نصوص أدبية

جمال مصطفى: بانوراما بُرْجُ بابِل

قصيدة سَرْديّة

(1)

قد جاءَ في ديباجةِ اللوحِ الكتابِ بِأنّهُ

مِن ألْفِ بابٍ، كُلُّ بابٍ ألْفُ لَوحٍ

هل قرأتَ؟

سمعْتُ عنهُ وجئْتُ أصعَدُ

كيْفَ تَصْعَدُ ، لا سَلالِمَ؟

عُدْ إلى (اللوحِ  الكتابْ)

وأينَ ذاكَ؟

عليكَ وحدَكَ أنتَ أنْ تَجِدَ الجوابْ

(2)

في بابِ قَرْميدو المُهَنْدسِ

مِن كتابِ اللوحِ

قالَ: البُرجُ بُرْجي

صَمَّمَتْهُ رؤايَ شاهقةً

وصادَفَ أنّها قد راقَتِ النَمْرودَ

فانتَحَلَ القصيدهْ

وأزاحَ شاعرَها مِن الطَبَعاتِ قاطبَةً سوى

طبَعاتِ إصبَعِهِ الفريدَه

(3)

ومِنَ القصيدةِ:

حينَ تَصعدُ  قال قرْميدو  تَرَيّثْ

أجملُ الحُجُراتِ

في بُرْجي اللواتي لا تُرَقَّمُ

بَلْ تُسَمّى

ومِن القصيدةِ:

إنَّ بُرْجي كالقصيدة طالما اكتَمَلَتْ

وَلَمّا

(4)

هل كانَ بُرجاً أمْ قصيده؟

سيّانِ

قَرْميدو وإقصيدو هُما لَقَبانِ

مِن ألقابِ مِعْمارِيِّهِ الحُسْنى العديدهْ

(5)

كَم كانَ إقْصيدو يَقولُ:

البُرجُ قُمْصانُ القصيدةِ

وَهْيَ تَمْشي عاريَةْ

.......................

البرجُ تَقتُلهُ القصيدةُ

قالَ قرْمِيدو المهَندسُ وهْوَ يعرفُ ما يَقولْ

لكِنَّ إقصيدو يُرَدِّدُ وهْوَ يَصعدُ: لا نُزولْ

إنَّ النزولَ كَهاويَةْ

(6)

قافانِ

في (قَلَقِ) الوجودْ

والّلامُ بينهما أسيرةْ

اللّامُ أنتَ فيا تُرى

ما أنتَ بالقافَيْنِ فاعِلْ؟

....................

حَسَناً أُشَيِّدُ بُرْجَ بابِلْ

(7)

إنَّ المداخِلَ سَبْعةٌ

زوجٌ مِن الثيرانِ كانَ مُجَنَّحاً

في كُلِّ مَدْخَلْ

لو جاءَ

تَعلو كالمصاعِدِ بالمُبَجَّلْ

(8)

إنَّ المَخارِجَ سبعةٌ أيضاً

ولكِنْ لا امتِيازْ

فيها سوى أنَّ الحقيقةَ كالمَجازْ

ويُقالُ:

عندَ الفجْر تَكْتظُّ المَخارِجُ بالسُكارىَ

خَرجوا كما دخَلوا حَيارى

(9)

إنْ كانَ سينُ هوَ الإلهْ

أو كان مَرْدوخُ الإلهْ

أو كانَ جَدُّهُما

النتيجةُ واحِدةْ:

نحْنُ العبيدُ ، نَظلُّ في الوادي

وهُمْ أعلى الجَبَلْ

.....................

البرجُ حَلْ

(10)

ها أنتَ تَصعدُ،

ها هِيَ الثيرانُ

جَنّحَها على الجُدْرانِ ناحِتُها

لِتَنْفَتِحَ السقوفُ

..............

البرجُ مكتبةٌ طوابِقُهُ رفوفُ

(11)

البُرجُ أعْرَقُ مِنكِ بابِلْ

البُرجُ أحلامُ الأوائِلْ

في لَجْمِ غطْرسةِ البُغاةِ الآلِههْ

مَنْ يَحْسبونَ الأرضَ سَلَّةَ فاكِههْ

والناسَ تَحْتَهُمو عبيدا

......................

البُرجُ فاجأَهُمْ صعودا

(12)

في البدءِ كان البرجُ محمولاً

على رُخِّ الخُرافةْ

حتى أناخَ بأرضِ بابلْ

أخَذَتُهُ مِنهُ قصيدتي

كالهودجِ الحَلَزونِ تحملُهُ زرافةْ

وبهِ تَطوفُ على المدائِنْ

(13)

في البُرْجِ بُرْجٌ لِلْطيورِ

مَعاً تَطيرُ لِكيْ تُطَرِّزَ في الصباحِ

سماءَ بابِلْ

(14)

هِيَ حُجْرَةُ الشامانِ

فارِغةٌ تَماماً

لَو دَخَلْتَ تَصيرُ غابَةْ

هِيَ حُجْرَةُ الشامانِ

فيها قد تُفَقِّهُكَ الأيائِلُ بالتَخاطُرِ

فِقْهَ إبْكاءِ السَحابَةْ

(15)

في باب مانعةِ الصواعقِ

عَنْهُ في اللوح الكتابِ إشارةٌ:

أنْ سوفَ يَجترحُ الصديقُ ......

إنارةَ البُرْجِ المُعَلّى

لَمْ يذكروا مَن كانَ ذيّاكَ الصديقُ

لَربّما خوفاً عليهِ كأنّهُ

قد كانَ (تِسْلا)

(16)

هي حُجْرَةُ التيجانِ

تَدْخُلُها بِقِيراطَيْنِ مِن ذَهَبٍ

دقائِقَ

كامبِراطورٍ، كَقَيْصَرَ أو كَكِسرى أو كَسلْطانٍ

كما مَلِكِ المُلوكْ

العرشُ فيها، الصولَجانُ، الخاتَمُ الطُغْراءُ

وحْدَكَ ها هنا الآنَ المُتَوَجُّ

بَيْنَ مَن قد تَوَّجوكْ

(17)

في حجرةِ الشطرنجِ يَمتَدُّ السِجالُ إلى الشروقْ

والفائزونَ يُكَرَّمونَ

بأنْ يزوروا حُجْرةَ الأسرارِ ما فوقَ الغيومِ

ليَسألوا: أنّى وكيفَ متى وأين؟

.................

في الصُبْحِ سادِنُ حُجْرةِ الشطْرنجِ

يَشْطفها بِخُرطومِ المياهِ مِن الدماءِ

ويُوقِظُ الصَرْعى مِن الجيْشيْنِ

يُوقِفُهُمْ على ذاتِ المَرَبَّعِ مِن جديدْ

(18)

في حُجْرةِ الحُجُراتِ

نعْشٌ

في النهارِ يطوفُ مرفوعاً بِذاتِهْ

...............

في حُجْرةِ الحُجُراتِ

نعْشٌ

يَختفي ليْلاً فلا يبقى هناكَ سوى بَناتهْ

(19)

في بابِ (هاروتٌ و ماروتٌ) مِن اللوحِ الكتابْ

قالا لِقرْميدو: سنجعلُ فوقَ بُرْجِكَ

غيْمةً في صيْفِ بابلَ

تُنعشُ البرْجَ العظيمَ وتَغْسلُهْ

لكِنَّ قرْميدو تَوَجّسَ:

عنْدنا تِسْلا ، كذلكَ عندنا الشامانُ

يَجْتَرِحانِ ما شِئْنا بِلا سِحْرٍ،

بِأيْدينا نُصُمِّمُ ما نُريدُ ونَجْعَلُهْ ...........

(20)

الطابقُ العشرونَ مُتْحَفُ (سوفَ كانَ) وفيهِ: أجنحةٌ

لِجبرائيلَ، ألواحُ الزمرّدِ، نَعْلُ آدمَ، مشطُ حواءَ، البراقُ،

وفُلْكُ نوحٍ، صُورُ إسْرافيلَ، والرُخُّ الذي عَبَرَ البِحارَ

مُحَلِّقاً بالسندبادِ، فَرائِصُ الأسرار تَرتعدُ ارتعاداً في

ضميرِ الغيبِ قُرْبَ عمامةِ الخَضِرِ، الدفوفُ تَزُفُّ بَدراً مِثْلَ

فاكهةٍ يُقَطِّعُهُ بِخِنْجَرِهِ إلهُ المَدِّ سْكْراناً لِيأكُلَهُ أهِلَّهْ

في (سَوفَ كانْ) :

حَجَرُ الفَلاسِفةِ، الهِيولى، والبَهيموثُ المُحَنّطُ،

واهتزازُ ضفيرةِ الزمَنِ المُولِّهُ والمُوَلَّهْ

(21)

مِن بابِ لُغْزى في الكتابِ

بأنها عذراءُ ساحِرةٌ جميلَةْ

في البرجِ حُجْرَتُها تُطلُّ على الفراتِ،

يَفُضُّها مَن يستطيعُ لِلُغْزِها حَلّاً

ولكنْ

لَمْ يَفُزْ أحَدٌ فَعاشَتْ هكذا في البرج

عذْراءً وساحرةً جليلةْ

(22)

عن نَحلَةٍ في البُرْجِ

إنَّ صديقَها فَرَسَ النَبي

كانَتْ لهُ في البُرجِ شِبْهُ جُنَيْنَةٍ

فيها مِن الخَشْخاشِ ما يَكفي

تَعالي جَرِّبي

(23)

في حُجْرةِ العمْيانِ لو دخلَ البصيرُ

يَصيرُ أعمى،

هيَ كُلُّ ما فيها مَرايا

لا يَرى العمْيانُ صورَتَهُمْ ولكِنْ

ما عَداها يُبْصِرونْ

فيها جميعَ وكُلَّ ما قد يَشتَهونْ

(24)

في الصيْفِ في السَنةِ الكبيسةِ

يومَ مَوْلِدِ عشْتَروتَ وعرْسِ بابِلْ

في مهْرَجانِ الليْلة البيضاءِ أو سَهَرِ العنادِلْ

قبْلَ الغروبِ،

البرجُ تَصعدُهُ النواظيرُ التي حَملَ الرجالُ

رجالُ بابلَ كُلُّهُمْ أوْ جُلُّهُمْ عندَ المساءْ

لِيُشاهدوا غَسْلَ العريسِ البَدْرِ

يَسبحُ في الفراتِ معَ النساءْ

(25)

يا بابَ أبوابِ الكتابِ اللوحِ

والمُغْني عن

الأبراجِ،

والأعشابِ أجْمَعَ،

والأطِبَّةْ

يا بابَ (حَيَّ على المَحَبَّةْ)

(26)

في سرّةِ البُرجِ البليغِ وأنتَ تَصعدُ:

حُجْرةُ الفُصْحى هناكَ، بَناتُها مِن حَوْلِها

سَبْعٌ وسبعينَ انغماسةَ لثْغةٍ

في ريقِ مَرْشَفِها الذي فَتَن الإلهْ

يا بُلْبُلاً قد عَلَّقَتْهُ على حبال غرامِها حتّى اعتَراهْ

طَرَبُ الهبوطِ الحُرِّ

مِن

آهٍ

لِ آهْ

يا بُعْدَ سدْرةِ مُنْتَهاهْ

(27)

هيَ حجرةٌ للأنبياءْ

زرْقاءُ: سُرّةُ ما وراءْ

يَتَجادلونَ على طبيعَة ذلك المعبودِ رَبّا

سرعانَ ما ضاقتْ بهِمْ:

كُلٌّ يُريدُ مِن المُهندسِ حُجْرةً

قالَ: ابشروا سعَةً ورَحْبا

(28)

هيَ قُبّةٌ فَلَكيّةٌ أمْ مَكْتَبَهْ؟

إدريسُ حُجْرتُهُ تَطيرُ كَمَركبَهْ !

ويُقالُ: شُوهِدَ مَرّةً يَمشي

وسطحُ البرجِ لا أحَدٌ عليهِ سواهُ حتى

ويُقالُ والأقوالُ عن إدريسَ شَتّى:

الحُجْرةُ انتُهِبَتْ وأُفْرِغَتْ الرُفوفْ

(29)

هيَ حجرةُ البوذا صغيرهْ

ليستْ مؤثَّثةً

إذا دخَلَ المُريدونَ الحُفاةُ تَرَبّعوا:

بِاللهِ تُؤمِنُ؟ يَسألُ الكُفّارُ بوذا

أيْ نَعمْ كانَ الجوابْ

بِاللهِ تُؤمِنُ؟ يسألُ العُبّادُ بوذا

لا ولا كان الجوابْ

هيَ حجْرةُ البوذا منيرهْ

(30)

هيَ حجْرةٌ ليسوعَ

تَعرفها لأنَّ أتانَهُ بالبابِ واقفةٌ

وتعرفها لأنَّ قبْلَكَ أعرَجاً

شاهدْتَ يَدخلُها ويَخرجُ غيرَ أعرجْ

هي حجْرةٌ لِيسوعَ تَعرفها

لأنَّ قلادةً مِن زهرة الثالوثِ

ألطَفَ زهرةٍ روحاً بِعائِلةِ البَنفسجْ

تُرِكَتْ هُناكَ مُعَلَّقَه

(31)

هيَ حُجْرةٌ لِلْمُصْطفى

فيها على الجُدرانِ آياتٌ لِتَسمَعَ ما تَراهُ

.................

مُهْندسُ البرجِ ارتأى الكوفِيَّ خَطّاً

والكتابةَ لِ ابنِ مُقْلَهْ

ثُمَّ استعانَ بِمُقْرِىءٍ مِن مصْرَ يَصدحُ:

(إذا الشمسُ كُوِّرَتْ)

هي حجْرةٌ لِلْمُصطفى

يأتي إلى إفريزِها ديكٌ يُؤذِّنُ كُلَّ فَجْرْ

(32)

هِيَ حُجْرَةٌ مِن حُجْرتَيْنِ

بِلا جِدارٍ عازِلٍ يَتَجاورانِ بِها معاً عقْلٌ و قَلْبْ

يَتَشاجَرانِ،

الحُجْرَتانِ لَدودتانِ

إذَنْ هُما في يومِ حرْبْ

...............

يَتَناغَمانِ:

قوْسٌ على خَصْرِ الكَمانِ

إذَنْ هُما في يومِ حُبْ

(33)

السينَما في البرْجِ: حُجْرةُ شهْرزادْ

يرتادُها سُكّانُ بابِلْ

في بابِها الأبَنوسِ قد كُتِبَتْ عبارةُ:

(لا يَدْخُلَنَّكِ شَهْريارْ)

(34)

إنَّ المَجَرّةَ حُجْرةٌ

في البرجِ

نهْرٌ مِن لَبَنْ

ولَها مَيازيبٌ تَنُثُّ على الفراتِ

كواكِبا

إنَّ المجرّةَ

حُجرةُ البرجِ التي مِن دون سَقْفْ

في الليلِ أوقَفَتْ الزَمَنْ

أيْ عَوَّمَتْهُ قَوارِبا

(35)

بَجَعٌ على ماءِ القصيدةِ

في الصباحِ

وقُبّةٌ كالقِرْطِ أرْجَحَها الهلالُ

فَلا تَحُطُّ ولا تَطيرُ

إنَّ القصيدةَ بُرْجُها الجوْزاءُ

تَأمُرُهُ مَليكَتُهُ

فيأْتَمِرُ الأميرُ

(36)

في الحُجْرةِ الكَونيّةِ الزرقاءِ

أعلى البرجِ مِنضدةُ التَفاضُلِ والتَكامُلْ

مِن حولِها يَتَحَلَّقُ الأفذاذُ (إخْوانُ الصَفاءِ) فَلاسِفَهْ

يَتَفَكَّرونَ لِيكْشفوا

أبْعادَهُ وضميرَهُ وَوراءَهُ وسَقائِفَهْ

(37)

في بابِ (رَسْميدو) مِن اللوحِ الكتابِ

البرجُ بَهْجةُ داخِليهِ

البرجُ مُتْحَفْ:

مِن لَوحةِ (البرجُ الذي حَمَلَتْهُ أكتافُ القصيدةِ)

ثُمَّ لوحةِ (لازَوَرْدُ اللّا نهايةِ) ثُمَّ ثُمَّ إلى الكبيرةِ:

(راقصونَ يُحَلِّقونَ معَ الدفوفِ إلى السقوفِ)

البُرْجُ قِبْلَةُ كُلِّ مُرْهَفْ

كُلِّ آتٍ كي يُؤَرْشِفَ ما تَجَمَّعَ مِن بدائِعَ

لا تُعَدُّ ولا تُؤرَشَفْ

(38)

في حُجْرَةِ التَمكينِ تَلْوينٌ وطُوبى

فيها مِن الإيقاعِ ما يَبدو ذُنوبا

وهْوَ ليْسْ

في حُجْرةِ التَمْكينِ

تَنْعَمُ كُلُّ لَيْلى يا مَجازُ بِكُلِّ قَيْسْ

(39)

سَيّدةٌ، فاتِنةٌ ، لَمْ تَزَلْ

في البُرْجِ سَهْرانَهْ

تَكْفرُ بالأربابِ حتى ولو

لَمْ تَكُ سَكْرانَهْ

حُجْرَتُها ليستْ بِمَبغى ولا

بِمَعْبَدٍ، بَلْ إنّها حانَهْ

(40)

البرجُ مُعْجزةُ العبيدِ

فَكيفَ تَرضى الآلِهة؟

تَرضى إذا قالَ المُهَندسُ ثُمَ أكَّدْ

البرْجُ: هذا البرجُ معبدْ

البرجُ: هذا البرجُ مَعْبَدْ

(41)

أيّامَ كانَ البرجُ تَوأمَهُ القصيدهْ

صَعَدا معاً نَحْوَ السماءِ لِيلْعبا صيْدَ النيازِكْ

غضبَ الإلهُ على القصيدةِ: حرّضَتْ بُرجاً رزيناً

أنْ يَخِفَّ لِيَجْمَحا صُعُداً كَهالِكةٍ وهالِكْ

التابعونَ يُردِّدونْ:

صدقَ الإلهْ

(42)

في مفْخَرِ القَرْميدِ يُسْمَعُ عامِلانْ

يَتَحاورانْ:

هذا البِناءُ ويا لَهُ بُرْجاً ولكنْ

لو أنَّ قرْميدو كإقصيدو اكتفى

عن بُرْجِهِ القرْميدِ بالبُرْجِ القصيدهْ

أو كانَ شَيَّدَها مَساكِنْ

لِمَنْ مِثْلي ومِثْلِكَ ها هنا بالأمْسِ بابِلَهُ الجديدهْ

(43)

يا نَغمةَ البرجِ التي صعَدَتْ إلى لا مُنْتهاهْ

هو لا صداكِ ولا صداهْ

هو هكذا في البدْءِ كانَ كَلا يَكونْ

بُرْجاً إلهْ

مِن تَحتِهِ عَرْشُ الظنونِ وفوقَهُ العَدُمُ المَتاهْ

(44)

الأمَّهاتُ بِبابِلٍ يَخْشيْنَ مِن غضَبِ الإلهِ

على الذَراري

فَلَسوفَ يَفتكُ بالعبيدِ إذا رآهُمْ يَصعدونَ

إلى الدَراري

إلّاهُ ما مِن سَيّدٍ أبَداً

ولكنْ

أتُراهُ حَقّاً مثْلما قد صَوّرُوهْ؟

أم حاجِباهُ وكاهِناهُ ومَن يُخطِّطُ في الظلامِ

ومَنْ تَكَرَّشَ بالأضاحي والنُذورْ؟

(45)

هلْ شابَ بُرْجُكَ يامُهَنْدِسُ

أهلُ بابِلَ، بعضهُمْ قالَ:

الحجارةُ مِن أعالي البرجِ قدْ سقَطتْ

على أحَدِ البيوتْ

والمُغرضونَ يُروِّجونَ بِأنَّ بُرْجَ العَنْكَبوتْ ....

(46)

في البرج سَلّةُ موبِقاتٍ كانَ

قد زعَمَ المُؤرِّخُ أنها ألْفٌ و سَلّهْ

زعَمَ المُؤرِّخُ ثُم لَم يَملأْ لَنا

مِنهنَّ حتّى سَلَّتَيْنِ فما أَضَلّهْ

يا بُرْجُ إنَّ المُنصفينَ أقَلُّ قِلَّهْ

(47)

البرْجُ غادَرَ بُرْجَهُ جسَداً بِبابِلْ

جَسَداً تُقُوِّضُهُ المَعاولْ

ألْفاً مِن الأعوامِ ، كانْ

يأوي إليهِ: إلى رُفاتِهْ

شُعراءُ ما بَعْدَ الخرابِ المُنْتَمونَ إلى بُناتِهْ

(48)

في بابِ (لا تَحْزنْ) مِن اللوحِ الكتابْ

.............

وهناكَ عُشٌّ في أعالي البُرْجِ

أو بيتٌ لِمالِكْ

أيّامَها ما كانَ يُنْعَتُ بالحزينْ

نَعْتُ الحزينِ أتاهُ مِن بعْدِ الخرابْ

(49)

البرجُ يَغتابُ القصيدةَ:

ما القصيدةُ؟

ليس أكثَرَ مِن كلامٍ، مِن جُمَلْ

أنّى تُقارَنُ بي أنا!

وأنا أنا

حتّى حُطامي عندما أنهارُ يَبدو كالجَبلْ؟

(50)

في الحُجْرةِ الخَمْسينَ

إزميلٌ مِن الألْماسِ

سارِقُهُ بهِ طَعَنَ الذي لَولاهُ ماكانتْ

لِثيرانِ القصيدةِ أجنِحهْ

الحجرةُ الخَمْسونَ مقبرةٌ

وقرْميدو يقولُ: أنا الذي أغْلَقتُها:

فيها لآمالي الطعينةِ أضرِحَهْ

(51)

في بابِ لاهوتا مِن اللوح الكتابِ:

البرجُ قنطرةٌ على بحْرِ المَجازْ

البرجُ شهْقةُ تُرْكُوازْ

البرْجُ فازْ

بِشاهِدَهْ

مِن دونِ قبْرْ

(52)

في باب لاهُوتا كذلك: إنّ لاهُوتا الصغيرةَ وحْدَها

صعَدتْ تُطَيِّرُ طائرَ التنّينِ (مِن ورَقٍ مُقَوّى)

حينَ باغَتَها العُقابْ

يا بِنْتَ والدِها المُهندسِ باختفائكِ

حَلَّ بالبُرْجِ الخرابْ

(53)

كانتْ صنوبرةً قد اتَّشَحتْ بِشالٍ مِن وجومْ

إذ أنَّ لِبْلاباً تَطّفَّلَ ، راحَ أسودَ يَعتليها

البعضُ قالَ: هيَ الأفاعي السودُ

قرْميدو أفاقَ على

فحيحِ صُعودِها قَدَّ الصنوبرةِ الطويلِ إلى الغيومْ

(54)

في حُجْرةِ البلّورِ أعلى البُرجِ

تلكَ بِخلْوةِ الرُؤيا تُنادمُهُ الحُدوسُ

سهْرانَ يَخشى أنْ يَنامَ

إذا غفى سِنَةً تُقَطِّعهُ الفؤوسُ

(55)

لِلْإفْعُوانِ حُجَيْرةٌ صغْرى: قَفَصْ

.............

عيْناهُ ياقوتِيّتانِ، لِسانُهُ المَشْطورُ سَيْفْ

لا تَقتلوا ذا الأفعُوانَ فَإنَّهُ في البُرْجِ ضَيْفْ

وَهْو الذي لَدَغَ الذي اغتالَ المُهَنْدِسَ

...............

هكذا في بابِلٍ بَعْدَ الخرابِ

البَعضُ يَبْتَدِعُ القصَصْ

(56)

مِن بعْدِ آلافِ السِنين

قوافِلُ الدنيا على طُرِقِ الحريرِ تَراهُ يَطفو

مِن بعيدٍ في سُراها ثُمَّ يَغْطسْ

...............

لا بُرجَ

ذي شَهَقاتُهُ مِن بَعْدِهِ يَلْمَعنَ لَيْلاً

كالجواري السابِحاتِ هناكَ كُنَّسْ

(57)

البرجُ مِن بَعْدِ الخرابْ

أَثَرٌ كما الختْم اسطواني

طبْعٌ عراقيُّ المَعاني

في الشِعْر في شَجَنِ الأغاني

في النَوْحِ مُرّاً

في معاتَبَةِ الزمانِ

(58)

مَرثيّةٌ في بابِ قرْميدو

مِن اللوحِ الكتابْ:

..............

لكَأنَّ بابِلَ آهِ مِن بَعْدِ المُهَنْدسِ

أرضُ بُورْ

حتّى لو ارتفَعَتْ جنائِنُ أو قصورْ

حتّى لو امتَدَّتْ على نهْر الفراتِ بِها الجسورْ

(59)

الفيلُ والنَحّاتُ ماتا

وهُو مُنْتَصِبٌ على الرَفِّ الزُجاجي:

برْجُ عاجِ

(60)

أولادُ قرْميدو المُعَلّمِ

بَعْدَهُ كَمُهَندسينْ

فَرّوا إلى الهندِ التي فَرحَتْ بِهِمْ

فَرَحَ الكفيفةِ بالعيونْ

أولادُ قرميدو المُعَلّمِ

ها هُمو يَتَناسلونْ

(61)

في الليلةِ البَغْضاءِ

في الثُلُثِ الأخيرِ

تَناهَبَ المُتَلَثِّمونَ البُرجَ

فاحتَمَلوا الكنوزَ لِيَختفوا

قَبْلَ انجِلاءِ المَذبَحةْ

حتى لَقد خَلَعوا عن الثِيرانِ

كُلَّ الأجنِحةْ

(62)

في البرجِ

في أحشائِهِ قرْميدةٌ ذَهَبِيَّةٌ

جاءَ الحفيدُ

مِن بَعْدِ قرْنٍ أو يَزيدُ على الخرابِ

فَحازَها

كُلُّ الذينَ تَمَلَّكوها بَعْدَ ذلكَ يَزعمونَ بأنَّهُمْ

أحفادُ قرْميدو وقرْميدو وليْسَ سِواهُ جَدُّهُمُ الوحيدُ

(63)

في بابِ جَلْميدو بنِ قرميدو مِن اللوحِ الكتابِ:

هُوَ الذي قد هَرْمَنَ الأهرامَ

في شَتّى بِقاعِ الأرضِ إذْ قدَّ الحَجَرْ

ولِأنَّ جلْميدو تَدارَكَ سَهْوَ والِدهِ

فَقَدْ بَقيَتْ بَدائِعُهُ وقَد صَرَفَ النَظَرْ

عن بابِلِ الأولى وعن برجٍ يُقالُ ... ولا أثَرْ

(64)

مَن قالَ أنَّ هناكَ بُرْجاً ؟

لا دليلَ سوى القصيدةِ والمَكيدةِ:

في القصيدةِ لا يَزالُ

وفي المَكيدةِ لا تَزالُ الشاهدةْ

***

جمال مصطفى

في نصوص اليوم