قضايا وآراء
كثيرون هم الذين علموني كيف أتنفس العلياء / طلال معروف نجم
بل وحتى صناع الحرف اليدوية ذات الطابع الابداعي والخلاق .
بالنسبة لي وجدت انني اتنفس العلياء ، يوم ان وجدت قلمي يكتب . ولعل الفضل يعود الى من قرأت لهم . فكل واحد منهم علمني حرفا . واقصد الحرف مزية في فن الكتابة . فنجيب محفوظ حبب لي منهج القصة . ولكن منهج الايغال في السرد الواقعي الطبيعى الذي كان سيد الفترة وقتذاك . والحكيم علمني ان أستعرض ما قرأته من كتب وحكايات و حكم ، في كتاباتي او أحاديثي . وحتى اللحظة اذكر ان روايته " الرباط المقدس " . قد مكنتني من الاطلاع على أكثر من 60 كتاب قرأهم الحكيم . حتى اسطورة إيزيس وأوزوريس تعرفت عليها من الرواية هذه . يقول ملخص الرواية "كانت حياة الآلهة وتصرفاتهم مادة خصبة لتغزل حولها حكايات وأساطير كثيرة. وأصبحت تلك الأساطير بعد ذلك معقدة للغاية كما أصبحت من أعمدة الديانة المصرية. تروى الأسطورة أن أوزوريس كان ملكاً عادلاً محباً للخير يحكم مصر من مقره بالوجه البحري، وكان أخوه ست يحسده ويريد عرش مصر فأعد وليمة كبيرة دعا إليها أخاه وكان قد أعد صندوقاً فاخراً ثم قام بدعوة الضيوف إلى الاستلقاء في التابوت ومن يجد التابوت مناسباً له يستطيع أن يأخذه وكان ست قد أعده على مقاس أوزوريس وعندما استلقى فيه أوزوريس أغلق ست وأعوانه التابوت عليه ورموه في النيل فمات أوزوريس غرقاً.
أخذت إيزيس تبحث عن زوجها حتى وجدته في جبل (بيبلوس) بسوريا ولكن ست أفلح في سرقة الجثة وقطعها إلى 14 جزءاً (وفي بعض الروايات 16 جزءاً) ثم قام بتفريقها في أماكن مختلفة في مصر ولكن إيزيس ونفتيس تمكنتا من استعادة الأشلاء ما عدا عضو التذكير (وفي بعض الروايات يقال أنها استعادت كل الأجزاء) واستخدمت إيزيس السحر في تركيب جسد أوزوريس لإعادة الروح له والإنجاب منه، ثم حملت من أوزوريس وقد كان من الصعب أن يحيا أوزوريس مثل حياته الأولى فلزم عليه أن يبقى في مملكة الموتى و يكون ملكا عليها.
ولدت أيزيس منه حورس (بالسحر أيضاً) وقامت إيزيس بتربيته في أحراش الدلتا سراً حتى اشتد ساعده فأخذ يصارع ست انتقاما منه لأبيه حتى هزمه في النهاية".
عند أحمد حسن الزيات تعلمت الصياغة الراقية التي لاتتأتى الا عند الزيات . ففي ترجمته لرواية " ماجدولين" توقفت طويلا وانا كنت صغيرا ، الى صياغة عن بطل القصة وهو يغرق قائلا : وراح "ينافح اللجة في الفينة بعد الاخرى". حتى تفوق على النص الفرنسي في الصياغة.
من احسان عبد القدوس تعلمت ان عنوان العمل القصصي او المقالة هو نصف الابداع . ويكفي انه حصل على الجائزة الاولى من المركز الثقافي الكاثوليكي في مصر . عن عنوان قصته " أنا لا أكذب ولكن أتجمل " وجاء التقييم في قوة العنوان وانسانيته .
وأتذكر ان زميلا ليّ ، وهو مدير المعهد العربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية في عمان، وأحد القراء المدمنين لما أكتب ، انه قال لي عن مقالة أحدى افتتاحياتي لصحيفة عراقيات الالكترونية ، تحت عنوان "الجارتان ايران وتركيا والعمق الزمني للضغينة" ، "انه لولا العنوان لما إنجذبت الى المقالة" . وأضاف بصراحة ، "ان العنوان افضل من مضمون المقالة" . لم" أزعل " لانني أستطعت ان ألفت نظر قارئ من عنوان ابدعت في صياغته .
حتى العمود الصحفي، كنت شغوفا ومدمنا على قراءة العمود الصحفي للصحفي الكبير علي امين. كان يكتب في الشهر أكثر من 40 عمودا صحفيا يحمل عنوان "فكرة" . حتى لمجلات الاطفال ميكي وسمير كان يكتب فكرة . وفكرة اسبوعية لمجلة حواء النسائية. واخرى لمجلة الكواكب الفنية. وفكرة لجريدة اخبار اليوم الاسبوعية . ويوميا فكرة لصحيفة الاخبار. وشهريا لمجلة الهلال الثقافية. ولعل آخر عمالقة العمود الصحفي اليوم هو انيس منصور . قد اختلف معه فكريا لكونه من دعاة التطبيع الكامل مع العدو الصهيوني، ولكني أنظر الى حرفيته ككاتب عمود صحفي مازال يكتب يوميا بأنتظام في الاهرام والشرق الاوسط اللندنية .
كثيرون هم علموني ولو تناولتهم الان لطال بي الامر . ولكنني اشرت الى بعضهم كنموذج لمبدعين هم ولاشك مدرسة نموذجية ولكن عن بعد .