قضايا وآراء

الموهبة المضيعة.. سامي العامري إنموذجا

ليموتوا  غدا..

الا انا..

اموت يوميا لأعيش غدا...

سامي

 

ياثلاثين ربيعا

من قواف ومناف ومشاف وإباء

انا لم اكتبك كي اصبح عضوا في اتحاد الادباء!!

سامي (استميحك وردا..)

 

ليست نزوة عابرة مني كي أدخل هذا المدخل الصارخ لأعرف بمجموعة شعرية لشاعر عراقي كبير مهمش.. بل هي محاولة لتسليط الضوء على حالة غريبة مزرية تعيشها الثقافة العراقية في اجواء من الحرية والانفتاح كان يمكن لها ان تؤسس مناخا صحيا معافى لأستنشاق الإبداع العراقي بعيدا عن دخان المناصب والتزاحم على جاه مزيف أو حقيقي.. وبعيدا عن المجاملات الفارغة من موهبة أو مضمون.. ذلك لأنني كمتابع المس تهميشا بل إنكارا لمبدعين كبار في داخل المؤسسات الثقافية والأدبية الرسمية والمجتمعية العراقية في حين ان المنطق السليم يفرض جبروته بحقيقة مسلم بها مسبقا وهي ان على المؤسسة البحث عن المواهب الحقيقة والتوسل بالف سبيل وسبيل للوصول اليها وأحتضانها ماديا ومعنويا والتباهي بها.. ( اليس كذلك؟؟!)..

تذكرت سامي العامري وأنا اراقب شجارا حامي الوطيس على منصة    أجتماع أدبي ثقافي يفترض  أن يمثل اهم ممثلي الثقافة والادب في البلد.كان أحدهم لسانه يطاول ويصول ويسأل ويشكك ويتهم.. وحين سألت عنه قالوا هذا فلان مدير المؤسسة الثقافية الفلانية ...قلت ولكنه لم يكتب شيئا..او ربما لديه بضع محاولات لكن لسانه أطول من منجزه!..

اما لماذا تذكرت سامي..و لماذا تذكرت الشاعر الكبير السماوي يحيى الذي فاجأني حضوره وهو يقف في الطابور لكي يدلي بصوته.. هل يعقل هذا؟؟ يأتي السماوي من استراليا لكي يدلي بصوته في بغداد. لانتخاب هيئة تنفيذية جديدة لأتحاد الادباء والكتاب ولا تجد  مسؤولا رسميا في استقباله او احتضانه.. تذكرت  العامري وهو يحتضن المنفى ويصر عليه..!

تذكرت سامي لأن منجزه اكبر من الف قامة تدعي وصلا بالثقافة وتتزاحم على المناصب وتصول وتجول في المهرجانات وكواليسها..

أستميحك عذرا سامي فأزهار مجموعتك (أستميحك وردا)

2214-samyتستحق تقديما اكثر رقة  ودراسة أكاديمية رصينة . بل اكثر من دراسة.. ولكنني وجدتها فرصة للخروج عن المألوف الممل والحديث عن واقع متقيح .. يقابله ابداع حقيقي منزو هنالك في المنافي .. لايسأل احد عليه ممن يدعون انهم مسؤولون..

ضمت المجموعة سبعا وخمسين قصيدة..تنقلت بين مناخات شعرية عروضية تارة.. ونثرية مركزة تارة اخرى..وتميزت بموسيقى شعرية داخلية تنهل من موسيقى العروض تارة  وموسيقى المفردة  والجملة الشعرية.. وموسيقى الصورة والمفارقة تارة اخرى.. وتوزعت على مساحة زمنية ممتدة بين عامي 1988 و2009  .. الناشر مؤسسة سندباد..للنشر والإعلام في القاهرة..وهي مؤسسة ثقافية تعنى بالادب والثقافة باعتبارها رسالة.. من خلال تبني الإبداعات التجريبية الطموحة..وتقديم المواهب المتميزة..

تجربة سامي العامري لها خصوصيتها في التجديد وفي الحداثة..فهي لاتستمريء الغموض والافتعال والتغريب ولا تلعب على الموضات المنتفخة كبالونات السيرك  والتي سرعان ما تنفجر  وتتلاشى .. بل تنهل من الوضوح دون ان تقع في أفخاخ التبسيط والتكرار والدوران حول مواضيع شائعة مستهلكة..

سامي رغم كل الصور الحداثوية التي تضمنتها قصائد المجموعة استميحك وردا منشد للجذور .. مخلص للغة..ومضامين اشعاره تتمثل بصيغ شعرية أخاذة مبتكرة .. جديدة.. تنهل من العروض دون ان تظل اسيرة له..وتحفل بالانتقالات المبررة بين الاوزان شكلا..وتحفل بالحكمة والعمق مضمونا وتنطلق نحو رحاب انسانية متفائلة رغم كل الاسى الشفيف المعبر عن راهن الشاعر وحياته الخاصة المعبأة بعذابات الغربة وكما عبر عنها بانه يموت يوميا...ولغته سلسة طيعة لاترهق المتلقي بوعورتها ولا تستهين به فتتبسط.. بل هي لغة شعرية تحمل سهولة ممتنعة الا على الشعراء الحقيقين..ورغم كل حداثته وتقدميته شكلا ومضمونا فهو منشد للجذور والتراث واصوله الفكرية توغل بعيدا في الفكر العربي فلا تجده غريبا متغربا عن الشعر العباسي بل تجد انفاس عباس بن الاحنف وتبتله.. وصوفية عمر بن الفارض وايمانه.. ورغم كل مايبدو على سامي من ضجر بالقديم فهو شاعر اصيل جذوره عميقة بالتراث العربي والانساني.. وهو منشد ايضا الى طفولته في بغداد.. الى مرابع صباه الى محطة الاذاعة .. الى ابي غريب. ساحة الطيران..الى الازقة التي استوعبت براءة الطفولة وانطلاقتها وجذلها وغفلتها المرغوبة عن الغد وما يخبئه الغد..وتتطامن كل تلك الصور برؤى فلسفية وحكمة ثرة..وذاكرته تمتلك ينابيع دافقة من الحنو الانساني..فهو يمتلك ذاكرة شعرية تتزاحم وتركض خببا صوب موانيء بعيدة نحو ماض شفيف ولكنه مضيع مضاع..ويستقر في غربة يحار المتلقي هل هي التي توجته شاعرا كبيرا ام هي التي اخذت من جرف هناءته قبل ان تاخذ من جرف موهبته؟؟!.

(لو سرت في (الصالحية)هذا المساء

إذا لأ طل الحصيري

ولم أر الا ه كاسا وأنسا.

ولم ير غيري.. ( سامي.. الصالحية..)

وأظنه يتحدث عن الشاعر العراقي الراحل عبد الأمير الحصيري وما بينهما شبه  كبير وهما يلتقيان في الابداع وفي التضييع..

لكي لا انسى لابد ان اشير الى لوحة الغلاف المعبرة والتي حفلت بجمال باذخ يليق بقصائد العامري الاخاذة ولوحة الغلاف للفنان العراقي الرائع داني منصور..

 

إني ولأجلك اوقدت..

قناديل الماضي المنسية

اني استرجع ضحكات هربت من معقل شفتيَ

لتري جهرا.

من منا يصدر احكاما حين يسود..

 

مجموعة العامري استميحك وردا تستحق اكثر من دراسة اكاديمية رصينة.. وما محاولتي هذه الا قراءة انطباعية سريعة لبعض قصائد المجموعة.. وصرخة لإنصاف شعراء العراق المنسيين..

عذرا سامي ربما أنا أيضا لم انصفك..بهذه القراءة المتعجلة السريعة!!

 

أنا يازيد ويا عمرو

ابتكرتني الخمر ُ

لكن لو يجدي أمرُ

فيعزيني ويلهمني

ان لا احد بتاتا يشبهني

لا احد ولا شيء

وذاك رهاني مع الزمن..

سامي العامري ـ قصيدة جدوى..

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1378 الاحد 18/04/2010)

 

 

في المثقف اليوم