قضايا وآراء
نظرة على الفضائيات (8) قناة الفيحاء.. وهدف سلخ البصرة
ووقفت إدارتها بحزم أمام التدخل العربي السافر والمنحاز لبقايا البعث، وفي أوقات حساسة بُعيد سقوط النظام أظهرت الفيحاء جرائم أركان النظام الصدامي، وارتقت برامجها درجة الكمال مع شخصيات داعبت كلماتها الوطنية وغيرتها الفياضة على الوطن والشعب والمقدسات أحاسيس المشاهد وشدته نحوها يوميا ولساعات طويلة، فما أن تلمح هاشم الديوان أو هاشم العقابي أو محمد الطائي يخيّل إليك انك ستستمع إلى قضية وطنية هامة أو حديث يشفي الغليل ويداوي الكلوم التي أحدثها غل الإرهاب والبطش البعثي بالأبرياء العزل من أبناء البلد حينما كانت الوزارات الأمنية ضعيفة ومخترقة ولا حول لها ولا قوة. كانت الفيحاء تبث من دولة الامارات وبساعات بث محدودة، وبإمكانيات برامجية متواضعة، وتعاد في فترة أخرى من نفس اليوم، ومع ذلك فأن الفيحاء كانت من القنوات المفضلة لدى النخب والعامة من المشاهدين، وبانتقال القناة الى محافظة السليمانية العراقية، وابتعاد هاشم الديوان وهاشم العقابي عنها لأسباب غامضة، طرأت على قناة الفيحاء باقة من التغيرات، أكثرها ليس في مصلحة نجاح القناة، أو ربما يكون العكس، إذ شكل التغيير انحرافا واضحا بعد كل الجهود السابقة، فالبرامج المليئة بالنخوة وذات الخلفيات الوطنية تحولت إلى برامج هابطة ومبتذلة كبرنامج " شهد وشعر " و " مقهى الفيحاء " وتم الإتيان بمقدمات برامج ومذيعات أخبار متبرجات وبزينة العرائس ولمجرد أنهن ينطقن باللهجة اللبنانية.
ويمكن تحليل السياسة الحالية للفيحاء إذا ما علمنا - أولا: أنها تلتقي في سياستها العلمانية المفرطة مع القنوات التي تدعم بشكل كبير إخراج المرأة وخصوصا البصرية من العفة والحياء والتقاليد والأعراف الاجتماعية، وثانيا: تتبنى سياسة مناهضة للتقارب مع إيران ومازالت، وثالثا: لا تفصح عن الجهة الداعمة لها رغم التكاليف المالية الباهضة التي تطلبها الانتقال من دولة الامارات إلى العراق، وتهيئة برامج جديدة لسد ساعات البث. فالفيحاء تتقرب الآن وبتملق شديد نحو سلطة مسعود بارازاني، وتوجه النقد والاتهام أحيانا لمعظم إدارات المحافظات ومسؤوليها إلا محافظات الشمال التي تراها الفيحاء بعينها العوراء عبر برنامجها " عيون كردستان " وهو ما يؤسف عليه أن تكيل الفيحاء بعد سنوات من الكفاح الإعلامي بمكيالين. وبمقابل تفريط إدارة القناة بكفاءات الديوان، والعقابي نجدها تتمسك بوجوه احترقت تلفزيونيا ومنها إنعام عبد المجيد التي أصبحت مملة ببنطالها الضيق وأفكارها المغلقة على التواصل المقيت في نقل حياة المغتربين ممن يعيشون بتفاهة خارج العراق على إعانات الدول الغربية، وطريقة تقديمها السقيمة وصوتها الذي لا يصلح إعلاميا.. ومن باب الإنصاف لا ننكر حرص القناة على تغطية بعض القضايا المصيرية كقضية التدخل العربي السلبي في شؤون العراق، وقضايا الشحّة في مياه نهري دجلة والفرات وتجاوز دول الجوار على حصص العراق المائية، وأوضاع الأسرى العراقيين في السجون السعودية، وقضايا إنسانية خاصة. واستقدام بعض الكفاءات الإعلامية مثل فلاح الفضلي وكريم بدر.
واهم ما في الأمر أن إدارة قناة الفيحاء تستثمر كل منفذ ووسيلة وجهة لنفض الغبار عن فكرة انفصال البصرة، وبما يتناغم مع سيناريو السياسة البريطانية الهادف إلى سلخ البصرة من جذور الوطن العراقي، الذي ابتدأ بمشاركة بريطانيا في قوات التحالف لإسقاط نظام صدام، واستقرار قواتها في البصرة وعدم زحفها نحو المدن المجاورة، واتسع المخطط إلى إرسال مجموعة كبيرة اختارتها القوات البريطانية من الأكاديميين والمهندسين والفنانين والمسؤولين إلى لندن وبصورة متكررة.. البعض منهم وصل إلى مناصب حساسة في السلطة وإدارة العمل الحكومي والقسم الآخر اخذ على عاتقه التثقيف لفكرة فصل البصرة عن العراق.. وهو سيناريو مشابه لاقتطاع قضاء الكويت عن لواء البصرة في أوائل ستينيات القرن الماضي، وعلى ما يبدو فأن البصرة هي حصة بريطانيا من الكعكة العراقية لمشاركتها في الحرب. وبالاستطاعة متابعة برنامج فضاء الحرية من إعداد وتقديم مدير القناة د. محمد الطائي المتفرد بإدارة الحوارات والبرامج المهمة، من دون إتاحة فرصة للغير، أصبح الآن فضاءً ذا أفق ضيق وموجه حاليا نحو سلخ البصرة من جلد العراق. وحتى أكون مصيبا في كلامي سأسرد تفاصيل حلقة يوم الأربعاء 31-3-2010 من برنامج فضاء الحرية والتي بثت الساعة التاسعة والنصف مساءً من كورنيش البصرة، وكانت بعنوان " البصرة.. ثرواتها وإمكانياتها ومستقبلها " واستضاف فيها د. محمد الطائي كلاً من:
- جبار أمين ... رئيس مجلس محافظة البصرة.
- مناضل عبد خنجر ... عضو هيئة استثمار البصرة.
- عزيز هاشم ... معاون مدير عام الموانيء العراقية.
- عامر الفائز ... عضو مجلس محافظة البصرة.
- ماجد رشك ... رئيس اتحاد صناعات البصرة.
- زينب صادق ... محامية وناشطة نسوية.
الحلقة كرست وحسب عنوانها بشكل يدعم فكرة إنشاء إقليم البصرة وقد بدا مقدم البرنامج د. محمد الطائي اكثر تحمسا من رئيس مجلس المحافظة لفكرة الانفصال، وهو ما اتفق عليه معهما رئيس اتحاد الصناعات وعضو مجلس المحافظة وعضو هيئة الاستثمار، ولم يكن ضد فكرة الانفصال سوى معاون مدير الموانيء والمحامية على الأقل حاليا، حتى أن مقدم البرنامج كان دائم المحاولة في إقناع الرافض لفكرة إنشاء الإقليم الانفصالي من ضيوفه بالعدول عن رأيه، الأمر الذي لم نلحظ منه شيئا في مناقشة المتشبثين بفكرة الانفصال، حتى انه وفي حواره مع المحامية زينب صادق تلكأ كثيرا بمجادلة المحامية أو إقناعها بالفيدرالية التي لا تؤمن بها إذ عاود طرح الفكرة باللهجة العامية متذرعا بمقولة " إن إنشاء شارع في محافظة البصرة لا يتم دون الرجوع إلى الحكومة المركزية ". ولم يقف د. محمد الطائي عند هذا الحد بل أصر على تردي وضع الموانيء العراقية في البصرة، وهو ما لم يتفق مع حديث معاون مدير الموانيء العراقية في مسعى واضح لإقصاء الرأي الآخر.. وقد غابت عن ذهن المقدم أسئلة عدة يفترض به توجيهها إلى رئيس مجلس المحافظة وفريقه الانفصالي وهي: هل تريدون تكرار تجربة إقليم انفصالي جديد على غرار إقليم مسعود العنصري؟ هل كنتم قادرين على ردع الميلشيات وعصابات تهريب النفط وسرّاق المنافذ الحدودية لو لا تدخل الحكومة المركزية؟ هل انتم بالكفاءة والخبرة والنزاهة الكافية حتى تترككم الحكومة المركزية تبرمون العقود وتعقدون الصفقات، بعد أن رأتكم تبرمون العقود مع شركات طيران أهلية غير معروفة وتديرون ظهوركم لكبريات الشركات؟؟ وهل تكفي ثروات البصرة المستخرجة والمكنونة في باطن الأرض لتعويض اسر الشهداء ومعوقي الحرب العراقية - الإيرانية ممن استماتوا دفاعا عن تراب البصرة كي لا تسقط المدينة بأيدي الجيش الإيراني الذي لن يخرج منها لو قدر له احتلالها في ذاك الوقت؟ وهل تكفي كل الثروات لسد تكاليف إقامة ملايين العائلات البصرية التي ارتحلت إلى محافظات النجف وكربلاء والحلة والديوانية ومحافظات أخرى، أبان الحرب العراقية - الإيرانية واستقرت ولم تعود، مندمجة مع أهالي تلك المدن ومقتسمة رغيف الخبز وفرص العمل وحصص الطاقة الكهربائية والوقود والبطاقة التموينية معهم؟؟
خلاصة القول التمس من د. محمد الطائي الحفاظ على ما تبقى من صورة الفيحاء الجميلة في أذهان مشاهديها، وان يعيد حساباته في : معاداة دول الجوار، لأنه لا مصلحة لنا بمعاداة الآخرين، وإعادة ترتيب شكل البرامج والوجوه التي تظهر فيها، لان المشاهد اعتاد وأحب الجدية ببرامج الفيحاء، واعتقد جازما أن برامج الترفيه والوجوه الملونة والصدور البيضاء شبه العارية واللهجة اللبنانية لم ولن تخطو بالفيحاء إلى الأمام.. وأخيرا فأن البصرة هي سلة خبز العراق جميعا بمختلف أطيافه ومكوناته وليس لأحد من فضل في هذه الثروات المستودعة بباطن أرضها، لأنها من عطايا السماء والفضل الوحيد الذي نتنافس لنيله هو كيف نستثمر هذه الثروات والإمكانيات لبناء بلدنا ورقي شعبنا ورفاهية أجياله القادمة؟..
............................ الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1431 الجمعة 18/06/2010)