قضايا وآراء
مقترح تشكيل الحكومة العراقية / - فلاح شفيع
لصلة المقال المذكور بموضوع مقالنا الحالي، ارى من المفيد ان أورد ملخص لاهم النقاط التي تضمنها المقال المذكور ليكون مقدمة اساسية لما يتناوله المقال الحالي .
اهم النقاط التي تضمنها المقال السابق هي كما يلي:
1 – المقدمة تناولت فيها توضيح اهمية وضرورة عملية التنمية للمجتمع العراقي في المرحلة الحالية .
2 – تعريف التنمية وتوضيح اهم مقوماتها .
3 – طرح سؤال حول الجهة المسؤلة عن تنفيذ عمليات التنمية في المجتمع؟
4 – الجواب: تتحدد الجهة المسؤولة بشكل مركزي ومباشر عن عمليات التنميو والاصلاح بالحكومة ممثلة برئيس واعضاء مجلس الوزراء، بالتنسيق والتعاون مع جهات اخرى كمؤسسات المجتمع المدني .
5 – دراسة سريعة تم فيها تحديد مستوى اداء الحكومات العراقية المتعاقبة في تنفيذ مهمات واهداف التنمية في المجتمع العراقي خلال العقود الاخيرة؟
6 – الجواب: مستوى منخفض من الناحية الوظيفية والكمية، لاسباب عديدة اهمها عدم قدرة القيادات السياسية (الحكومات) في تنفيذ المهمات الموكولة اليها بكفاءة ونزاهه .
7 - التحليل العلمي لاسباب تخلف الحكومات العراقية في اداء مهمات التنمية للفترة قبل التغيير وبعده، يتمثل السبب الرئيسي في عدم قدرت الحكومات على ممارسة وتطبيق الوظائف الادارية بشكل مهني ونزيه عند ممارستها لاعمالها، بسبب عدم تمتع اعضاء الحكومات المتعاقبة بالمواصفات المهنية والسلوكية الازمة، لتنفيذ مهماتها بالكفاءة والنزاهه المطلوبة، وغياب واضح لمؤسسات المجتمع المدني والاجهزة الرقابية والاعلامية لممارسة دورها الرقابي على اعمال الحكومات العراقية، كلا حسب اختصاصه.
8 - بعد عملية التغير القسري للنظام السابق، حصلت متغيرات داخلية في كيان الدولة العراقية، حصلت بموجبها القوى (السياسية والاقتصادية والاجتماعية ... الخ) على ممارسة جانب مهم من الحريات دون ان يتم ايجاد (ضوابط هيكلية ووظيفية لتنظيم اعمالها)، تم ذلك وفق منظور مفاهيم جديدة تنسب الى (نظرية الفوضى الخلاقة) التي اعتمد تطبيقها في العراق .
ونتج عنها بروز مظاهر سلبية في مختلف المجالات والانشطة، شكلت مع السلبيات المورثة من النظام السابق الى شيوع سلوكيات منحرفة في الفساد المالي والاداري، وبروز ظاهرة المحاصصة السياسية التي نتج عنها سلبيات كبيرة، منها تسليم الافراد المنتمين للمحاصصة مناصب مهمة وحساسة في الدولة وهم يفتقدون للخبرات والنزاهة المطلوبة لادارة، وجرى حماية المسئين منهم من المسائلة القانونية،
لهذه الاسباب ولاسباب اخرى، جرى تطبيق سياسات تنموية خاطئة شكلت بمجموعها تحديات حقيقية امام تحقيق تقدم حقيقي في عمليات التنمية المنشودة، وحصول مأزق خطير وعرضت بموجبه مصالح الدولة والمجتمع العراقي لمنعطفات خطيرة .
9 – شرح مختصر لمعالم نظرية الفوضى الخلاقة، تم بموجبه توضيح اهم مظاهر تطبيقاتها السيئة، في الجوانب (السياسية والاقتصادية والاجتماعية)،
واخيرا وقفنا امام سؤال مهم وحيوي لم تتم الاجابة عليه بشكل كامل وواضح، ماهي الجهة او الجهات الاخرى الخارجية منها والداخلية المسؤولة عن هذه الانحرافات؟
وماهي غايات كلا منهما في ذلك؟
هل وردت هذه الانحرافات ضمن السياق الطبيعي لعملية التغيير الجارية في المجتمع العراقي، او ان هنالك اغراض اخرى اريد تحقيقها؟
10 - طرحنا اخيرا السؤال التالي: ما هي الخطوات الضرورية لتحقيق تنمية حقيقية في البلد؟
تمت الاجابة: بان اساس المشكلة هي بسبب عدم وجود حكومة عراقية قوية تتصف بالمهنية والحزم، تستطيع التعامل مع جميع الملفات الداخلية والخارجية بكفاءة، وتملك القدرة على تنفيذ مهمات عمليات التنمية وفق المقومات التي تم تحديدها انفا .
ان اختيار رئاسة الحكومة وفق الدستور المعتمد حاليا، يتم من قبل الكتلة السياسية التي تملك الاغلبية البرلمانية، توقعنا من الناحية العملية بعدم امكانية حصول اي كتلة سياسية على الاغلبية اللازمة تمكنها من تشكيل الحكومة بمفردها، لذلك فانها سوف تلجأ الى تشكيل ائتلاف مع كتل سياسية اخرى، وضمن الظروف الحالية نرى من الصعوبة تشكيل ائتلاف سياسي متعدد الاطراف يمتلك برنامج سياسي وتنموي واضح المعالم منسجم من الناحية البينية والموضوعية، لذلك سيتم الجوء الى تشكيل ائتلاف من اطراف متعددة وفق رؤى واتجاهات مختلفة غير منسجمة وسيتم تشكيل مجلس الوزراء طبقا لمصالح تلك الاطراف المؤتلفة وستعاد مساوىء تطبيقات المحاصصة من جديد، وسيكون ائتلافا هشاْ غير فاعل لايتمكن من النهوض بمهمات التنمية وفق الاسس الموضوعية والمهنية المشار اليها سابقا، ولا يستطيع صياغة وتنفيذ الاستراتيجيات التنموية للانشطة (الاقتصادية والسياسية والاجتماعية) في البلد بفعالية، لتعدد وتنوع الاطراف المشاركة واختلاف في توجيهاتها الاستراتيجية، مما يضعف من فعالية مركز القرار .
11 - استنادا لما سبق اقترحنا ضرورة ابعاد تشكيل الحكومة عن التجاذبات السياسية، على ان يتم تشكيل الحكومة المقبلة من قبل اشخاص تتوفر فيهم المواصفات المهنية والسلوكية المطلوبة، يتحدد عمرها خلال الدورة الانتخابية المقبلة فقط، باعتبارها فترة انتقالية تستطيع الحكومة المقترحة خلالها تنفيذ مهمات التنمية والاعمار، واصلاح الاجهزة والمؤسسات الحكومية، وتعزيز مفاهيم المواطنة لدى افراد المجتمع، وفي ترسيخ وتفعيل المؤسسات الدستورية ومؤسسات المجتمع المدني المعتمدة ضمن النهج الديمقراطي .
12 – قدمنا في حينه عدة مقترحات، الغرض منها تشكيل حكومة ضمن المواصفات المقترحة، لتتمكن من ممارسة نشاطها كفريق عمل منسجم وموحد، تتجاوز بموجبه السلبيات الواردة في الفترات السابقة .
على ان يمارس البرلمان المنتخب دور الرقيب الفعال لمراقبة تنفيذ اهدافها الوارد ذكرها في البرنامج الوازري الموافق عليه من قبل البرلمان .
المقترح الحالي لتشكيل الحكومة المنتظرة
لا يختلف هذا المقترح عن ماذكرناه انفا من الناحية الموضوعية، ولكنه يتضمن وجهات نظر جديدة تعزز طرحنا السابق، مساهمة منا لخدمة وطننا العزيز .
ان اغلب ما توقعناه في المقال انف الذكر قد حصل، وكل شخص يملك المام موضوعي بالشأن العراقي سيتوصل الى نفس النتائج التي اشرنا اليه اعلاه،
هنا يعاد طرح السؤال السابق،
(ما هو الحل الامثل للخروج من هذا المأزق الدستوري لتشكيل حكومة تتمتع بالمواصفات التي اشرنا اليها انفا، تستطيع الحكومة بموجبه تنفيذ المهمات المشار اليها؟) .
قبل الاجابة على هذا السؤال ارى من المفيد ان نبين واقع المجتمع العراقي وتوضيح الظروف التي جرى اجراء عملية الانتخابات البرلمانية وفقها؟
لتتوضح لنا لاحقا كيفية الخروج من هذا المأزق؟
الانتخابات البرلمانية:
جرت الانتخابات البرلمانية في ظروف من التخندق الطائفي والعنصري، واي متتبع للوضع العراقي سيكتشف بسهولة هذه الحالة، مثلت الكتل البرلمانية الرئيسية التي خاصت الانتخابات هذه صورة بشكل او بآخر، مع انها جميعا اعدت برامج واهداف انتخابية في معظمها تمثل اهداف براقة، ولكنها لا تستطيع تنفيذها من الناحية العملية، للاسباب التي اشرنا اليها في مقالنا السابق .
سنحاول القاء الضوء على الاسباب الرئيسية لتفسير حالة الانقسام في المجتمع العراقي، وهي كما يلي:
1 – الخلفيات الموروثة من النظام السابق:
نتيجة قسوة النظام السابق الشديدة في معاملة شرائح كبيرة من مكونات المجتمع العراقي خصوصاْ (الشيعة والاكراد) على خلفيات مختلفة لا تبرر هذه القسوة المفرطة، وسلوكيات النظام العبثية في حروبه المتعددة غير مسؤولة خدمة لاهداف غير وطنية، وما نتج عنها من حصار قاسي وطويل عانى منه المجتمع العراقي اياما عصيبة، انعكس اثرها على ذهنيات المواطنيين، عملت مع عوامل اخرى ناتجة عنها، بنضوج ظروف وارضية خصبة سهلت تنفيذ ما حصل لاحقا بتطوير حالة الصراع بين مكونات الشعب العراقي لمسارات حرجة، على خلفيات واسس وافكار هجينية غريبة عن واقع المجتمع العراقي .
2 – الكتل الانتخابية:
استثمرت جميع الكتل البرلمانية الرئيسية - بشكل او بآخر - من هذا التخندق بشكل (سلبي)، بغرض تحقيق مكاسب انتخابية ذاتية، ومثل جزءْ معين من سلوكياتها وتصرفاتها ودعايتها الانتخابية ضمن هذا الاتجاه (بدراية او بجهل منها) .
وعملت من ناحية اخرى على ايجاد حلفاء لها من خارج الوطن لتعزيز نفوذها الانتخابي، فهي بذلك قد ساهمت بفتح الباب بشكل واسع للتدخلات الخارجية في الشأن العراقي .
3 – الاطراف العالمية والاقليمية:
هنالك اختلاف جدلي بين المهتمين بالشأن العراقي في كيفية تحديد العوامل المسؤولة عن حالة الصراع والتردي في الوضع العراقي بعد التغيير، منهم من يربطه بعوامل مرتبطة بالاجندات الخارجية، ومنهم من يرجح مسؤوليته بشكل كبير على سلوكيات واجندات الرموز السياسية المشاركة وغير المشاركة في العملية السياسية،
من وجهة نظر الباحث، ان العوامل والاجندات الداخلية والخارجية اشتركت بشكل معين، مع ان لدى كلا منهما منطلقات واجندات قد تختلف او تتفق مع الاخر ولكنهما عملا بصورة مشتركة على حصول حالة التردي،
(لست هنا بصدد دراسة وتحليل هذه الظاهرة وتحديد اهداف كل طرف منها، لكني اردت فقط الاشارة الى ذلك).
4 – بغرض الخروج من هذا المأزق لابد من تعزيز القضايا المشتركة لجميع مكونات الشعب العراقي، اي بتعزيز مفاهيم المواطنة وحماية مصالح الوطن وجعلها المعيار الاساسي للتعامل مع جميع الملفات ويجري الحكم بموجبها في تسير الاحداث .
لا يمكن تحقيق هذا الغرض ضمن الاجواء الحالية، وضمن تشكيلات الكتل الانتخابية البرلمانية الحالية، لكونها فقدت مصداقيتها وحياديتها لمعالجة هذه الانحرافات لاسباب سبق الاشارة اليها،
5 – الحل المقترح:
ازاء ما سبق وتعزيزا لمقترحنا السابق نرى من (الضروري ان يعهد لتنفيذ هذه المهمة الحيوية لمستقبل الدولة العراقية الى جهة محايدة تتصف بالنزاهه والكفاءة، وذلك كما يلي:
ا – يتحول النقاش والتحاور بين الكتل البرلمانية من الكتلة التي يعهد اليها تشكيل الحكومة، الى النقاش والتحاور على للاتفاق في اعداد البرنامج الاصلاحي والتنموي المشارك للمرحلة القادمة .
ب – يتم اختيار رئيس واعضاء الحكومة من خارج الكتل الانتخابية بالتتحاور فيما بينهما، والعمل سوية في اعداد الخطوات الاساسية للبرنامج الاصلاحي والتنموي، وتتعهد الحكومة المقترحة امام البرلمان على تنفيذ ما ورد في البرنامج ضمن الجداول الزمنية المحددة لها .
ج - تقوم الحكومة باعداد تفاصيل دقيقة لكيفية تنفيذ برنامجها الذي يشمل اصلاح جميع المؤسسات الحكومية وتنمية مختلف الانشطة، وليجاد حالة من الاستقرار السياسي والامني ضمن خطاب وطني شامل، تتحدد عمر الحكومة المقترحة للفترة الزمنية المحددة لهذه الدورة الانتخابية فقط،
وهي تمثل مرحلة انتقالية لتحقيق الاستقرار وتهيئة العوامل والظروف الملائمة لنجاح التجربة الديمقراطية .
وتتعهد مع البرلمان بالتعامل الموضوعي مع الملف الخارجي بما ينسجم والمتغيرات الدولية وبما يضمن المصالح الوطنية للشعب العراقي .
د - تكون الحكومة تحت اشراف الرقابة الفعالة للبرلمان، وعند اكتشاف اي انحراف او ضعف في قدرتها التخطيطية او التنفيذية يتم تحديد اسباب الانحراف ومعالجته ومحاسبة المقصر، قد يقال الوزير المسؤول او ان يتم اقالة الوزارة بالكامل حسب الحال .
بذلك نضمن وجود حكومة وبرلمان قويين وفاعلين يستطيعا انجاز اعمالهما بفعالية وكفاءة عالية .
6 – لا تمثل تلك المقترحات انتقاص او تجني لكفاءة او نزاهة الاطراف او الرموز السياسية المشاركة في العملية السياسية بشكل مطلق، بل ان الظروف والملابسات التي رافقت عملية التغيير، والتي يمكن تحديدها بما يلي:
- ظروف الاحتلال وقوة التدخلات الخارجية في الشأن العراق،
- الانقسام الحاد بين مكونات الشعب العراقي،
- شراسة القوى المعادية للتغيير وهم على خلفيات متعددة،
- التراكمات السلبية الموروثة من النظام السابق في مختلف المجالات،
- شيوع حالة الفساد الاداري والمالي نتيجة التطبيق السيء للمحاصصة ولقلة خبرة ودارية القيادات السياسية في ادارة اجهزة ادارة الدولة بكفاءة،
ساهمت هذه الاسباب الى حصول حالة عدم الثقة المتبادلة بينهما، بحيث تم تفسير تصرف اي طرف بشكل سلبي من قبل الاطراف الاخرى،
كما وساهمت تلك الاسباب الى صعوبة توصلها في اعداد مشروع عمل وطني مشترك يجمعها، يتم بموجبه اجراء الاصلاح والتنمية في المجتمع العراقي بالكفاءة والنزاهة المطلوبة .
فبسبب الظروف سابقة الذكر اصبح من العسير لاي طرف ان يقوم بالمهمة بمفرده، وعند اشتراكه مع الاطراف الاخرى تتدخل المصالح الضيقة لتفرض نفسها يحصل على اثرها تطبيق جديد للمحاصصة .
الخلاصة:
مما سبق نؤكد على الصيغة المقترحة اعلاه في تشكيل الحكومة المنتظرة لتمثل المخرج السليم والامثل للفترة الانتقالية، لتتمكن الحكومة الموعودة خلالها بأحداث نوع من الاطمئنان والاستقرار الاجتماعي بين مختلف مكونات الشعب، ولتبدء على اثرها عمليات الاصلاح والبناء التنموي المنشودة في المجتمع العراقي، ويتم خلالها تعزيز مقومات المؤسسات الدستورية ومؤسسات المجتمع المدني الظرورية ليتم الاستفادة من مزايا التطبيق الديمقراطي في البلد .
والله ولي التوفيق ....
المحاسب القانوني - فلاح شفيع –
لندن في 26 – 6 – 2010
............................
الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1439 السبت 26/06/2010)