قضايا وآراء
العنف الاسري / سليمة قاسم
بعد خروجها من غرفة العمليات، وبتأثير المخدر، صرخت (سعدية كاظم) -50 - سنة: "زوجي هو المسؤول، انه يضربني على رأسي، هو السبب، هو السبب". وكان زوجها يقف بجانبها محرجاً، لا يستطيع ان يداري حرجه امام الاطباء والمرضى الآخرين في الردهة.
وحين حزمت (سعدية) امتعتها، استعداداً لمغادرة المستشفى، طلب الطبيب المعالج منها، ان تتقدم بشكوى ضد زوجها في مركز الشرطة، لانه يمارس العنف ضدها، خاصة وان الاشعة المختبرية اثبتت ان اصابتها بورم في منطقة الدماغ، كانت بسبب تلقيها ضربات قوية عليه، واصبحت شكوك الاطباء يقيناً، عندما كانت تصرخ تحت تأثير المخدر، لكنها رفضت رفضاً قاطعاً ان تتقدم بشكوى ضد زوجها "خوفاً على بيتها وسمعة اولادها" على حد تعبيرها.
الام العنيفة!
* يقول (كرار حامد)-15- سنة: "امي قاسية جداً في التعامل معي، انا واخي الاصغر، وذات مرة ضربتني بقدح زجاجي، كُسر انفي على اثرها، ورقدت في المستشفى اياماً عدة لاجراء عملية تقويمية وتجميلية لانفي. واخبرت الطبيب حين سألني عن سبب اصابتي، بأنني سقطت من السلم. لم تنفع معها تدخلات الاقارب من اجل تغيير اسلوبها القاسي معنا، وحين يتدخل ابي تنهره، وتعلل سبب قسوتها بأنها تريد ان تربينا تربية صحيحة!
كنا نضرب انا واخي باستمرار، حتى وصلنا لمرحلة صار فيها الضرب لا يؤلمنا، ونتيجة لذلك، اصبحت ضعيف الشخصية، والسبب هو أمي!
العنف الوراثي
* (بدرية علوان)-60- سنة تقول: "اعتاد زوجي على ضربي، تنفيذاً لاوامر والدته، دون ان يعرف اسباب الخلاف بيني وبينها. المهم انني كرهت تلك الحالة، وكان من المفروض أن أبعد أولادي عنها لشدة كرهي لها، لكنني كنت احثهم على ضرب زوجاتهم، عند حدوث خلاف بينهم".
وتضيف (علوان): " قد يكون السبب هو شعوري بالظلم والاضطهاد الذي كنت اعانيه من والدة زوجي، وبالتالي افرغته في زوجات اولادي، وهو الامر الذي قد يؤدي الى تدمير حياة اولادي الزوجية، لكنني لا استطيع ان اتخلى عن الدرب الذي سرت به، رغم انني ادرك ان الزمن تغير كثيراً، وان العلاقة بين الام وزوجة ابنها تغيرت هي الاخرى، وان الزمن الذي كنا نضرب فيه ونهان قد ولى بغير رجعة. "
عقوق الابناء!
* تقول (نجية سامي)-50- سنة: "يقوم ابني بضربي وشتمي في أحيان كثيرة، ولا ينقذني منه الا تدخل الجيران، دون ان تتدخل زوجته لتخليصي من بين يديه. البعض نصحني برفع شكوى ضده في مركز الشرطة ليكف عن ضربي وليخصص لي راتبا شهريا، لكنني رفضت ذلك، رغم ما يفعله بي، فصعوبة الحياة وعدم تمكنه من توفير لقمة العيش لي ولاطفاله، جعلته قاسياً معي".
اخي والممنوعات!
* تقول (عذراء محمد)، 18سنة: "بعد وفاة أبي، اصبح اخي الاكبر هو المسؤول عن البيت، وتحول في ليلة وضحاها الى الآمر الناهي والمتحكم في مصائرنا، فقد اجبرنا على ترك مقاعد الدراسة، انا واختي الصغرى، وبدأت قائمة الممنوعات دون ان تنتهي: ممنوع الخروج من البيت، ممنوع مشاهدة التلفاز، ممنوع استخدام الموبايل !! وحين نعترض على تنفيذ اوامره، يأتي الرد سيلاً من الضربات واللكمات القوية، التي لا تسلم منها حتى امي التي تحاول تخليصنا من بين يديه. لقد تمادى اخي في تصرفاته معنا، واعتقد ان امي هي السبب، فقد كانت تشجعه على ضربنا مذ كنا صغاراً، واصبحت هي الاخرى ضحية لعنف اخي !
العنف النفسي
* (احلام حداوي)، 33 سنة، تقول: "زوجي رجلٌ قاسي الطباع، سليط اللسان، كثيراً ما، يصفني بالقبح والغباء. وعندما أتوانى في تنفيذ واحدة من طلباته الكثيرة، تثور ثائرته، ويضربني بكل ما تقع عليه يداه، وفي احدى المرات، ضربني بقفل كبير، فقدت على اثرها اثنتين من اسناني الامامية. لم تنفع تدخلات اهلي حينها، بل كانت تأتي بنتائج عكسية، فقد ساءت الامور بيننا لدرجة انني رفعت دعوى للطلاق في المحكمة، لكنني مُجبرة على احتماله من اجل اولادي".
موروث ظالم
* يقول الدكتور (محمد حقي) اخصائي الامراض النفسية في مستشفى (ابن رشد): "إن العنف الاسري من المشاكل الاجتماعية التي تهدد بتقويض كيان الاسرة العراقية، فالعنف نمط سلوكي تنتج عنه حالة احباط، يصحبها توتر وعنف وهياج بقصد الحاق الضرر، وتكون النساء والاطفال اكثر الاطراف تعرضاً للعنف. ان اسباب تزايد العنف متشعبة ومتعددة، فالمنظومة الاجتماعية والثقافية التي تتوارثها الاجيال قائمة على تقاليد وقناعات خاطئة، اذ يعتبر ضرب المرأة مُباحاً في تلك المنظومة، بالاضافة الى الحروب التي ادت الى انتشار ثقافة العنف في المجتمع، كما يلعب العامل الاقتصادي دوراً كبيراً في دفع الانسان لإيذاء أفراد أسرته، وقد يكون الشخص عنيفاً بسبب تعرضه للعنف في طفولته، فيترجم رفضه له بممارسته في عائلته، فخلافات الوالدين ومشاجرتهما تؤثر سلباً في الحياة الزوجية لابنائهم مستقبلاً، حيث ان انتقال الصراع الزوجي من جيل لآخر ينتج عندما لا يتعلم الابناء مهارات التحدث وسلوكيات التواصل والتفاهم، بسبب مشاهدتهم ومراقبتهم للخلافات التي تحدث بين ابائهم وامهاتهم، وكيفية التعامل مع بعضهم البعض بشكل سلبي.
ان ظاهرة العنف الاسري واقعة في كل المجتمعات، لكن الفرق يكمن في ان المجتمع الغربي يعترف بوجودها، ويعمل على معالجتها بوسائل عديدة، وعلى اساس علمي، عكس المجتمعات العربية التي تعتبرها من الخصوصيات العائلية، وتحظر تداولها مع اقرب الناس".
تناقض في قوانين حماية الاسرة
* يقول المحامي (جبارعبد الخالق ابراهيم الخزرجي)، المشاور القانوني لرابطة المرأة العراقية: "ان نصوص القوانين العراقية متناقضة فيما بينها فيما يخص حماية الاسرة من مظاهر العنف، فقد نص الدستور العراقي الذي اُقر في عام 2005على "ان العراقيين متساوون امام القانون، دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الاصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي" وبذلك فقد ساوى الدستور بين الرجل والمرأة، كأفراد متساوين يكونون نسيج المجتمع، فيما نصت الفقرة(41) من قانون العقوبات الصادر في عام 1969 على حق الزوج في تأديب زوجته بضربها، وتأديب الاباء والمعلمين للاولاد القصر بضربهم في حدود ما هو مقرر. ولم يقف، قانون العقوبات عند هذا الحد، فقد اعطت المادة رقم (111)، من نفس القانون الحق للرجل في ان يقتل زوجته او احدى قريباته، بمجرد الشك بها، مما يندرج في ما يسمى جرائم غسل العار، وشموله بالعذر المخفف الذي اُلغي العمل به في كردستان واصبحت (جريمة غسل العار) جريمة عادية لا يحاسب عليها القانون في الاقليم. اما قانون الاحوال الشخصية المرقم (188) لسنة 1959، فقد انصف المرأة بشكل او بآخر، واعطاها الحق في طلب التفريق.
إن التضارب في نصوص هذه القوانين التي تخص الاسرة ككل تحتاج الى مراجعة شاملة وصياغة قانون الحماية من العنف الاسري، على غرار قانون حماية الاسرة الذي صدر في الاردن عام 2009.
كوادر الشرطة بحاجة الى خبرة
* يقول العقيد الحقوقي خالد هارون عبود، مدير شرطة حماية الاسرة التي تشكلت في 28/9/2009: "ان كادر عمل المديرية يفتقر الى الخبرة في التعامل مع حالات العنف الاسري، فعملنا ما زال في طور التكوين، والمديرية تفتقر الى واحدة من اهم شروط تأسيسها، وهي البناية المستقلة، فموقعنا الحالي في مركز شرطة دار السلام يجعل وصول المرأة المعُنفة الى المديرية ضرباً من ضروب المستحيل، ويأتي بنتائج عكسية، ويجب الاستفادة من خبرة الدول المتقدمة التي قطعت باعاً طويلاً في التصدي لظاهرة العنف الاسري، مثل لجنة الوفاق الاسري التي تأخذ على عاتقها المساعدة في حل المشاكل الي تواجه الاسرة، وتوفير الملاذ الآمن للاشخاص المُعنفين وتأهيلهم نفسياً واجتماعياً".
* وكانت وزارة الدولة لشؤون المرأة قد اطلقت استراتيجية لمناهضة العنف ضد المرأة، في ورشة عمل نظمتها الوزارة، بمشاركة ممثلين عن وزارة الداخلية والصحة، ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية، وصندوق الامم المتحدة، مطلع آيار الماضي، وجاءت مكملة للورشة التي عقدت في اسطنبول مطلع تشرين الماضي، وتم رصد مبلغ 3. 5 مليون دولار من صندوق ائتمان العراق لتمويل الاستراتيجية الجديدة، حيث تم التعاقد مع شركة استشارية لتزويد الوزارات المشاركة بمستشارين في مجال مناهضة العنف.
............................
الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1560 الجمعة 29/10/2010)