آراء

كرة الثلج

tarik alrobaieالسمة المميزة للأحزاب السياسية العراقية هي إنها وبالرغم من كل الأخطار التي تعصف بالعراق كانت ولا تزال تعيش في حالة اشتباك وصراع دائم فيما بينها، ولم تقف لتواجه التحديات وترتقي بمستوى عيش الإنسان العراقي، وتجعل من أمنه وخدمتـه غاية لها، وإنما انهمكت في نهش ثروات العراق وتتبع عثرات بعضها البعض وإقامة الحواجز النفسية والمادية بينها وبين الشعب . لقد أعتاد المواطن العراقي على رؤية الحكومة والبرلمان وهم في  حالة تنافر وتأزم، يدخلون في أزمة ثم تبدأ محاولاتهم للخروج منها، وبين البداية والنهاية تُستنزف الطاقات، وتُهدر الجهود، ولا تكون الخسارة إلا من نصيب المواطن المغلوب على أمره الذي يبقى وحده من يدفع الثمن . والنتيجة هي مزيد من الإحباط وخيبة الأمل والشعور بالغضب لدى الناس . وبينما أصوات المخلصين تعلو منبهة إلى الخطر الجسيم الذي يهدد كيان الدولة العراقية الهش من جراء عدم التوافق والتمسك بالمصالح الفئوية للأحزاب، إلا إن آذان المسؤولين تأبى أن تنصت لتلك الأصوات، مُعتقدة بان الأمور ستسير وفق ما تريد، دون أن يحدث ماهو أكثر من التراشق الإعلامي، وإن الاستقرار السياسي والاجتماعي سيأتي منحة من السماء ! .

منذ 13 سنة والأحزاب السياسية تدخل في أزمات خانقة وتخرج منها، ومن المفترض في هذه الحالة أن تكون تلك الأزمات بمثابة تأريخ تُكتسب منه التجارب والخبرات لكي يتم الاستفادة منها، فإذا كانت نتائجها إيجابية تعتبر نبراس لطريق النجاح والاستقرار في الحاضر، أما إذا كانت سلبية فيتم تجنبها وعدم الوقوع في مأزقها مرة أخرى . وهذه قاعدة عامة يعرفها الجميع، وقد ورد في الحديث (لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين) لكن أحزابنا الموبوءة بالفساد لم تتعض من تلك اللدغات، ولم تعرها اهتماما والسبب في ذلك إنها لا تؤلمها بقدر ما تؤلم الإنسان العراقي المسكين، ولم يكن لها تأثير على قيادات تلك الأحزاب الذين أقاموا جدران عازلة بينهم وبين الناس فلم يشعروا بما يكابدونه من مشاق على الصعيد الأمني والاقتصادي ومستوى الخدمات المتردي والفساد الذي يدمر منظومتهم القيمية الأخلاقية ويسرق حقوقهم وينتهك كرامتهم .

إن الأختلاف في وجهات النظر أمر جيد ومشروع يحدث في كل البلدان ذات النهج الديمقراطي السليم التي تتعامل وفق الأطر الدستورية في إيجاد صيغ يتفق عليها الجميع، من شأنها أن تجعل الاختلاف عامل قوة ونشاط في مسيرة الدول، لكنهم لن يتوصلوا إلى الاتفاق المنشود إلا بالتنازل وعدم التشبث بالمصالح الفئوية والحزبية كما هو حاصل عندنا في العراق . حيث أصبحت الخلافات السياسية عامل ضعف وانتكاس وفوضى لا تقتصر على السياسيين بل تلقي بضلالها القاتمة على الحياة العامة للمواطنين وتجعلهم يعيشون حالة من القلق وفقدان الثقة بكل مؤسسات الدولة المتهرئة أصلا .

 إن الأزمة السياسية الحالية ليست وليدة اليوم بل هي نتيجة سياسات  خبيثة وغبية تراكمت منذ ما يقرب من 13 سنة، أخطاء تتناسل عن أخطاء، إنها تشبه كرة الثلج بدأت صغيرة متدحرجة من قمة جبل، دون أن يحاول احد إيقافها حتى وصلت إلى ما هي عليه اليوم من حجم كبير، وما زالت مستمرة في التدحرج لتصل إلى القاع ثم تنفجر وتدمر كل شيء . إن العوامل التي تجمع سياسيو الصدفة في العراق هي أكثر من العوامل التي تفرقهم وتشتت كيانهم لو أنهم أمعنوا النظر جيدا، وتخلوا عن أنانيتهم وحرصهم المقيت على التمسك بمبدأ المحاصصة الملعون، واستشعروا معاناة العراقيين وآلامهم وتضحياتهم الجسيمة على مدى السنوات الماضية، واتخذوا من داعش والزمر الإرهابية المتربصة بالعراق أكبر حافز للتوحد  والتضحية في سبيل الخلاص .

 

طارق الربيعي

 

في المثقف اليوم