نصوص أدبية

آسيا رحاحلية: طاولة صغيرة بقرب السرير

تمسك حسناء بالشعرة جيدا بين سبابتها والإبهام. تنزعها بسرعة وخفّة، تتخلّص منها، بكل بساطة.

أيتها اللعنة البيضاء!

لصة تسلّلتْ دون سابق إنذار. ظهرت لها فجأة وهي أمام المرآة تسرّح شعرها الأشقر الناعم.

ندّت عن شفتها آهٌ مكتومة، وأطلّت من عينيها نظرة فزعة. ثم هدأت وهزّت كتفيها " ليست سوى شعرة واحدة ".

 ابتسمت بثقة ثم حملت حقيبة يدها وخرجت للعمل.

غير أن الشعرة بعد وقت، أصبحت شعرات.

لقد بدأ الزمن عزف سيمفونية الخراب. إنّه النزول الإجباري نحو النهاية..تدريجيا وببطء ودون أن تنتبه في كثير من الأحيان.

هو الزمن..رسامٌ حاذق.. فنان وعبقري وحنون. من قال أنه خال من المشاعر؟ هو لا يفسد الواجهة بخربشته مرّة واحدة بل يفعل ذلك بالتدريج.. يضيف في كل مرة لونا جديدا، خطا متعرّجا، لطخة عشوائية إلى أن تكتمل اللوحة غير الفنّية ولا يبق سوى أن تعلّق على جدار الفناء. يتزحلق الزمن والشعرة الواحدة تصبح شعرات. يذوي جسد حسناء، يفقد مرونته وجماله، يوما بعد يوم. يهرب من عينيها سحر البريق، وتستقر في البؤبؤين نظرة فارغة. يذوي النهدان الشامخان ويتنازلا عن عرشهما لعجوز شمطاء تدعى الشيخوخة.

و دون أن تنتبه حسناء، راحت أشياء صغيرة، أشياء لا علاقة لها بعضها ببعض، تأخذ مكانها فوق طاولة صغيرة بقرب السرير.

أشياء تتوالى كفصول رواية، وكل فصل يطرد الآخر ويحتلّ حيّزه:

في الفصل الأول: نظارات شمسية، أحمر شفاه بلون صارخ، حبوب منع الحمل ولوح شوكولاطة..

في الفصل الثاني: نظارات للرؤية عن بعد، مضاد تجاعيد ليلي وقارورة عطر.

في الفصل الثالث: مرهم آلام المفاصل، آلة قياس الضغط، رواية، نظارات للرؤية من قرب، نظارات للرؤية من بعد، قارورة عطر، مصحف صغير، مفكرة وقلم.

في الفصل الرابع لم يكن على الطاولة الصغيرة التي بقرب السرير سوى مصحف صغير، زجاجة ماء ومفكّرة وقلم.

و في ليلة الفصل ما قبل الأخير,اختفت جميع الأشياء من فوق الطاولة الصغيرة التي بقرب السرير.

 ثم كان صباح يوم ربيعيّ، وفوق الطاولة الصغيرة كانت هناك صورة، في إطار جميل زيّن بشريط حريري أسود ولمعت، تحت أشعة الشمس المنبعثة من النافذة، حوافه الذهبية المزخرفة.

كانت صورة الجدة حسناء والحفيدة أمل.

***

آسيا رحاحلية

في نصوص اليوم