قضايا وآراء
عن تاريخ العراق الذي يُنهب / جعفر هادي حسن
وطأة وأكثر ضررا وتأثيرا على إرث العراق وتاريخه.وقد كان من حظ هذا البلد أن ظهرت فيه حضارات متعاقبة على ارضه ولكثرة ماخلفته هذه الحضارات من آثار، ظلت الالاف من المواقع الاثرية غير مكتشفة ودون أن تجري فيها تنقيبات.وكان يفترض أن تحاط هذه المواقع بالحرص والإهتمام والحراسة من الدولة لأهمية ماتحتويه إلا أن الغالبية العظمى من هذه المواقع تفتقر إلى أبسط وسائل الحفظ من عبث العابثين وسطو المخربين. ولذلك فهي اليوم عرضة للنهب والسرقة المنظمة من قبل لصوص وعصابات متخصصة تعودت على القيام بذلك، خاصة في غياب سيطرة الدولة وضعف سلطتها بل وعدم اهتمامها كما هو حادث اليوم .
وأكثر المواقع الأثرية التي تنهب هذه الأيام تقع في الوسط والجنوب من العراق، حيث نشأت الحضارة الأولى للإنسان وحيث ازدهرت الحضارات العراقية القديمة في مدن مثل أريدو وأور وأومَا ولكش وأوروك (الوركاء) مدينة جلجامش التي يعود تاريخها إلى الألف الرابع قبل الميلاد، والتي يعتقد المؤرخون أنها كانت آنئذ من أكبر مدن العالم القديم وغيرها من المدن.
وقدازداد نشاط لصوص الأثاربشكل خاص بعد الإحتلال مباشرة ولم تهتم القوات المحتلة بما كان يحدث، بل إنها هي نفسها شاركت في هذا التدمير حيث كانت لها قواعد عسكرية، بعد ان استقر بها الأمر، في مواقع مهمة مثل بابل وأور المدينتين التاريخيتين . ومن يذهب اليوم إلى مواقع الأثار في وسط العراق وجنوبه يرى المئات من الحفر المتناثرة على مسافة واسعة ، والتي حفرها اللصوص والسراق ونهبوا مافيها. والكثير منها يدل على أنها حفرت حديثا، ويمكن أن يرى من خلال بعضها بقايا سلم يقود إلى قبر أوقبور ومعروف أن العراقيين الأوائل كانوا يدفنون كثيرا من المقتنيات المهمة مع موتاهم، وكانت القيثارة السومرية الشهيرة قد وجدت مع غيرها من حلي ومقتنيات أخرى في مقبرة أور الملكية. وطريقة الحفر في هذه المواقع واختيارها يدلان على خبرة هؤلاء اللصوص ومعرفتهم بها.
ومن المدن القديمة التي تنهب اليوم على شكل واسع "أيسن"(في محافظة القادسية) التي كانت مركزا لدولة حكمها عدد من الملوك من السنين الأخيرة من الألف الثالث قبل الميلاد لفترة مايقرب من قرنين.وكان أشهر ملوكها لبت- عشتار الذي وضع شريعة تحتوي على عشرات المواد وهي تسبق شريعة حمورابي بما يقرب من قرنين من الزمان.
ومن المدن القديمة التي امتدت لها يد اللصوص وسرق الكثير من أثارها مدينة "أومَا"( في محافظة ذي قار) وهي من المدن السومرية ذات الشأن" وقد كانت في أوج عظمتها في النصف الثاني من الألف الثالث قبل الميلاد، خاصة في عصر ملكها لوكال-زاكي-زي، الذي أصبح أيضا ملكاعلى معظم بلاد سومر وأكد.وقد عثر فيها الأثاريون في السابق على عشرات الآلاف من الألواح والرقم التي تتعلق بقضايا الإقتصاد والإدارة والقانون والأدب وقد وصل لنا منها نصوص تعتبر من أقدم نصوص بلاد الرافدين.
ومن هذه المدن التي تنهب أيضا مدينة بد-تبيرا وهي من المدن
السومرية القديمة ومن أوائل المدن التي حكمها ملوك، كما أنها اشتهرت بسورها وباكتشاف ما يسمى ب"نص الأخوة" فيها بين حاكم أوروك وحاكم لكش. ولأهمية هذه المدينة فقد ذكرها مؤرخون قدماء مثل المؤرخ والعالم الفلكي البابلي"بيروسس" وبعض المؤرخين اليونانيين .وطبقا لما ذكرت التقارير الحديثة وماتظهره صور الأقمار الإصطناعية فإن النهب المتواصل لها لم يبق على آثارها شيئا.
ويلاحظ المتجول بين هذه الحفر قطعا من ألواح أو كسرا من زجاج أو من أوانٍ فخارية مرمية على الأرض هنا وهناك تركها اللصوص لاعتقادهم بعدم أهميتها، بينما يمكن أن تكون ذات أهمية لاتقدر بثمن.
وقد ذكرت بعض التقارير أن هؤلاء اللصوص مطمئنون لما يقومون به إلى حد أنهم يستعملون الات حفر حديثة، كما أن لهم حمايتهم المسلحة الخاصة بهم . ونهب الآثار اليوم من هذا المتحف المفتوح الذي لايهتم أهله به قائم على قدم وساق، حتى ذكر بأن المواقع الأثرية في جنوب العراق كلها تحت سيطرة هؤلاء اللصوص حيث يخزنون ما يعثرون عليه في مخازن بعيدة عن عيون الناس ثم يهربونها إلى خارج العراق. والكارثة الكبرى هو أن مايسرق من هذه الآثار لايسترد ولايعود. ويحتج المسؤولون عن حماية هذه الآثار بأن مايحدث سببه عدم وجود مخصصات مالية لهذا الغرض، بل إن البعض منهم قال إنه لايتمكن من شراء وقود للسيارات كي يتمكن أن يقوم بما يجب.
ويقول رئيس المدرسة البريطانية للآثار العراقية الاستاذ روجر ماثيو "إن تاريخ البلد يختفي أمام عيوننا ونحن نتفرج عليه فقط،، وإن مواقع أثرية وبضمنها مدن كاملة تدمر بحفريات غير قانونية".
وعبر مؤرخ بريطاني عن أساه لما يحدث بالقول "إن العراق مهد الحضارة الأولى التي ظهرت على الأرض وكلنا مدينون له وللمدن القديمة فيه حيث اخترعت الكتابة ولكن هذه المدن اليوم تدمر بالحفريات غير المشروعة".
*اكاديمي عراقي
dirasaatyahudiya.com
............................ الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1478 الخميس 05/08/2010)