قضايا وآراء
أمام أنظار مجلس النواب الجدد (10) .. حول مقال "برلمانيون تحت الصفر!" / جاسم العبودي
(قبل إنتهاء الدورة البرلمانية الحالية ?التي نودعها غير آسفين ، أدرك العراقيون بشكل صريح أن وجود البرلمان من عدمه هو الحالة الوحيدة التي يمكن أن نؤشرها في الحياة السياسية الجديدة بعد 2003. فالبرلمان العراقي كان صورة سطحية لديموقراطية ما تزال في طور النشوء والنمو؛ ووجوده أقرب الى الوهم منه إلى الواقع.
ولا نعرف برلماناً في العالم المتحضر والمتخلف معاً يسعى إلى مكاسبه الشخصية ولا يختلف عليها قطعاً. لكنه يختلف على مكاسب الشعب وحقوقه الوطنية. ويناكد الحكومة بطريقة بهلوانية كانت تخرج عن سياقات الفهم السياسي الصحيح للعمل البرلماني.
الجميع متربصون بالجميع. حزب (شربت زبالة) يتربص (بحزب ستار أكاديمي) و(حزب الباشا) يتحين الفرص للإيقاع (بحزب السيد)؛ والذئاب تريد أن تنقض على النعاج. والنعاج تبعث رسائل وهمية إلى النمور وهؤلاء يقايضون خيول (الريسز) بمساحات خضر لاسطبلاتها وثمة أطراف صامتة تنتظر الإنقضاض على الطيور والنسور والدجاج في لعبة الشد والجذب. وغيرها تهدد بالذي تعرفونه وتلوّح بعصا الطاعة العمياء.
يتفقون في الليل وهم يحتسون نخب الوطن الممزق ويفترقون في الصباح مثل الكواسر. يأكلون الموز والأناناس ويشرّعون الحصرم للفقراء. ينامون في قصور المنطقة الخضراء وفقراء الوطن يفترشون أرض الصيف والشتاء. يبحثون عن إمتيازاتهم الشخصية وهذه لا يختلفون عليها. يتقاتلون مثل ديوك الحلبات الصغيرة في قاعة البرلمان على كل صغيرة وكبيرة.
لكن عندما يصل الأمر إلى إمتيازاتهم الشخصية؛ فإنهم يتصالحون ويبتسمون لبعضهم إبتسامات صفراء كالأصدقاء اللدودين. فمن الرواتب الفلكية التي تعادل ميزانية دولة صغيرة الى آخر إمتياز غريب من نوعه وهو الجوازات الدبلوماسية لهم ولعوائلهم لمدة ثماني سنوات بعد إن يغادروا المنطقة الخضراء!. إنهم لوحة كاريكاتيرية لسياسة عجيبة جعلت العراقيين ينتبهون إلى أنهم غطسوا أصابعهم بدمائهم لا بحبر الإنتخابات. هؤلاء يمثلون لقطة فنطازية لمجموعات نصفها غريب ونصفها الآخر لا يفقه من الأمر شيئاً سوى أن يحصي دخله الشهري ويخطط لمشاريعه الاقتصادية القادمة.
ولو أحصينا أربع سنوات برلمانية لما وجدنا فيها فعلاً تشريعياً من شأنه أن يذكّرنا بهذه الأشباح التي تتقاتل على كراسي البرلمان ؛ البرلمانيون الذين يتناطحون فيما بينهم تحت لافتات من الشعارات الفضفاضة، والذين سيهربون في نهاية المطاف بحسب جوازاتهم الأجنبية وعلى ضوء الثماني سنوات الدبلوماسية التي شرّعوها لهم؛ هم مَن كانوا وراء الكثير من الفوضى السياسية والاجتماعية، ولا نقول فوضى الدم، فهذا ناتج من نتائجها؛ حيث الأمن الواهي والإختراقات الفظيعة التي أثبتت أن كل شىء معرّض للزوال أو الخراب. ومهما أحصينا من "منجزات" برلمانية فإنها لا تعدو إلا تحصيل حاصل لبعض القوانين والتشريعات الحكومية.
ليس هؤلاء هم نهاية المطاف. فالعراق بلدٌ غني بمواهبه السياسية ورجالاته القادرين على إعادة تشكيل الخط الإجتماعي والوطني على وفق رؤية سياسية ناضجة، تتيح الأمل في نفوس العراقيين الذين اضطهدتهم سنوات الحريق الطويلة إبان الحقبة الصدامية المظلمة. ولا شك أن ما سيتركه هؤلاء لا يشكّل إرشيفاً يُعتد به في قادم السنوات التي نتمناها سنوات برلمانية حافلة بالمعطيات الوطنية، وبعيدة عن الأهواء الحزبية والمناطقية الشاذة.
عندها لن يأسف العراقيون عندما يغمسون أصابعهم في حبر الإنتخابات النزيهة وبقوائمها المفتوحة وبأسماء شخصياتها العلمية والعملية، القادرة على رسم سياسة البلاد، ومراقبة الأداء الحكومي من كل منافذه، دون محاباة جهة على حساب غيرها، بل جعْل المشروع الوطني الديموقراطي ركيزة أساسية للبناء والإعمار وإدخال العراق في منظومة الحياة الكبيرة من الجوانب كلها.. عندها لن يكون العراقيون آسفين مثلما هم الآن !).
ولا أرى في هذا المقال إلا صورة صادقة معبرة عن واقع برلمان هزيل، فلم يعد يستحقّ هذا الإسم النبيل، لأن الغالبية العظمى هم "عصابات مافيا"؛ كل فرد منها هو "صدام متوحش بمخالب وأنياب"، حيث حولوه إلى "سوق هرج" أو "وگفة غنم"، شمروا عن سواعدهم فيه لذبح مصالح الشعب ومصّ ما استطاعوا من دمه.. وخلت تصرفاتهم من مشتركات نابعة من عمق الموروث الأخلاقي العراقي.. وتحولوا إلى أغوال مشغولين في تعبئة أرصدتهم أكثر من إنشغالهم بالهم العراقي العام..
وقد شنت جنان العبيدي (المجلس الإسلامي الأعلى) هجوماً عدائياً ضد الروائي والصحفي أثناء الجلسة البرلمانية التي عُقدت ونقلتها الفضائية العراقية.. والتي يُفترض بها أن تناقش الأمور الحساسة والساخنة في مجريات العملية السياسية وما يهم مصير البلد..
وقد أصدر مرصد الحريات الصحفية بياناً في (8/11/2009) استنكر فيه إحالة البرلمان طلباً مقدماً من بعض النواب (على رأسهم جنان العبيدي) إلى اللجنة القانونية لمقاضاة صحيفة المدى على خلفية نشرها هذا المقال.. واعتبر المقاضاة "تهديداً خطيراً للحريات"..
حيدر العبادي (حزب الدعوة) "أكد أحقية مجلس النواب في اتخاذ الإجراءات اللازمة ضد الصحيفة في حال تبين أن ما نشرته كان مخالفا للحقيقة ولم تقبل بتصحيحه".
والأولى بمرصد (الحريات الصحفية في العراق) أن يقاضي مجلس النواب بتهمة تقويض حرية التعبير في العراق.. لأن كان من المنتظر من النواب إجراءات وخطوات لترجمة المواد الدستورية الخاصة بالحريات الصحفية إلى قوانين تحمي هذه الحريات..
وفي سياق متصل، اتهم رئيس مجلس النواب إياد السامرائي قنوات فضائية ومؤسسات إعلامية وصفها "بالممولة من الخارج بمهاجمه البرلمان العراقي بهدف إجراء تغيير في توجهات الرأي العام".
في غضون ذلك، طالب النائب محمد حسين بمقاضاة علي عبد الأمير عجام في (قناة الحرة) والصحافي في جريدة المدى وارد بدر السالم "بدعوى مهاجمتهم لنواب البرلمان العراقي".
وذكّر أحمد ميرا (ميرة) في 4/10/2009 ؛ رئيس تحرير جريدة (ليفين) الكردية، أن رئاسة إقليم كردستان أقامت دعوى قضائية ضد جريدته إثر نشرها مقالة تفضح راتب السيد البرزاني وإميتازاته الأخرى، وحظر توزيع العدد 94 من هذه الجريدة..
وقد ترجم أحمد أغلو في صحيفة حزب العدالة التركماني العراقي (2/8/2009) إحدى مقالات العدد 94 حزيران 2009 المحظور من مجلة (ليفين) بعنوان: "الطالباني والبارزاني.. كارادفيجا كردستان"..
وأشارت الجمعية العراقية للدفاع عن حقوق الصحفيين سنة 2009 "أنه في خلال أربعين يوما الماضية أقيمت شكاوى ضد أكثر من عشرين صحفياً في إقليم كردستان العراق"..
ونقل راديو سوا (27/8/2008) تصريح أحمد ميرا، رئيس تحرير جريدة (ليفين) أن الصحافي سوران ماما حمه قتل تموز/يوليو 2008 في كركوك وهو صحافي كان يعمل لحساب مجلة ليفين Livin بعدما نشر مقالا مطولا ربط فيه بين مسؤولين في جهاز الأمن وشبكة للدعارة..
وأبدى النائب مثال الآلوسي (الآن انضمر حزبه) في لقاء مع (قناة الحرة) "استعداد حزبه لتوكيل محامين للدفاع عن الإعلاميين في حالة مقاضاتهم، فضلا عن رفع شكوى ضد رئاسة البرلمان"..
وليتذكروا أن المادة 36 من الدستور العراقي لسنة 2005 ضمَّنت ما يلي: تكفل الدولة وبما لا يخل بالنظام العام والآداب?: أولا- حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل. ثانياً- حرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر. ثالثاً- حرية الإجتماع والتظاهر السلمي وتنظم بقانون.
عجيب أمور غريب قضية..العراق عظيم بشعبه وأرضه.. وليس هؤلاء هم نهاية المطاف..
الدكتور جاسم العبودي
في 9/10/2010
............................ الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1540 السبت 09/10/2010)