نصوص أدبية

محمد الدرقاوي: غربال السحالي

وكأنهما على موعد، أو كأن أحدهما يضبط خروج الآخر على ساعته ليلتحق به.. يلتقيان كل صباح، يرفع لها اليد بالتحية، فتبادله الحركة بعينين ضاحكتين، وقد تغمزه بإحداهما أحيانا، ويدها على فمها، بريد قبلة من شفاه سخية، تتجه نحو سيارتها وعنقها يشرئب الى الخلف، هل سيفتح لها نافذة أكثرمن التحية أم سيركب سيارته كعادته ثم يغادر الحي؟..

حين ترفع راسها تجد مليكة زوجته تراقب وبدقة، من الطابق الرابع وكأنها في برج لحراسة الحدود البحرية تتابع ما يروج في بحر الشارع من تحت نافذة غرفة نومها، وحتى تذيب أي وسواس قد يطرق صدر الزوجة، ترفع اليها يدا كتحية صباح عادية ؛تستدير الزوجة وتتوارى دون ان ترد عليها بمثل، بعد أن تتأكد أن سيارة زوجها قد تركت مرسى الحي بسلام، فهي تدرك طيبة زوجها ادراكها وبصورة أعمق لعبة الجارة القذرة والتي مذ سكنت الطابق الأول من العمارة وهي مثار شبهات وقيل وقال بين سكان العمارة.. امتنعت عن السكن في الطابق الثالث أو الخامس وبهما شقتان أحسن وأكثر اضاءة وتعرُّضا لنور الشمس، وأصرت على الطابق الأول بحجة أنها تخاف استعمال السلم الكهربائي.

مليكة تعرف جارتها حسناء معرفة دقيقة، ملف تضبط محتويات اوراقه بدقة، فهما معا من خريجات معهد واحد، كما اشتغلتا معا في نفس الإدارة بعد التخرج، وقد استطاعت حسناء أن ترتقي بسرعة، لأنها تمتلك من وسائل المرونة والسخاء والاغراء ما يجعل أكثر من رئيس يهلل بعدها بمدح وثناء، لسانها يذبح قبل عيونها وتستطيع ان تبذل جهودها والقيام بمهام أخرى خارج إدارة العمل تلبية لرغبات رئيسها، أو السخاء بساعات إضافية تتنازل فيها عن عطلة أسبوعية لتكون رهن إشارة الرئيس، وقد تنقلت في أكثر من إدارة، فهي صيت ذائع، في جبر أثر الزمان على شيوخ الإدارات الذين خلدوا على كراسي الإدارة الى أن ماتوا فوقها أو مرروها الى ذوي القربى والحظوظ..

كما ان حسناء تدرك مليكة جيدا، قدرات عملية، وغربال ذكي لسلوكات الناس، من الصعب أن يقفز جدي خلف ظهرها، لهذا كانت تحاول ان تبتعد ما استطاعت عن مواجهتها، لكن الاحتراس منها لم يبعدها عن تصويب اهتمامها للزوج، وقد سددت سهام اغرائها اليه كرجل طيب وحمل وديع، لو استطاعت ان توقعه ففي ذلك كفايتها انتقاما وتكسيرا لشوكة مليكة، الى أن يأتي ما بعده.. ولتنفيذ فكرتها الانتقامية اكترت شقة في نفس العمارة التي تسكنها مليكة، وفضلت ان تكون قريبة من مدخل العمارة.. إن حسناء لن تنسى أبدا كيف تم توقيفها عن العمل من آخر إدارة عملت بها، فضاعت منها امتيازات مادية كبيرة بعد ان بلغت بها مليكة مدعية أن الإدارة تحولت مع المدير الذي شاخ الى سرك تعبث به سحلية تتلون كل يوم بوجه، استطاعت ان توقع بالرجل وتنظم له سهرات مجونية ترضي عقدة التصابي فيه، فتربصت الشرطة بحسناء الى أن تم ضبطها مع رئيسها في وضع مخل بأحد الشاليهات خارج المدينة، وقد تمكنت من الخروج بلا متابعة لموقع الرئيس سنا وسمعة وصيتا ويدا سخية مع من هم أكبر، فأبعد الى إدارة أخرى بترقية معتبرة، وتم الاكتفاء بتوقيف حسناء عن العمل كذر الرماد في العيون، ثم ما لبثت أن خرجت من تحت رمادها، فاشتغلت في القطاع الخاص بتوصية من رئيسها السابق حفاظا على خدمات تتقن أداءها بمهارة، واتقاء لمخزوناتها عمن سيرت مكاتبهم.. وها هي تشرق من وراء الضباب مترصدة مليكة، تلهث بحرث قد يوقع الزوج وفي ذلك كفايتها لاذلال غريمتها..

تأخرزوج مليكة عند الزوال، وبعد أن أبطأ منه خبر، هاتفته مليكة فاعتذر أنه في اجتماع مع زوار أجانب ولا داعي لانتظاره للغذاء.. تناولت مليكة غذاءها منفردة، ثم شرعت تستعد للخروج الى عملها.. وهي في الطريق صدرت إشارة ضوئية من هاتفها، فمليكة لا تحتمل رنات الهاتف وهي خلف قيادة سيارتها، لهذا فهاتفها دوما على الوضع الصامت، "رقم لا تعرفه، " أهملته، كما تهمل كل مكالمة يخفي صاحبها هويته.

دخلت مكتبها اقبلت الكاتبة بالملفات التي أنجزتها صباحا..

كانت الكاتبة تتحرك في مكانها بغير قليل من التوتر، كأنها تريد أن تبلغ مليكة أمرا اوتحاول الاستفسارعن أمر، ودون ان ترفع مليكة رأسها عن إحدى الوثائق سالتها:

ــ مابك؟ هل عندك شيء، أم تريدين قول شيء؟

تلعثمت الكاتبة قبل أن تنطق:

لا.. ظننت أنك ستتغيبين هذا المساء !!..

استمرت مليكة في قراءة الوثيقة، تدقق في مضمونها كلمة بعد أخرى وقد احست أن بين طيات السؤال خبرا تريد الكاتبة تبليغه:

ـ خير ان شاء الله، أتغيب !!.. لماذا؟

ترددت الكاتبة قبل ان تخرج هاتفها من جيب سترتها، فتحته على اليوتيوب، ثم مدت به اليد الى مديرتها..

رفعت مليكة راسها، ركزت النظر في كاتبتها وكأنها تستشف من وجهها ماوراء السؤال وما قد يفاجئها من سلوك كاتبتها غير المعتاد، تسلمت منها الهاتف وقرات:

مديرشركات الشمال يقضي نحبه في حادثة سيرمع عشيقته..

فضيحة تروع المدينة لمكانة الشخص وعلاقاته التجارية محليا ووطنيا..

المدير كان على علاقات مشبوهة رغم مظهره الذي يوحي بالطيبة والتواضع والتقوى..

بثبات ورزانة حدقت مليكة في الصور، لم يتوضح لها منها ما يؤكد أن الصور هي فعلا لزوجها رغم الشبه الكبيرالذي توحي به، "صياغة تهويلية للخبر" قالت في نفسها.. ورغم أنها لم تقف على منبع الخبر ومصدره الأول فقد اهتزت مليكة من مقعدها وعيناها قد طفقتا بخوف، تذكرت ومضات هاتفها وهي في الطريق الى عملها، أخرجت الهاتف، طلبت زوجها، الهاتف يرن والزوج لا يرد.. ارتفع وجيب قلبها أكثر.. سلمت للكاتبة هاتفها، وطلبت منها الانصراف فهي تكره ان تظهر ضعيفة امام غيرها، ضاق صدرها وصارت تتنفس بصعوبة، ادارت الرقم الذي كان يرسل إشارات وهي في السيارة، مشغول، لا يرد، ادارت رقم الهاتف الثابت لعمل الزوج، ردت الكاتبة: سالتها مليكة عن زوجها فقالت الكاتبة:

شيء ما حدث هذا المساء، و السيد المدير مع رئيس مركز الشرطة في المكتب المجاور خرج وترك هاتفه على مكتبه، هل انت من اتصلت من لحظات؟

اطمأنت مليكة أن زوجها حي يرزق وان في الامر شيئا، حتما ستعرفه، فمثلها خبرة وثباتا لا يخفى عليها مؤامرت الصحافة، ومن يريدون زحزحة زوجها عن منصبه، طلبت من الكاتبة ان تبلغ مديرها ان يتصل بعد نهاية اجتماعه..

بقيت مليكة رغم رزانتها كانها قطعة لحم في سفود على النار، تترقب مكالمة من زوجها، بعد ازيد من ساعة كلمتها الكاتبة وأخبرتها ان زوجها في الطريق الى البيت ويطلب منها أن تلحق به، استغربت لماذا لم يكلمها من هاتفه؟..

في الطريق الى البيت رن هاتفها، رقم غير معروف، ردت الهاتف الى حقيبتها وتابعت القيادة..

وجدت زوجها في باب العمارة يترقبها، اركنت سيارتها، وقبل ان تصل اليه كانت حسناء أسبق منها اليه؟ لا تدري من اين خرجت، ارتمت عليه و كأنها تتعمد ذلك، حاول أن يبعدها ويتجه نحو مليكة التي تركتهما معا وولجت باب العمارة بثبات وثقة، قبل ان يلحق بها الزوج كان المصعد الكهربائي قد تحرك بالصعود فانتظر عودته..

وجد باب الشقة مفتوحا فدخل، قصد مليكة التي كانت تجلس على حافة السرير في غرفة نومها.. بسرعة بادرته:

أنهيت غرامياتك؟

رد عليها في قلق:

أية غراميات؟ !!.. والله لا اعرف لماذا تتصرف جارتنا بتلك الطريقة كأنها تتعمد غيضك والإساءة اليك..؟؟..

قالت في حدة ونوع من السخرية بعد ان وقفت:

أولا أنا أكبرمن أن يسيء الي أي كان، ثانيا هي تعرف لماذا تفعل ذلك، لكن أنت ألا تعرف؟ ورغم ذلك تشجعها، بطيبتك الزائدة تبعث في نفسها أملا بلقاء مرتقب، وكأنك تخشى ان تضيع صوتا انتخابيا أليس كذلك؟ هي ملوثة، نعرف ماضيها، لكن انت ألا تفكر في صيانة كرامتك وكرامة بيتك ومنصبك والجيران من حولك؟ !!..

كان يحاول ان يدافع عن نفسه، كونه لايريد الدخول في عداوات جانبية مع أي كان من سكان العمارة، وقد سبق ان شرح لها هذه الأمور، فحسناء تبدو أنثى عنيدة، وهي تريد ان ترد الصاع صاعين لمليكة، وهو لا يريد أن يركب لها خاتم على قد اصبعها، لهذا فكل امرئ يصنع قَدْره بنفسه وبالطريقة التي تناسب وضعه..

مرة أخرى تسأله وكأنها تريد تجاوز حديث حسناء:

ــ لم تجبني ماذا وقع هذا المساء؟

رد وكأنه قد استرجع شيئا قد نسيه:

- والله اقلقتني اتهاماتك، أنا نفسي لا ادري ما وقع، ومن نشر الخبر الزائف الذي روعنا وروع الناس من حولنا..

قالت: ومن أجل ذلك لم تبادر الي بهاتف؟الا تكون مشاعرك قد تفتحت ترضية لجارتك الحسناء؟

 بحدة وقلق رد وكانه يستدرك كلامه، هاتفي احتفظ به رئيس قسم الشرطة..

قالت وهي تغير ثيابها:الامر فيه دسيسة إذن..

صمتت قليلا ثم تابعت:كيف وجدت سلوك جارتك الحسناء حين رأتني، ما الرسالة التي كانت تحاول تبليغها؟

ـ سلوك غريب فعلا، عناد امرأة وإصرارعلى الثأر.

استدارت الى زوجها، تمعنت في وجهه وهي تضحك وقالت: ـ ممن؟ مني انا؟!!..

 تيمم نحو المطبخ، فيلحق بها، يضمها من خلف، ويضع راسه على ظهرها:

ــ مليكة عزيزتي، انت تعرفين حبي لك، ولا أحد يستطيع أن يحول مجراه، ونحن عقلاء ذوو مسؤولية، يلزم أن نتصرف بعيدا عن طفالة الصبيان، ودسائس الحقودين..

هي تدرك حبه لها، ومن المستبعد حسب ما هي متحققة منه عنه أن يحاول تشويه سمعته وكرامتها فيلتجئ لامرأة أخرى بديلا عنها، كما أنه يدرك ذكاءها ورزانتها وحرصها الشديد على بيتها وسمعته، لكن دوما تخشى حسناء، سحلية في ظاهرها، افعى من باطنها.. لا حدود لخبثها..

يلثم عنقها.. قشعريرة تسري في أنحاء جسمها، تستلذها بابتسامة وصيحة متعة، تدخل راسها بين كتفيها، فتبادره:

غير ثيابك ريثما اعد العشاء..

لم تتغير عادة حسناء مع زوج مليكة، فكأنها معه على موعد صباحي، لكن ماشغلها اليوم أنه لم يرفع لها يدا بتحية، وأنه قصد سيارته وكأنها غير موجودة، كما أثارها أن مليكة لم تكن في مكانها كالمعتاد. ماذا وقع؟ اين راحت؟ ابتسمت باستخفاف وسخرية ذات معنى، وكأنها لم تبال لا بالزوج ولا بمليكة، حركت حاجبيها الى أعلى ثم دخلت سيارتها..

بينها وبين نفسها رددت: ساعرف كيف أهتك غربالك؟لن يتعبني زمان، ولن أيأس من محاولة !!..

خرجت مليكة من المصعد الكهربائي الى سيارتها مباشرة، وبدل ان تتجه يسارا الى مكان عملها دارت يمينا الى الإدارة العامة للامن..

جلست الى رئيس دائرة الامن، بعد تقديم نفسها، شكر لها الرئيس قدومها لانه كان على وشك استدعائها، بعد حديث ليس بالقصير كان رئيس الدائرة يدون كل ما تقول.. ثم وضع أمامها لائحة بأرقام هاتفية وطلب منها هل تعرف أصحابها؟

قالت لرئيس الدائرة:

أولا أنا وزجي لا نرد على ارقام مجهولة الهوية ولا على مكالمات غير معروفة، ثانيا أن رقمين من هذه الأرقام أظنها قد وردت منهما إشارة وأنا أسوق السيارة أول أمس، لم ارد عليهما.. لحظة من فضلك..

أخرجت هاتفها من حقيبتها فتأكدت ان الرقمين حقا موجودان ضمن مكالمات لم يتم الرد عليها ؛ تبسم رئيس الدائرة وقال:

ــ هنيئا لك، ذاكرة قوية..

ظل العميد يتنقل عبر خاصيات الهاتف بعد إذن منها، ثم أدخل رموزا، فاكتشف ان هاتفها مخترق، استدعى احد معاونيه وقدم له الهاتف بعد أن شرح له ما يجب عمله، تسلم المعاون الهاتف، غاب قليلا ثم عاد..

قال رئيس الدائرة لمليكة:

هاتفك صار تحت المراقبة، تصرفي عادية وردي على جميع المكالمات بدون تمييز وبهدوء، وحاولي شد كل متكلم لا تعرفينه قليلا باي شي ء..

بعد خمسة أيام كانت مليكة وزوجها في ضيافة رئيس الدائرة الذي شرح لهما الوضع بعد مراقبة دقيقة:

من حي سكناكم تخرج المكالمات من خمس هواتف بأرقام مختلفة؛وما تم تدوينه من معلومات من السيدة مليكة في زيارتها السابقة جعل الاحتمال مؤكدا ان تكون المسماة حسناء هي صاحبة ما يقع.وما زكى هذا الاحتمال أن الإشارات تخرج من نفس الدائرة، بمعنى ان الهواتف التي تخرج منها الإشارة والهاتف الذي تمر عبره وهو هاتف السيدة مليكة كلها في نفس الدائرة، أما الهواتف المقصودة بالإشارة فأحدها كان في مركزنا وهو هاتف زوج السيدة مليكة، وهواتف أخرى تم تحديد دائرتها المكانية، والتي توهم أصحابها أن السيدة مليكة هي من تكلمهم وتدردش معهم..

نظر الزوج الى مليكة وكأنه يستفسرها عما أخبرت به الشرطة؟ ولماذا أخفت عليه هذا الامر؟ لاحظت مليكة اضطرابا شديدا يعتري زوجها الذي بدأ يعصر يديه ويفركهما بغير قليل من الانفعال، والتفت اليها كأنه يستنجد بها !!..

قبل أن تودع مليكة وزوجها رئيس الدائرة اوصاهما الا تصدر عنهما اية إشارة قد تنبه حسناء، وان يتصرفا كما كانا معها من قبل والا يستعمل أي منهما هاتف المنزل أو غيره لاي غرض كان.. ثم اخبرهما أنه سيكون في انتظارهما على الساعة الثامنة صباحا بمكتبه.

حين خرجت مليكة وزوجها من المصعد الكهربائي قبل الثامنة صباحا بقليل كانت الشرطة تطوق مخرج باب العمارة، وكانت حسناء ومعها رجلان وشابة تملك مليكة الاستغراب حين رأتها، ، فلم تكن غير كاتبتها صاحبة اليوتيوب، تتعثر في مشيتها دامعة العينين، تشهق بصوت مسموع، وكأن مانزل بها صاعقة داهمتها بلا إعلان.. الكل يصعد سيارة الشرطة مكبل اليدين..

شيعت مليكة حسناء وهي مقيدة اليدين بأسف جعل مدامعها تعمق اثر ما شاهدت، "أنثى بشواهد وخبرة إدارية وراتب ليس بالهين لكن عقل عصفوري صغير "، ومشهد كاتبتها التي لا تدري كيف تم استقطابها والتغرير بها؟ لم تكن تغيب عن مليكة بعض غراميات كاتبتها لكن ان تبلغ هذا الدرك فهذا ماغاب عنها، تمتمت مع نفسها: "الى متى سيظل الانسان عدو نفسه؟ !!.. التفتت حسناء فرات مليكة تشيعها فحولت وجهها الى الجهة الأخرى بنوع من التحدي وكأنها لا تريد أن تظهر ضعيفة أمام مليكة." أتمنى أن افقأ تينك العينين، أو أحرق ذاك الوجه الذي يعلن انتصاره علي " ـ فكرت حسناء ـ.

غادرت سيارة الشرطة الحي، انتبهت مليكة أن زوجها ينتظرها بباب سيارته قلقا خائفا مما شاهد، ركبت بجواره وانطلقا الى دائرة الشرطة..

اكتشف الزوجان ان حسناء تستغل منزلها لأغراض أخرى غير السكن، وبعد أن تسلم الزوج هاتفه قال له رئيس الدائرة:

أنت من كان السبب في اختراق هواتفكما، فقد اتصلت بحسناء وطلبت منها أن تكف عن مضايقتك في باب العمارة وتحت أنظار زوجتك وجيرانك وكأنك توحي لها في توسل بإمكانية القيام بذلك خارج رقابة أهل الحي..

قفز الزوج من مكانه وقال:أعوذ بالله ان كان ذلك قصدي..

طلب منه رئيس الدائرة أن يستكين وقال:

سيدي الكريم !!.. أنا أعرف قصدك النبيل معرفتي بطيبوبتك، لكن قانونا، ، نحن لا نحتكم الا للاقوال والأفعال، انت رجل تتحمل مسؤولية وتعرف هذا جيدا، حسناء أولت غير ما قصدته أنت.. ركز في الزوج النظر ثم تابع حديثه:

وهي لم تكن تنتظر أكثر من هديتك لتمسكك من رقبتك، ولست َالأول بالنسبة لها، اخترقت هاتفك أولا وانت تكلمها ثم بدأت تستغل كل معلومات الهاتف عن طريق مساعدين هواة، هما من وجدا في بيتها مع كاتبة السيدة مليكة وهي لأول مرة تدخل بيت حسناء باغراء من أحد الشابين الذي وعدها بالزواج وهي حديثة علاقة به.. أنت أيها السيد أكبر من أن تعتذر لحسناء ومن هن مثلها، أو تطلب منها الكف عن سلوك هو من طبيعتها، ويجب أن تحمد لزوجتك صرامتها في تعاملها مع الموقف فأنقدتك من ورطة كانت ستأتي على حياتك المهنية والاجتماعية..

في الطريق الى البيت كانت مليكة مشغولة بتورط كاتبتها.. إغراء بزواج يعلم الله صحته من كذبه، معنى هذا لم تكن لها سابقة معرفة بحسناء.. تعرف مليكة ان الكاتبة قد بلغت سن العنوسة ولم تتزوج، لكن أن تخون أمانتها الإدارية فهذا يحتاج الى إعادة تقييم، فليست مليكة من يخونها غربال العقل الذي تنخل به غيرها وبدقة..

كان الزوج يحاول أن يبرر موقفه.. كلما استمر صمت مليكة كلما زاد شرحا وتبريرا، وقلقا، لكنها ظلت ساكتة، مشغولة بأمر كاتبتها وأسرار ادارتها، ثم كانت تتعمد ألا ترد عليه لتحسسه بذنبه، وبأن ما قام به لا يناسب مسؤوليته ومركزه الاجتماعي الا اذا خطر بباله أمر.. هي تعرف طيبته، متأكدة من وفائه، لكنها لم تكن تتصور أن يتلبسه الغباء، فيعتذر لواحدة مثل حسناء وهو يعرف عنها مايعرف.. قالت له قبل أن تغادر سيارته:

ــ انت يا زوجي العزيز في حاجة الى تغيير برمجة أبويك العاطفية في نفسك، أنت في حاجة أكيدة وأكيدة جدا الى برمجة حديثة تزودك بالقوة، تجفف ماضيك السائل فيك، الى حاضر يغير من نظرتك الى الناس، وقراءتك لهم بعقلية والديك.. افكارك يلزم أن تظل تحت سيطرتك أنت ولا أحد غيرك يمكن أن يوجهها ببسمة مزيفة أو مظهر مشبوه.. مثل فرنسي يقول: أن تكون طيبا جدا فمعناه أنك غبي جدا، وموقف رئيس قسم الشرطة من تصرفك يلزم ان تنتظر ما بعده.. أنت حكمت على نفسك برجعيتك الطوباوية ومثلك ماعاد له مكان في إدارة اليوم..

انشغال مليكة بكاتبتها وخوفها على أسرار إدارتها جعلها تتابع التحقيق الذي يجرى مع الكاتبة، ولم ترتح ويهدأ بالها حتى عرفت أن أحد الشابين تعرف على كاتبتها بايعاز من حسناء وأوهمها بالزواج ثم استدعاها لعشاء في بيت حسناء على أساس أنها أخته، ولم يسبق لها أن تعرفت عليها من قبل، والشاب هو الذي أخبرها بالفيديو عبر الهاتف بعد أن قال لها ان مديرتكم لن تأتي هذا المساء..

***

محمد الدرقاوي

في نصوص اليوم