آراء

ما المهم الذي لا نعرفه عن نظام الدولة العراقية عند قيامها في العشرينيات من القرن الماضي؟

ayad aljasaniنشر الكاتب الاستاذ حامد الحمداني بحثا عن تاريخ العراق في العشرينيات من القرن الماضي بعنوان "من ذاكرة التاريخ" في صحيفة الاخبار هذا اليوم واجد من الضروري توجيه الشكر له على ما ذكرنا به من سجل تاريخي مشرف لنظام الحكم ولرجال السياسة في العراق وشعبه الثائر الذي كان يعاني القهر ومرارة الاستعمار البريطاني البغيض عند احتلال العراق خلال الحرب العالمية الاولى. لقد اشار كاتب البحث الى ما كان العراق يتميز به من قدرات كبيرة ومؤسسات ديموقراطية حقيقية وتكتلات شعبية ووسائل اعلام واحزاب قوية بقيادة شخصيات نادرة في تاريخية المعاصر رغم استجابة العرش وبعض السياسيين لاوامر المستعمر البريطاني عند خضوع العراق تحت الانتداب البريطاني. ورغم قهر بريطانيا كانت للشعب العراقي مواقف مميزة يندر حصولها اليوم فالمظاهرات الشعبية التي ذكرها الاستاذ الحمداني واصرار النواب الوطنيون في البرلمان العراقي على رفض ما كانت تريد ان تفرضه الهيمنة البريطانية بالقوة دليل على قوة المؤسسات الوطنية التي كانت كلها تقف حجر عثرة في وجه اطماع المستعمر البريطاني . اما عن فاجعة انتحار الشخصية الوطنية الكبيرة رئيس الوزراء عبد المحسن السعدون رحمه الله فهي تبقى تذكرنا و تذكر السياسيين العراقيين اليوم بمعنى الولاء والاخلاص للعراق احتجاجا على ممارسة بريطانيا لسياستها التعسفية التي كانت تريد ربط العراق بمعاهدات تفرض فيها شروطها في سيطرة البريطانيين على المناصب الادارية العليا في البلاد وتسخير الهنود وحفنة من الموالين لخدمتهم من اجل الاستمرار في نهب ثروة الشعب العراقي وضمان بقاء عرش العراق الذي فرضته بريطانيا ودعم الحكومة لعمليات استغلال النفط لقاء عائدات هزيلة حددت باربعة شلنات عن كل طن من النفط المستخرج آنذاك . ويا للحسرة كيف بنا والكثير من السياسيين العراقيين يتآمرون وينهبون ويقفون اليوم علنا مع اعداء العراق . لقد ذكرني كل ذلك الى ما اشرت اليه في كتابي المنشور في الكويت عام 1980 بعنوان " النفط والتطور الاقتصادي والسياسي في الخليج العربي في الفصل الخاص عن " قوى التحرر الوطني وسيطرة الشركات الاجنبية " والى ما كتبه احد المؤرخين الفرنسيين وهو بيير روسي في كتابه " عراق الثوار " الصادر عام 1962 بباريس عندما اشار في صفحته 90 الى الدليل الذي يؤيد لما اشار اليه الاستاذ الحمداني عن عظمة الدولة والنظام السياسي والاجتماعي في العراق بعد الحرب العالمية الاولى من القرن الماضي عندما كتب : " لن اتردد في القول بانه في الوقت الذي دخل فيه البريطانيون العراق ، كان في البلد نظام سياسي ذو جذور عميقة ونظرية صحيحة في مفهوم الدولة قد ترقى الى مفعوم الدولة في بريطانيا العظمى نفسها ، واكثر من ذلك وبشكل قاطع ، كان فيه من الطموحات الاشتراكية ما تصل الى نفس الصيغ المتقدمة في الاشتراكية لدى بعض الدول الاوروبية".

ولكن كيف لنا ان نفسر وضع العراق الراهن المتدهور باستمرار الذي وصل اليه خلال العقود الماضية من القرن الماضي حتى اليوم بعد ان دمر اثناء الحكم البعثي الطويل وافرغ من مقوماته وطموحاته الحقيقية في ظل حكم دكتاتوري متسلط قاده الى غزو العراق من قبل امريكا عام 2003 بحجة تقديم المشروع الديموقراطي واصلاح برنامج الحكم فيه؟ اين العراق من كل ما يجري اليوم بعد اكثر من عقد من الزمن من سقوط نظام البعث؟ هل حققت القوى السياسية اليوم في العراق مقارنة بما كانت تريد ان تحققه القوى السياسة آنذاك زمن عهد السعدون؟ وهل هناك اليوم من برلمان و احزاب مثلما كانت عليه تلك الفترة من الزمن؟ كان الشعب يتحدى ويثور ويتظاهر ضد تعديل فقرات من معاهدة ارادت بريطانيا ان تفرضها على حكومة العراق واليوم يتظاهر بخجل في ساحة التحرير مطالبا بتحسين وضع الكهرباء. اليس في ذلك ما يثير السخرية؟ كان العراق موحدا عزيزا بينما اليوم عراق الحروب يسير نحو التقسيم تحتل مدنه الكبرى ويشرد اهلها من قبل عصابات مجرمة منذ اكثر من عام من الزمن ولا ادرى كم من اوجه المقارنة المحزنة هناك بين الماضي المشرف الذي سجله لنا الاستاذ الحمداني واكد عليه المؤرخ الفرنسي روسي وبين مسيرة الحكم في الحاضر المخجل التي تدفع الانسان العراقي ان يبكي بحسرة على الانحطاط الذي وصل اليه عراقنا الحبيب هذا اليوم . فهل عرف حكام بغداد ونواب برلمانه اليوم الشئ المهم عن نظام الحكم قي الدولة العراقية خلال العشرينيات من القرن الماضي؟ .

 

بقلم: د. اياد الجصاني

 

في المثقف اليوم