تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

نصوص أدبية

عزيز الحافظ: خلجات الأقدار.. خلجان باسقة

هكذاعندما يزور القدر مكانا، يزرع الفرقة والغربة حتى في ضفاف العيون. كنا هنا سوية.. تفرح المآقي.. ويبزع ربيع الجفون جذلا.. برؤية بعضنا البعض.. اليوم.. لما أمر بديارنا.. أقلّب تائهة البصر.. اتأمل مليا.. تلك صواعق القدر.. تدمّر هندسية.. تركيبتي.. تدميرا فيزياويا.. غاب تناسقه.. رأيت قوافل أهلي تهاجر، من جفون العيون.. الدامعة آصلا.. واحدا تلو الآخر بدون ترنيمة وداع.. وموسيقى فراق ترسمها الآحزان في مشاهد.. بدون أنامل عازف الناي القاتم النغمات الثكلى.. هنا.. لا شفاه تنفخ الناي ولا انامل تنظم سير فتحات مركبات القافلة. رأيت سامي ملحودا في صندوق.. سيارتنا! قتيلا برصاصات14 لن انساها ونسوا إستيفاء أجور رصاصة الرحمة.. قطفوا.. زهرة شبابه.. وأنطفأ.. ذاك البريق وقطعّوا شجيرات.. بستان وروده بمقصات غدر.. لا انسى ذائقية مرارته وعلقميته.. وصار دفين مقبرة الغرباء ،

ثم غابت ورود.. بهجة العمر.. نبتة لم تبلغ السنتين.. في أقصر رحلة لفضاء التمنّي.. ذات الجبين اللجيني.. وجهها بسمة.. وعيونها ضحكة صاخبة.. تخرق جدار الصمت اللحظي.. غابت لتبقى كل خلايا النبض.. تتذكر تراجيدية هروب قافيتهاالمدماة.. من معلّقات الشعر..

ثم غاب الحي.. علي.. عن النواظر.. علي الذي رافقني بشرايين الدم.. يحمله الاذينين..

وعندما يكلاّ.. يحمله البطينين.. ويغلف شاهقه..

وغابت امي.. التي أخذت كل صخب رنين الفرح معها.. ودفنا السرور والبهجة معها في تراب لحدها..

وغابت بتراجيديا دموع.. أعمت عيون الحزن نفسه.. أختي تاركة حسرة في قلوبنا.. مذاقها العلقمي.. قاس جدا..

ثم غاب الذي كانت.. حتى دموعه مسّرة..

كان وجهه قلب! ولقياه نبض فؤادعاشق عطوف.. ومحاجر نبل ساطع.. تحسّ بها كل خلايا تعاستي.. ووجهه البشوش وقلبه الذي كان متشظيا.. بحب كل الذين يعرفهم.. لا ميناء يسع سفن مودته.. لم أر قلبا.. يحب الجميع مغروز فيه ذاك سنام العطف والحنان.. العشوق للخير.. يحزن في كل ناصية..

ويكتحل بفراق من يحب.. بدمعة في المآقي.. ترقص لها حتى الانغام الثكلى.. لن انساها.. فقد أصبحت هذه الدمعة، ترافق نهر وجناتي بلا ضفاف.. لاموسيقى تصاحب هذه الاحزان.. لا عزف كمان كاظم الحزائنية.. ولاناي شجي.. لاصمت قاس.. يحفر بحفارة هيدروليكية.. في صدري.. اهكذا أستحالت تلك الاشواق.. انصالا.. يرميها القدر نحوي كل لحظة.. واحدا تلو الآخر.. جذلا.. منتشيا.. يرتدي لامة الانتصار!

واليوم يغادر.. أحمد.. البقعة الشاهقة من تشظي القلب.. غريبا.. لغربة.. لن تعود.. بقميص يوسف تلقيه على عيون يعقوب.. مسيرها قافلة فراق.. احمد ذاك الذي تحبه كل الناس.. وتنتشي كل مسامات الكون.. برؤيته.. وتودّ لقائه، كل القلوب.. وتتذكر مواقفه الشاهقه.. كل ذاكرة في العقول.. اهكذا رنين الوداع يلتهم صبري واحدا تلو الآخر! وتقرّع الإجراس بطنين مزعج.. وطول موجي خاص الترددات. أهكذا اصبح عزيز هدف لسهم وقوس الحزن والفراق والغربة والبعاد؟ ليصبح هو جرس النواقيس.. تؤلمه الارتطامات.. ويقتله رنين حزن النغمات.. تهزمه الدمعة.. تهزّه الصدمة تلو الصدمة؟

لقد فقدت بعض القدرة، على كتابة توصيف غزو الجيوش التي ترتدي لامة الحرب عليّ.. ولكني لم أفقد.. إستشعار نيران تلتهب في كل جوانحي تشبّ بلا توقيت.. بلظى ولهيب.. وتحرقني بلالقاء ولاإنتظار.. هل كتبت علي الأقدار.. ان اركب سفينة الحزن السرمدي؟ وان يكون مائها.. فراق الاحبة.. وشراعها.. قبطانه القدر.. ولا ضفاف ولا رصيف للتلويح بنغمات الوداع! يعزف لي القدر، ترانيم أطنان الفراق.. فلا انا غارق في شوق دموعي.. ولا في دموع شوقي.. ولا ناجٍ.. من صدمات صعق غيابهم.. واحدا تلو الآخر! لم يترك لي القدر فرصة للتنفس.. والتآوه.والتحسّر.. وملاقاة ندى الصبر.. تسمرّت مسامات الخلايا.. في باحةإستراحة المقاتل!انا في قرصنة دائمة.. يرتدون كل الآزياءالهوليوودية.. قراصنة الوداع.. يعزفون.. أنشودة تعذيبي.. كل لحظة.. وانا هودج فارغ.. في قافلة بدون حاديها.. أين ذهبت ضحكتي؟ وثغري البسّوم.. أين توارت قشفاتي؟ ومعزوفات.. بهجة حواري مع الغرباء؟ كيف أستحال الوجه البشري.. إلى لوحة موناليزا.. حزينة.. بقي دافنشي سنوات فقط يرسم يبوس شفاهها! لست الذي القهر والآه.. منذ الصغر جعله.. سجينا.. لكن نعم دهري.. سكب.. كأس الهناء.. بعيدا عني.. وأذاقني مرارات ومرارات.. وتآوهات.. هل كتبت علي الاقدار.. اكون بقافلة.. رحلة الآلآم؟ لكي أصبح قريبا.. ضجيع تراب الذين فارقتهم..

نعم ياعلي.. نعم يأ احمد يبقى.. هذا آنيني عليكم.. حتى تعودوا لي.. لذكرياتي.. لشغاف قلبي.. لطفولتكم.. لسروركم.. لبهجتكم.. وانتم.. نوارسا في خليج فرحة عيوني.. وتتبسم لكم من جديد.. شوارع مدينتكم.. وشواعر شرايين قلبي معها.. وانا اعرف.. ان الخرائط ضيعت المسار.. والبوصلة مكسورة.. أقلّب الليل.. أريد العين تغمّض.. لا تغمضّ العين.. تريد الذين فارقتهم.. تضحك علي الإقدار.. هل رأيتم.. سمكا ينام الليل!! صحيح عندما يزورك الزمن.. يسرق منك كل فرحة وكل راحة.. وكل آمان.. كانوا كلهم حولي العين تحتار أين تنظر.. لإي وجه بسوم وعيون تقفز جذلا.. وإذا يمليء التصّحر، محاجري.. يغيبون واحدا تلو الاخر.. قسم بالموت الأبدي.. وقسم بالرحيل السرمدي.. كتبت علي الاقدار.. أن تذبح تلك الأبدية، بنصلها.. البارودي.. كل أوداجي.. واحدا تلو الآخر.. أين مسارك ياقطار النسيان؟ أطلق لصفّارتك العنان.. نغمتها.. أرهبت تلويحات الوداع!

***

عزيز الحافظ

في نصوص اليوم