قضايا وآراء
جرائم الشرف ... اليست جرائم / سليمة قاسم
سلوى كانت مليحة الملامح، ربما مثيرة أيضا، الزوج الجديد لم يهذب غرائزه، كان شبقا جنوحا، يصوب نظراته المفترسة، كان يصوب لها نظراته، النظرات كانت مزيجا من الشهوة المضمرة والبراءة الظاهرة، بين براءة مخترعة وخداع مضمر وقعت سلوى ضحية اللعبة القذرة، لم يمر وقت طويل على ان تقع فريسة الفراش الحرام مع هذا الزوج الخبيث ...
سلوى الآن حامل !
لم تكن غير الام مخزن أسرار بنتها، والأم لأنها واقعة تحت تأثير التقاليد البالية يجب أن تسر الخبر أهلها، ربما ذلك أستر، أين المفر من فضيحة تفصح عن نفسها اليوم أو غدا ...
القتل هو الحل الوحيد لقبر هذا العار، قتل الضحية وليس الجلاد، سلوى أنثى، إذن يجب أن تُقتَل، الزوج رجل، له حظه من كرامة الحياة، حظ كبير ... إذن هذه السكاكين هي تنتظر جسد سلوى، سكاكين الاعمام والاخوال وربما حتى الام، الأم ذاتها، بل حتى الزوج الثاني، تلك هي مقادير المرأة في مجتمع جامد ميت !
قُتِلت سلوى ...
المحكمة تحكم على القاتل الذي ادعى أنه وحده المسؤول عن قتلها غسلا للعار، ثم يطلق سراحه، المجرم المعنوي حر، والمجرم المادي ايضا حر، وسلوى يضمها تراب منسي ! .
دعوني اروي لكم قصة حديثة عمرها شهرين فقط، والضحية هذه المرة امراة متزوجة، فذات يوم عاد (علي) من عمله ليجد زوجته تتبادل النظرات مع رجل كان يقف قرب بيته، صعد الدم في راسه، فهو رجل شرقي، ركض نحو العشيق المزعوم واجبره على دخول البيت لينفذ خطته الجهنمية التي كان متيقن من نجاحها، اجبر زوجته على خلع ملابسها والاستلقاء على سرير الزوجية ليقتلها بوحشية وسلم الرجل الى السلطات على انه كان يمارس الخطيئة مع زوجته، وفي مركز الشرطة كان شريكها يصرخ بانه بريْ دون ان يصدقه احد، في حين صدقوا رواية الزوج.
قرر ضابط التحقيق ارسال جثة القتيلة للمعمل الجنائي لاجراء فحص الحامض النووي –dna- للتاكد من وجود آثار لعشيق الزوجة تؤكد حدوث اتصال جنسي بينهما، وجاءت المفاجأة بعد عدة ايام فقد كشف التقريرعن براءة الزوجة وان عشيقها لم يمارس معها الخطيئة، هنا اتخذت القضية منحى آخر فتحولت من قضية شرف او ما يسمى غسل العار الى جريمة عادية يواجه مرتكبها عقوبات تتراوح بين الاعدام والمؤبد.
لقد انقذ (الحامض النووي) سمعة عائلة المغدورة من فضيحة موكدة ووصمة عار كانت ستلحق بها على مدى اجيال متعاقبة، فالكثير من النساء قتلن تحت غطاء مادة غسل العار، فقد يقتلها زوجها او احد اقاربها للتخلص منها او لغرض في نفسه او لمجرد شك يساوره.
والسوال الذي يطرح نفسه عن الاسس التي استند اليها المشرع العراقي في تشريع هذه المادة، فالدين الاسلامي اقر تنفيذ العقوبة بحق مرتكبيها الاثنين ولم يفرق بينهما، وهناك حادثة مشهورة عن الرسول (ص) انه امر بجلد الزاني والزانية بعد شهادة الشهود.
اما مادة غسل العار فقد جاءت في قانون العقوبات المرقم(111)لسنة 1969المعدل حيث حددت عقوبة الحبس مدة لاتزيد على ثلاث سنوات للشخص الذي يقتل زوجته او احدى محارمه في حالة تلبسها بالزنا، لكن هذا القانون تم تعديله من قبل مجلس قيادة الثورة المنحل في 15/8/1990حيث اجاز له قتلها مع تقليص مدة الحبس لثلاث ايام فقط ولاتتم مسالته جزائيا، كما ميز هذا القانون بين الرجل والمراة من حيث مكان الجريمة، فالعقوبة تشمل المراة اينما ارتكبت هذه الجريمة بينما لايعاقب الرجل الا اذا ارتكبها في بيت الزوجية.
ان ازدياد معدلات جرائم الشرف في السنوات الاخيرة يدل على عدم حدوث تطور ايجابي في المجتمع يمكن معه عدم اللجوء الى قتل المراة بدافع الشرف، نتيجة ترسخ تقاليد واعراف لاتتغير بالرغم من مظاهر الانفتاح في البلد، كما يدل على ضعف هيبة القانون وعدم تطبيقه.
فقد بادرت حكومة اقليم كردستان الى الغاء العذر المخفف بعد التزايد الكبير في نسب جرائم الشرف واصبحت جريمة عادية يحاسب مرتكبها بعقوبات تتراوح بين الاعدام والسجن الموبد.
اننا ندعو الى الغاء تلك المادة لتعارضها المبادى الدولية المتعلقة بحقوق المراة والدستور العراقي، وضرورة تكاتف جهود الوزارات المعنية ومنظمات المجتمع المدني من اجل تسليط الضوءعلى تلك الجرائم
ورفضها كونها تشكل انتهاكا صارخا لانسانيتها وتجاوز على حقوقها وسلبها اعز ما تملك وهو حياتها.
............................ الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1570 الأثنين 08 /11 /2010)