قضايا وآراء
عن أزمة تهويد المهاجرين في إسرائيل وتداعياتها
والدولة على حد سواء مشكلة كبيرة مازالت قائمة إلى يوم الناس هذا. فهؤلاء الذين بلغ عددهم مئات الآلاف لم تعترف بهم المؤسسة الدينية يهودا إلا إذا تحولوا بواسطتها على الطريقة الأرثودكسية دون المذاهب اليهودية الأخرى.
وعملية تحولهم إلى اليهودية عن طريق هذه المؤسسة تستمر أحيانا لبضع سنوات ولذلك لم يتحول منهم إلا نسبة قليلة منذ وصولهم وهم اليوم يزداد عددهم بتقدم الزمن.
ولما كانت القضايا التي تتعلق بالأحوال الشخصية من طلاق وزواج وغيرهما بيد هذه المؤسسة فإن المشكلة تزداد تعقيدا. وقد أثار هذا غضب الدولة وانزعاجها لتباطؤ عملية التهويد على الرغم من أنها تعتبرهم مواطنين إسرائيليين، حيث منحوا الجنسية منذ وصولهم وهم يخدمون في الجيش
ويوظفون في الدولة ويدفعون الضريبة إلى غير ذلك، إلا أن ذلك غير كاف في نظرها. فهي ترى أن وجودهم على هذه الحال يؤخر من اندماجهم في المجتمع ويؤثر عليه ويضعف من ولائهم وانتمائهم لها. فهم مثلا لايتمكنون من الزواج من يهوديات إذا لم يتهودوا لأن المؤسسة الدينية لاتجري عقود الزواج لهم كما أن بقاءهم على حالهم هذا يزيد من الصراع (العلماني الديني مثلا) بين فئات المجتمع كما هو حاصل اليوم.
وقد قامت الدولة بمحاولات مع المؤسسة الدينية من أجل التسريع في تهويد هؤلاء لكنها لم تحقق نجاحا ذا شأن، فأنشأت منذ سنوات مرجعية لتهويد هؤلاء يرأسها حاخام ارثودكسي . وكان يتهود على يدها حوالي ستة آلاف شخص في السنة وكانت الأمور تسير طبقا لماخططت له الدولة أو قريبا منه،إلى أن فوجئت هي والمجتمع اليهودي ببيان من المحكمة الدينية(الأرثودكسية) العليا في إسرائيل تعلن فيه إبطال يهودية الآلاف من الذين تهودوا عن طريق هذه المرجعية التي أنشاتها الدولة ورعتها.
وقد أحدث هذا القرار صدمة كبيرة بين اليهود ليس في داخل إسرائيل بل في خارجها أيضا وكان من نتائجه أن انقسم اليهود حوله بين رافض ومؤيد. فبعض المؤسسات الدينية وافقت على قرار الإبطال مثل مؤتمر الحاخامين الأوربي وبعضها في الولايات المتحدة الأمريكية مثل مجلس الحاخامين الأمريكي رفضت القرار .ومعنى هذا أن هؤلاء المتهودين يعتبرون يهودا في الولايات المتحدة الأمريكية وغير يهود في أوربا وإذا كانوا متزوجين ولم يعترف بيهوديتهم فإن اولادهم لم يعودوا يهوداإلى غير ذلك من نتائج تؤثر عميقا في حياتهم ومستقبلهم.وأثار هذا القرار حفيظة منظمات حقوق الإنسان والمنظمات النسوية. وعندما وجه النقد لرئاسة الحاخامية- المسؤولة عن المحكمة الدينية العليا- على ما حدث نشرت وثيقة تبرر فيها أسباب إبطالها ليهودية هؤلاء. وقد جاء فيها ان لرئاسة الحاخامية الحق في أن تبطل يهودية أي شخص يتهود في إسرائيل في أي وقت وقالت إنه قد تبين لها أن أكثر من سبعة وتسعين بالمئة ممن تهود بين الاعوام 1996 وعام 2008 لم يطبقوا الشريعة اليهودية، وهذا يعني أنهم لم يكونوا مخلصين في تطبيقها طبقا للمذهب الأرثودكسي. وقد قدمت هذه الوثيقة إلى المحكمة العليا بعد أن طلبت منظمة نسائية إعادة النظر في أمر ابطال يهودية هؤلاء. وابطال يهودية المتهود ليس امرا جديدا بين اليهود فهو يحصل لأفراد بين فترة وأخرى ولكن حصوله بشكل جماعي ومفاجئ ومن سلطة دينية عليا في إسرائيل لعشرات الآلاف من الناس يجعل كل متهود تحت رحمة المؤسسة الدينية خائفا قلقا من أن هويته الدينية قد تنتزع منه أو منها في أي وقت.
ومما زاد الطين بلة هوأن رئيس مجلس اتحاد الحاخامين البريطاني (وهو أرثودكسي) نشرمقالا في صحيفة الجويش كرونكل اللندنية(5-2-2010) جاء فيه " إن عمليات التهويد التي تجرى اليوم هي أكبر سبب رئيس لإحداث الشرخ في المجتمع اليهودي. وإننا إذا استمررنا على هذا المنوال كما هو الحال الآن فإن في ذلك تدميرا لأنفسنا وإنه من الضروري أن يتوقف اليهود عن إجراء عمليات التهويد في الوقت الحاضر بالكامل إلا في حالات الضرورة القصوى".واقترح إعادة ممارسته بعد أن تكون هناك مرجعية وأسس يتفق عليها اليهود، وقال" إذا لم يتفقوا فيجب أن يتوقفوا عن إجراء عمليات التهويد كلها وإن مااذكره ليس جديدا فتهويد الأجانب لم يحصل لافي زمن داوود ولا في زمن سليمان حتى التلمود قال إن المتهودين هم مصدر أذى لليهود، وهذا الوصف ينطبق تماما على عصرنا الحالي بسبب دور السياسة ."ومازال الجدل والنقاش مستمرين بين اليهود إلى اليوم حول هذه القضية.
ولتفادي الأمر ومحاولة من الحكومة للسيطرة على هذه الفوضى أقرت إنشاء مرجعية جديدة لعمليات التهويد وللنظر في شكوى الذين ابطلت يهوديتهم. ومن أجل التسريع في عمليات التهويد هذه زادت الحكومة في عدد الحاخامين واللجان، ونسَبت رئيس الحاخامين السفارديم مشرفا عليها. ولكن هذا على مايبدو سوف لايحل مشكلة المهاجرين الروس غير المعترف بهم، وكذلك الذين ابطلت يهوديتهم في المستقبل القريب.يضاف إلى هؤلاء -الذين هم مئات الآلاف- أعداد الذين يتهودون عن طريق الفرق والمذاهب الأخرى والذين لاتعترف بهم رئاسة الحاخامية، وهم كثيرون في إسرائيل وعددهم يزداد. وهذ ه الأزمة اليوم تجعل سؤال" من هو اليهودي"- الذي لم يتفق اليهود إلى اليوم على الإجابة عليه- ينحو منحى جديدا يزيد من انقسامهم ويعمقه.
dirasaatyahudiya.com
............................
الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1420 الاثنين 07/06/2010)