه ومن هم له تُبع زبدة البشرية.. ضئيلا صار زوجي امامي، صغيرا بلا عقل ولا شخصية ولا كيان إنساني، والا كيف يترك مهنة يسترزق منها بكرامة، وزوجة هي من تحقق له مأوى يستتر فيه؟.. تتحمل عجزه وعقمه بصمت وصبر ونكران ذات؟.. ويأتي ليرمي عليها فتحه المبين..

أمام جمهرة الجيران أراد أن يظهر رجولته، ركبه غضب انطلق شررا من عيونه فاستل حزامه من وسطه وحاول أن ينزل علي بسوط، وكأنه يريد بدء تداريبه الجهادية على ظهري بلاحياء ولا كرامة.. بخفة ارتمت عليه أحدى الجارات ودعته دعا قويا فاسقطته أرضا.. أمام صيحات النساء. وبكاء اطفالهن فر هاربا كجبان مقيت خارج البيت، فكان طلاقي، تنازلت عن كل شيء فقط ارتاح من شبه رجل بلا عقل ولا شخصية، كان البيت ارثا من أبي.. فزوجي كان حريصا على كل ما يحقق له أكلا وايواء يتمتع بهما بلا معارضة أو مقابل وماعدا ذلك فلا حديث على لسانه الا على الحرام والحلال خصوصا فيما له صلة بي حتى حقه الشرعي يؤديه بمشقة في ظلام كأننا جرذان الليل لم أحس يوما أنه قبلني برغبة اولامس أجزاء من جسدي كإثارة.. كان يؤدي مهمة كما يريدها هو ثم يتركني نافرة كما بدأ بنفور ويبادر الى الحمام.. وحرام أن ألحق به لان نظر أحدنا الى عورة الآخر حرام..

بعد ثلاثة أشهر من طلاقي وجدت عملا في إحدى شركات تموين الفنادق والمطاعم بتدخل من أحد من كانوا شركاء لأبي.. بسرعة تعلمت وأكتسبت أصول مهنتي.. صرت أخالط الناس فاتبادل الأفكار والخبرات وافهم الحياة أكثر..

تفتحت أمامي الآفاق فصرت اسافر في رحلات سياحية جماعية، وأمارس في حرية رياضة المشي لاحافظ على رشاقتي وحيويتي.. ولنفسي سننت قانونا يفرض احترامي ويحذر كل عين زائغة أو نفس ذكورية لاتحترم حدودها في كل التعاملات لا في الجوانب الجنسية فقط، وصرت قدوة للكثير من النساء يتعلمن من سلوكي أن ليس بالحجاب نصون كرامتنا، ولا تشددا في الدين نمنع الفساق من التحرش بنا أو تجاوز حدود احترام انسانيتنا، بل وليس الدين من يصنع الأخلاق فالقيم من منابع الأعماق وهي فينا شاملة للدين والعدالة والأمانة واحترام حقوق الغيروحريتهم الشخصية...

" ماذا نريد من نفوسنا وكيف نحب ان نحيا؟"

تبنيت طفلة فقيرة من أسرة معدمة كانت أمها تأتيني ثلاث مرات في الأسبوع لتنظيف البيت ، كانت الطفلة شعلة من ذكاء، استطاعت ان تحرق مراحلها الدراسية بتفوق مدهش حقق لها منحة للدراسة في بوسطن بالولايات المتحدة الامريكية..

هكذا تحررت من ضغوطات الذكريات فآلامي السابقة أنستني الرجل وضرورته لحياة أنثى، فبعد أن كان لي ظلما وتناقضا يعرقل راحتي ويقيد حريتي وجدتني أتحرر منه وأدعو عبر جمعيات انتميت اليها الى فكرة تنطلق من مثل دارجي:

تهجالت العناية ولازواج الذل..

فاجأني اسم زوجي ذات صباح على الصفحة الأولى لأحد الجرائد..

مات مطعونا بخنجر أحد ألاتباع الذي شك في سلوك زوجي مع زوجة قاتله..  استغربت !!.. سبحان من يحيي العظام وهي رميم، فمن التشدد والدعوة وترك الوظيفة جهادا في سبيل الله الى التفسخ والزنا...أي تناقض هذا؟ لعلها الاندفاعات المتهورة التي لاتميز بين الأفكار كقيادة عمل وحث على الخير والعدل واحترام الآخر، أو ربما هي جنوح عن قانون الإسلام كدين وهي الوسطية بين الجمود والشره ؛ انها سوء فهم للحياة ودور الانسان فيها، ربما لم نستبطن كبشر مفهوم زينة الحياة الدنيا فبالغنا في التقشف بالمتعة ولم نكن وسطا منصفين بلاضرر ولاضرار، كما لم ندرك رمزية الآخرة فنعرف كيف نتوب ونصلح بعد ظلم وهكذا ننجو برجمة من الله...

عادت بنتي من بوسطن وهي تحمل شهادة عليا في تكنولوجية الذكاء الاصطناعي تخصص برمجة وتحليل النظم وتصميمها.. أبهرتني بما عنه قد تتحدث حتى خلت نفسي أني اسمع حكايا عن الخيال العلمي، لكنها زادتني ايمانا بربي وثقة بالعلم حين قالت:

ـ الله بعباده رحيم ـ ماماـ والا لما هيأ عقل الانسان لعلوم الذكاء الاصطناعي والبيانات اغناء لما بلغه من علوم بيئية ومساعدات إنسانية ويوجهنا لطرق تعزيز وسائلنا لانقاد الناس والتعامل مع كل ما قد يضرهم فيتوهمونه قدرا مقدورا وهو من الطبيعة وسوء استغلالها..

ووجدتني أؤمن على كلام بنتي.. "

الله أكبر من أن ينظر الى صورنا الظاهرة ويتغافل عن عقولنا واعماقنا التي هي مايحرك وجودنا الإنساني وهي مايحاسبنا الله عليه "..

"بنتي هي من يسوقني لزمانها، للحياة التي لايمكن أن نركض فيها تراجعا الى الخلف، الحياة التي نوحد فيها الله الذي يبدي ولا يبتدى ليترك للإنسان حرية الفعل لما يمكنه من حياة لايشقى فيها ولا يعرى أو يعيش عالة على غيره بلا عمل ولا منفعة، الحياة التي لم يميز الله فيها بين أنثى وذكر، معا خاطبهما على قدم المساواة بعضهم من بعض"..

فاجأتني بنتي يوم كتب كتابها مع شاب وسيم بشروط خجلت أن تصرح بها لكن الشاب كان صريحا منطقيا حين قال:

"للي اوله شرط آخره نور ياحماتي "

أدركت ان العالم قد تغير وان فهم الناس اليوم للحياة هو غير ما كناه، فتغير الحياة من تغير العقول والنفوس وهو بالتالي تغير المفاهيم نحو إدراك واع لحقيقة الدين والحياة والوجود والعدم..

قد تنفلت بعض الأصوات لازالت تعيش العدم وتقول هذا شر آت رغم أن كثير من التفاسير قد أعيد تأويلها بما حققه العلم للناس من طفرات عالية في الفهم والابداع، أليست فلسفة القرآن تسير في اتجاه انتفاع الانسان بما يوجد على ارضه وهو من قال عن كثير من الظواهر: "لاتحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم"

***

محمد الدرقاوي - المغرب

في نصوص اليوم