نصوص أدبية

محمد الدرقاوي: دفء قبلة وخيط أحمر

لا أسعد بوجود ابي أياما حتى افتقده شهورا، حين افتح عيوني صباحا وأجد علبة شكولاطة وخيطا أحمر ملفوفا على معصم يدي، أدرك أن ابي قد سافر وما ترك لي غير دفء قبلة على خدي، أتحسسها بانامل مرتعشة وعيون دامعة وتنهيدة حسرة تلازمني شهورا قبل أن أستعيد عناقه مرة أخرى أو أركب صدره فأستلذ نتف زغيبات بيضاء تخترق سواد لحيته القصيرة..يصيح من ألم أوبه يتظاهر فيسري إحساسه في كل ذاتي بين ابتئاس وفرح يطل من عيوني..

أعانقه وأشد عليه بكل قوتي ثم أشرع في تقبيل خديه،وأحيانا منهما اهبرعضة..

ـ ياغدارة !!..تستغفلين طيبتي لكن عيوني لك بالمرصاد..

لم اع معنى العبارة الا متأخرة..

يغيب أبي..أبكي في صمت، فغياب أبي عني يسبب لي إحساسا باغتراب قاتل كأنه وحده ولا بشر غيره يدب على الأرض معي..

أظل في سريري أعاند أمي التي لا تتوانى في استعمال قوة يديها أو تستعين بحزام جلدي لأغادر السرير حتى تعيد النظام لغرفتي وتنظيف أرضيتها من فتات أكلي، ثم تستعجلني العودة الى السرير وهي تتأكد أن النافذة الوحيدة المطلة على وسط الدار محكمة الاقفال.. بسرعة تغادر بعد أن تبادر بإقفال الباب دوني كأني في زنزانة سجنية..

"هل أنا مجنونة أوتخشى علي مسا من حمق يغريني يتفجير البيت عليها؟"

في وحدتي بين أربعة جدران، في بيت طويل عريض، ورثه أبي عن جدي، يطويني انفصال عن العالم هو ما يهدد كياني..

 لماذا أنا وحيدة؟.. ولماذا أمي بالذات هي من تفرض علي هذه الوحدة القاتلة؟..ماذا يجري داخل بيتنا وتخشى أمي أن أعرفه او تبصره عيوني؟

هل ترهبني أمي في الصغر حتى لا اعارضهابعصيان عند الكبر؟

ولأي أمر تعدني؟

 هل يدرك أبي ما يحدث في غيابه وعنه يتعامى بإهمال؟

الا يمكن أن أكون بنت أمرأة أخرى طلقها أبي أو ماتت عند وضعي؟

أمي لم تكن بعمر أبي فهي أصغر منه، بل أشك ان تكون قد بلغت سن الرشد قبل أن يتزوجها أبي..

"تعلق بي أبوك بحب عنيف وأنا طفلة أقفز في الدرب على التربيعات "..

هذا ما تحكيه أمي وتجتره على لسانها بلا توقف، وكأنها تتعمد ان يكون لها لازمة على قاعدة: التكرار يعلم الحمار..

لكنها تنسى أن تردد ما عيرتها به إحدى الجارات اثر خصام بينهما كان يصل صداه الى مسمعي دون أن أعي كامل معناه:

"من خفى عليك اصله فانظر في فعله،فماذا يُنتظر من بنت الساحرة القاتلة،تلوت كالحية على طالب بزواج وقد اتته حاملا بسفاح وهي لازالت طفلة؟؟..

لعمتي حكاية أخرى كانت ترويها وهي تشدني من ذراعي كأنها تريد أن أحفظ ما تحكي:

ـ" اسمعي جيدا وعني احفظي، لم تكن السعدية أمك غير طفلة تصاحب جدتك كخادمة في بيت أخي الذي كان يعيش وحيدا بعد أن فقدنا والدينا اثر زلزال ضرب المدينة، كانت جدتك تقوم بشؤون البيت تقضي يومها فيه.. وتغري أمك وهي لازالت طفلة بالتعري أمامه وبه تتحلس في سريره بلا حياء.. الى أن أوقعته في حبائلها "

كان أبي في العشرين من عمره يتابع دراسته طالبا في كلية الاقتصاد، غني من أسرة تهتم بتجارة الملابس القديمة ؛ كان متيما بابنة عمتي التي لحقت به الى الجامعة بعد سنتين من انتمائه اليها..

شيء ما حدث جعل بنت عمتي تصاب بتسمم معوي،دوار وقيء واسهال حاد وما أن وصلت المستعجلات حتى اسلمت الروح لباريها..

الطبيب يقول:

ـ ميكروب خطير مر من طعام الى معدة بنت عمتي..

أمي تقول: ثعبان تسلل من ثقب في السقف،زحف الى الطارمة وأفرز سمه في صحن كسكس بلا غطاء، تناولت منه بنت عمتي لقمتين هو ما قتلها..

لكن النساء اللواتي أتين العزاء والاستفسار عن حال أبي كن يرددن ايمانا بالشعوذة التي تنخر العقول:

ـ" توكال" تناولته بنت عمتي في صحن كسكس قدمته لها أمي..

كنت أسمع "وأبلع" ما يقال، فخوفي من أمي كان يهيمن علي.. لا أثق بكل تخيلاتها وماتحكيه عن عشق ابي لها ولا أكذب كل ما يقال عن تسميم جدتي لبنت عمتي حتى يكون ابي من نصيب بنت الخادمة التي صارت أمي..

كنت حين أحدق في صور بنت عمتي أجدها تتحدى أمي ملاحة وطول قامة، وقد استغرقتني صورة لها على شاطئ البحر بتفكير:

"من كان لها هذا القد وهذه الطلعة هيهات أن يحول رجل بذوق أبي وطموحه عنها النظر أو عنها قد يبتعد وهي طالبة جامعية حمالة أناقة،جمال ومعرفة "..

معناه فالعشق كان لها، وبها كان أبي متيما والصدى قد التقطته أمي للتخفيف من غلواء ما عانته مع ابي، يدرِؤها عنه فتلف حوله، إغراء من بنت خادمة ليست في مستوى طموحه، واستحثاث يومي من أمها بأطماع وكذب ونميمة الى أن سقط في حبائلهما..

"الرجل طيبة، غنى وجاه،قامة مرفوعة، زهواني باين من عينيه، ولسان من شهد..اياك أن يفلت من يدك "..

تحكي عمتي:

ـ بعد موت السعدية بنتي أصيب أبوك بانهيار عصبي، الزمه مكوثا غير قصير في مستشفى للامراض العقلية، ترك الدراسة ثم بعد شفائه شارك في دورة تدريبية اهلته لان يجد عملا في احدى الدول الأوروبية.. ولم يهاجر الا بعد أن كتب كتابه على أمك بضغوط من أمها..

ارتياب يلازمني في كل ما أسمع وأرى، ينطلق من سلوكات أخرى كانت تأتيها جدتي لأمي وتحث ابنتها على تنفيذها اذا أرادت أن تعيش سيدة ذات قوة مرهوبة..وأخرى تبالغ بها عمتي التي فشلت في إثبات جناية جدتي التي أتت على عمر ابنتها..

ـ "الكل مرتشي كان يقبض فيصمت، والرشوة لم تكن مالا فقط ".. كان هذا إصرارا من عمتي..

وحيدة في غرفتي خلف باب مقفلة، كنت أنام وأصحو بلا زمن.. كثيرا ماكان يتناهى الي في صحوي صوت أمي وأصداء أخرى تشاركها الوجود في البيت همسا أوجهرا.. كنت أتصور انها تكلم نفسها او تجتر حكاية عشق ابي لها..

أحيانا يغرغر الجوع في أمعائي فاطرق الباب من الداخل فلا أحد يرد، اتوهم ان الصدى الذي كنت أسمعه مجرد هواجس لا اثر لها،وحين كنت اسأل امي عن ذلك كانت شرارة غضب تلمع من عيونها:

ـ "حمقاء مثل أبيك فأنت به شبيهة في كل شيء "..

صورة مشوهة التشبيه ظلالها خبث نفس تريد بها غرس مالا ينغرس..

أحيانا كانت تتناهى الي كلمات يرددها صوت رجل وكأنه يزفر أو يشهق أو يمارس عملا مجهدا فترد عليه أمي الصدى بكلمات أخرى من نفس قاموسه لم أكن افهم لها معنى. فانفرادي في زنزانة غرفتي أضعف من قدرتي على التواصل وفي استقبال الكلام وفهم معانيه..

في غياب أبي تعودت هذا السلوك من أمي، لكن كلما ازددت نموا تفتح وعيي، تضاعفت قدراتي على تمثل الأحداث وتأويلها..

شرعت بسمعي وخيالي أميز بين حركة عادية وأخرى تخالف العادي وتخلق محفزا داخليا وخارجيا متخيلا أقارنه بما كنت التقطه صدفة بين أبي وأمي وهما معا في لحظة تواصل كانت أمي من تفرضها رغبات حمراء تضج من عيونها بوميض وتمارسها يدها إثارة لأبي، وكلمات كانت تعابير وجه أبي هي ما يعبر عن النفور منها فأنشد الى الحركتين بمقارنة وتفكير..

في غياب أبي كثيرا ما كان يظهر رجل في بيتنا يملأ البيت بحضور في حرية لم يكن يمارسها أبي في بيته، كان الرجل لا يستحي أن يتحرك في البيت عاريا، كان يتحكم في أمي بسلطة وهيمنة وهي له خانعة، بل أحيانا حين أنفلت من غرفتي بدعوى حاجتي للحمام وأراه،كان لا يتوانى في شتمي بعبارات كنت لا اصل أحيانا الى معناها الا من خلال ربط علاقات بما يتحدثان به معا عن غيري من الناس ويتناهى لي صداه من وراء الأبواب:

"سر،آلملقطة تدخلي لبيتك "

 ثم يصيح مناديا أمي:

ـ السعدية راك خليتي الباب مفتوحة على بنت الزنا..

 كنت لا اعرف لسلوكه سببا فهو لايتوانى عن شتمي حتى ولو ابتسمت في وجهه..شتان بينه وبين أبي. كانت ضحكات ابي معي شموسا تضيء كل ما حولي لا تغيب الا بغيابه،اما كلمات الرجل فكانت تخرج فتلوث سمعي بالفحش وتلطخ الجو بروائح النتانة والكراهية رغم اني لم أكن أميز بين قبح وحسن،فضيلة ورذيلة الا بما كنت أتلقاه من سلوك أبي في حضوره وبعد ان تقدم بي النمو..

كانت أمي تتابع الرجل بابتسامة قسرية وكأنها تلومه على تلفظات لا تريدني أن أسمعها أو تغزو عقلي بأثر..

لا ازداد مع الأيام والشهور الا تعنثا مع أمي حول ما أسمع والي يتناهى، وهل يقيم معها غيري في البيت؟ تكره اسئلتي ومنها تتبرم بعدوانية؛ كل ذلك كان على حساب جسدي، علامات تظل وسمات زرقاء بعضها باثر يطول خصوصا بعد أن منعتني من الالتحاق بالمدرسة كغيري من الأطفال بداعي حمقي وبتعليلات الجهالة وانعدام الوعي..

"جدتك لم تدخل مدرسة وعاشت أميرة تحكم فتطاع بخير ورفاهية،وعقل جبار، وانا دخلت المدرسة و ما جنيت منها حرفا ولا كلمة بعد أن تملكني أبوك من صغري بادعاء:

ــ "أنا لك عاشق،والمعشوقة لاحاجة لها بالمدرسة وعاشقها المتيم بها غني"

"كان بجسدي متيما ويمنعني أن أغادر سريره "

أحملق في وجهها باستغراب وفي نفسي أردد:

ـ وأنا رأيت غير هذا، رأيت نفورا منه نحوك وكراهية لما كنت تفرضينه عليه "

عنها لم يكن يغيب الشك الذي يلمع في عيني فتبادر باغراء كاذب

"أمك قادرة على ان تحقق منك أمراة تحرك رجال العالم بالتفات.."

ـ تريدني أن أعيد حياتها، امتدادا لها..

لوكانت تقرأ نفسها كما أنا صرت أقرأ سلوكها لربما عالجت دواخلها من تفكير الكهوف: الغباء وكذب الافتراءات..الصاق متعسف لكل ما هو سيء بأبي،لكن كل ما هو برئ جميل فهو بها وبجدتي أمها جدير..

بدأت أضيق بحصاري، وأتوق الى حرية تفسح لي لعبا مع بنات الحي حتى وان لم ارافقهن الى مدرسة..

بلغت التاسعة من عمري وأمي تصر على ان تعاملني كطفلة لاتنمو بل لدي قد توقف عن النمو عقل.. رغم القلق الذي كان يصيبها من نموي الجسدي:صدر يتكور وبياض بشرة..وسمات لاعلاقة لي بها ولا بأبي..

مرة قالت لي عن الرجل الذي شتمني:

ـ هو أخي وأكبر مني وله مسؤولية كبيرة في الدولة وأنا له خاضعة بحياء وطاعة، اسمعي وابلعي.. اياك أن تردي على ما يقول..

حين كنت أسألها:

لماذا لا يحضر الا في غياب أبي؟

كان يأتي ردها بتعليل وتهديد:

ـ هو في خصام دائم مع ابيك أياك ثم اياك أن تنبسي باسمه او حضوره الينا في حضرة ابيك، سيطلقني ابوك وعنا يغيب الى الأبد فتفترسك ذئاب الردى..

لا شيء صارت تقوله أمي وتكون له مصداقية في نفسي، أو به يمكن الوثوق،فكلما كبرت كلما اقتنعت بموت الصدق في قلبها وعلى لسانها، وكما قالت لها عمتي يوما:

ـ"لسانك نتانة لاثقة بسيل تلعته.."

لما قلت العبارة لأبي قال: كذابة لا تنطق حقا

 حتى مع جيران الحي كثيرا ما كانت تقوم بأعمال تسئ اليهم وتقسم باطلا انها بريئة منها..

وكيف أثق بها وأنا أعيش سجينة بين أقماط نفاقها لا تنقصني غير سلاسل المجانين وهي بي لا تحن ولاترحم.. حرمان من حرية، حرمان من خروج، حرمان من مدرسة..

 لكن تنفك قيودي حين يعود أبي، تلبسني أحسن الثياب مما يجلبه لي، ومن أقمطة الخوف والتحكمات تحررني خوفا واحتراسا من أبي..

فالى أي حياة تهيئني بإعداد وترويض؟..

.وأنا وبكل صدق لم أكن أخفي على أبي صغيرة ولا كبيرة مرت في البيت دون أن أبلغه بها سيان كنت قد استوعبتها ام ظلت ضبابا يجوب راسي، كما كنت أنفذ وصاياه كتعليمات بحذافيرها..

 عهد كان بيني وبينه..

أحيانا كانت أمي تسقيني محلولا فأنام بلا حركة حتى الصباح..

كنت أفتح عيوني وكاني بت انقل الصخر من مكان لآخر، حين كنت أشكو تعبي وثقل جسمي الى أمي تقول:

كلنا نشربه حتى ينظف أمعاءنا من أوساخها..

من تلقاء نفسي تعلمت كيف اراوغ أمي، اضع المحلول في فمي واتظاهر أني قد بلعته..

أدركت ماذا كانت تسقيني أمي ولماذا؟

كان بيتنا الكبير يتحول الى حلبة رقص وسكر وسحب من دخان وكانت أمي نادلة المحفل أما مدير الجوقة ومخرج لوحاتها فهو من تدعيه أخا..تستسلم له بلا أحساس ولا شعور ليحقق بها مايريد..

مسلوبة الإرادة او ربما تقوم بدور مخطط لها عن وعي وإرادة..

كنت أرخي سمعي لأميز بين الأصوات، افرك عقلي لاستوعب مايقال..

حتى ظلال أمي تعكسها الأضواء وهي عارية بدأت لا تخفى علي، صرت أميز بينها وبين نساء أخريات يتحركن معها، بل كثيرا ما كانت الظلال تعكس لي الكثير مما لم أكن أتصوره..

ذات ليلة صحوت على ايدي الرجل مدير الجوقة الذي شتمني يعريني من ثيابي، استغث بأعلى صوتي فاقبلت أمي مهرولة و عيونها ضاحكة، تصيح في وجهه أو هكذا تظاهرت أمامي:

ـ هل تريد أن تفضحنا، مرارا قلت لك البنت لا.. لن تتحمل، هل تريد أن تعيد حادثة خلود؟

ـ ألم تسقيها المحلول؟

كان يتمايل من سكر وهو يلعن ويشتم أمي التي شرعت تقبل يده وتدعوه اليها:

ـ انا معك، وبالطريقة التي ترضيك، وكيفما تحب وتريد لكن البنت لا.. لازالت صغيرة.. دعها تنضج قليلا !!..

معناه يترقبني موعد منتظر !!..

بدأت أحترس وانتبه وارخي السمع بدقة متناهية وأستعد.. احتفظت بسكين صغيرة في غرفتي للاحتياط..

اقتنعت بان كل من حولي ثعالب وذئاب..

حين تموت الأمومة وتصير الغرائز وحوشا تنهش الصدور فما جدوى الأرحام بلا وازع يحرك انسانية الانسان؟؟..

تلك كانت آخر كلمات رددها أبي على مسامعي في آخرمرة عانقته فيها بحرارة، لم أفهم ماقاله، لكنه كرر العبارة أكثر من مرة وكأنه تعمد أن أحفظها..

قلت له ودموعي تحفر خدَّيْ:

لماذا لاتأخذني معك؟ تعبت،الملل والوحدة، و الخوف صار يقتلني..

وضع يده على فمي، وكأنه يخشى آذانا علينا تتجسس، قبل خدي وهمس:

ـ قريبا

لكن ما أن فتحت عيني صباحا حتى وجدت خيطين أحمرين في معصمي واثر من ريق على خدي، وبقايا من أنفاسه تعبق وسادتي..

صار ليلي بعد غيابه ارقا لا ينتهي، لا تغمض لي عين، وكلي خوف وقلق الى أن ينقشع ظلام وتطلع شمس ثم يمتد نهار،فينزل صمت القبور على البيت..

ذات صباح باكر وبعد أزيد من شهر على سفره فتحت عيوني مفزوعة على حركات غير عادية في البيت، احذية ثقيلة بصرير قوي تتحرك قلب بيتنا بازعاج، هرج ومرج واختلاط أصوات..

 ناديت بأعلى صوتي: بابا !!..بابا !!..

رجل بزي عسكري فتح الباب بعد أن كسر قفلها، فشرعت افتش عن أمي بين رجال بنفس زيه مدججين بالسلاح ومن دخلوا بيتنا مرافقين..

كاد الرعب أن يقتلني،كان الرجل الذي تعود ان يشتمني عاريا مكبل اليدين الى الوراء وأمي خارجة من مخزن كان بين غرفة نومها ومدخل البيت، لا تستر نصفها الأسفل غير غلالة من ثوب حريري في قبضة امراة بنفس زي باقي الرجال تصوب مسدسا الى عنق أمي..

رجال أربعة كانوا عراة مثل من تعود شتمي مكبلين،وأمراتان احداهما كنت قد رايتها يوما في حمام بيتنا تنزف دما بين ساقيها..

 بعدهما ظهر رجلا أمن أحدهما يحمل حزمة ثقيلة لا ادري ما كان فيها، والثاني على كتفه صندوقة حديدية يبدو ثقلها من حركته وتعابير وجهه..

خنقات دمع ورعب ما يمسكني من رقبتي وصدري..

عيوني بين الناس زائغة..

لا احد عرفني من بين من تجمهروا بباب بيتنا، ولا أنا قدعرفت أحدا من الجيران، امرأة شرطية ظلت تلازم يدي في يدها حتى اذا بلغت مركز الشرطة وجدت عمتي التي تعامت عني كأني لست ابنة أخيها، هي نفسها قد أنكرتني..

تعامل أمومي من قبل الشرطية، أدخلتني مكتبا وقدمت لي حليبا وجبنة ومربى وخبزا..

ادركت أخيرا لماذا كان عاشق أمي يناديني بنت الزنا والملقطة (لقيطة)، ولماذا كانت أمي تكرهني،فقد أعترفت اني بنت نصراني "بيدوفيل" كانت جدتي تشتغل عنده وسقطت معه أمي في سفاح، وان من كانت تدعيه أخاها ليس الا مجرد مهرب إرهابي يسخر أمي لأغراض دنيئة،ويستغل بيتنا في ترويج المحرمات.. وأن ابي كان لا يجهل عقمه و يعرف أني لست من صلبه.. لهذا فضل الهجرة بمساعدة دوائر حكومية لم تكن غافلة عما يقع في بيتنا وهي العيون التي كانت تراقب بيتنا بعيون لاتنام للعلاقات الأخطبوطية التي ينسجها الرجل الذي لا يغادر بيتنا مع مافيات خارجية و تتابعني بحراسة وانتباه..

نصف شهر وأنا في مركز لرعاية الطفولة الى أن أتى أبي وتسلمني..

كانت الفرحة والسعادة على وجهه تعلن علمه بكل ما حدث..

بعد مدة كنت أحمل أوراقي التعريفية.. كم جاهد ابي ساعيا ليحقق لحمتي مع وجودي الحقيقي لكن بغير انتساب اليه وانما صرت أحمل انتماء لا اعرف من أين تسوقوه..

فقد تخلى الكل عني لاني لست الا "طفلة ولدتها الرذيلة.".

وحده الرجل الذي احبني وتعلقت به وظلت قبلته دفئا على خدي لم يتركني، ولم تتغير عاطفته نحوي،هو من تسلمني وفي كنفه ورعايته صرت أتابع حياتي.. في حرية، سكينة وراحة بال.. اعانقه، لكن صار يتحرج من أن اركب صدره. ولا أنا أستطيع أن أستغفله لاهبر عضة من خده.. الآن فهمت العبارة:

ـ ياغدارة !!.. تستغفلين طيبتي لكن عيوني لك بالمرصاد.

فعيونه عن حبي لم تنم وعما يجري في البيت لم تغْفُ أو تغِب ْ

 كان يمني النفس بأمل هو علامة الخيطين الأحمرين الأخيرين في معصمي لكن وقوعه في حبال أمي بتخطيط من جدتي صيرني من المحرمات عليه..

***

محمد الدرقاوي ـ المغرب

في نصوص اليوم