قضايا وآراء

رجال على اكتاف النساء شيوع زواج المصلحة بعد سنوات السقوط / سليمة قاسم

ولم تستطع ان تخبر صديقاتها بأنه لا يجيد القراءة والكتابة! ولا يملك من حطام الدنيا إلا الملابس التي يرتديها، وكان العثور على زوجة بمواصفات (علياء) هو بمثابة فرصة ذهبية لا تسنح لرجل إلا نادراً، وكما يقول المثل (فما خفي كان اعظم).

فقد تمت خطبة (علياء) لرجل يصغرها بثماني سنوات (وهنا مربط الفرس) فهو يضحي بسنوات شبابه وهي تضحي بما تملك من شهادة وثقافة وراتب جيد!

المهم ان الخطبة تمت عن طريق مدّرسة أخرى، كانت قريبة لذلك الزوج الأمي! وحين فاتحته في الموضوع فرح فرحاً كبيراً، وبدأت قائمة طلباته دون ان تنتهي، فأستأجرت بيتاً وقامت بشراء الأثاث، ولكنه حين شعر بأن (علياء) تلبي كل احتياجاته، سحب يده من شراء غرفة النوم، وقامت هي الأخرى بشرائها.

فما الذي يدفع (علياء) لأن تُقدّم كل تلك التنازلات ودعونا نبحث عن الأسباب الكامنة وراء تقديم تلك التنازلات فهي بكل ما تملك من شهادة وثقافة وراتب جيد، وجمال متوسط لكنها لم تستطع الحصول على زوج مناسب لها، وكان بينها وبين الوقوع في بحر العنوسة قاب قوسين أو أدنى، خاصة وهي في الثالثة والأربعين من عمرها!

فنحن هنا إزاء مشكلة برزت بشكلها الواضح والجلي بعد سنوات السقوط، حيث طرأ تحسن كبير على رواتب الموظفين والموظفات، فأصبح حلم الكثيرين في هذه الأيام، هو الزواج من امرأة موظفة تقتسم معه مسؤولية بيت الزوجية، أحياناً تتحملها لوحدها!

وهناك حكاية أخرى لامرأة شربت في نفس الكأس الذي شربته (علياء).

فأبتسام هي الأخرى جاوزت الأربعين، خريجة معهد، وراتبها يناهز المليون، كان أخوها ينغص حياتها في كل كبيرة وصغيرة، بينما كان لا يستطيع ان يحاسب أخواته الصغيرات لكونهن متزوجات!

فأدركت إن الزواج هو الحل لكل مشاكلها، وكما يقول المثل المصري (ظل رجل ولا ظل حيط)، بعد أن فقدت كل أمل لها في العثور على زوج مناسب، بدأت توصي قريباتها للبحث عن ذلك الزوج فوجدته، لكنه كان (أمي) يعمل (حمّال) في الشورجة، ويصغرها بحوالي سبع سنوات، حين جاءت أمه لخطبتها، همست في إذنها قائلة (تكاليف الزواج تتحملينها لوحدك)، فعلاً وافقت (ابتسام) على مطاليب الزوج، لكنها اكتشفت بعد الزواج، الخطأ الكبير الذي اقترفته بحق نفسها، فكان الانسجام مفقوداً بينهما تماماً فأهتماماته تختلف عن اهتماماتها، كان يرى في شرائها للجريدة نوعا من أنواع البذخ وادعاء الثقافة. وكان الخلاف على أثره حتى على مشاهدة التلفاز، وانتهى بهما المطاف ليناما في غرفتين منفصلتين، ليشاهد كل واحد منهما البرامج التي يفضلها، وانعكس هذا على نوع الطعام وأثاث البيت وارتداء الملابس، كانت لا تفكر في الخروج معه أبداً لأنه لا يجيد التحدث بطريقة ملائمة مع الناس، كثيراً ما تتساءل مع نفسها عن الفخ الذي أوقعت نفسها فيه، ففكرت بالطلاق لكنها تذكرت أخاها بكل قسوته، فاستسلمت أن تعيش مع زوجها الذي أنقذها من العنوسة لكنه افقدها حبها للحياة.

أما (لمياء) الموظفة في إحدى دوائر الدولة، فقد تزوجت من ابن عمتها، الذي كان يعمل في مهنة البناء، وبعد إنجاب الأطفال انقطع عن العمل واخذ يمارس هواية جديدة وهي تربية الطيور فوق سطح البيت، كانت لا تراه إلا في أوقات تناول الطعام وعند النوم، وفشلت كل محاولاتها في دفعه للخروج إلى العمل، وحين يشتد بينهما الخلاف، كان يقول لها انه لولاه لما فكر احد في الزواج منها، وهي تقول له بأنها هي رجل البيت وليس هو.

وصار موضوع (زواج المصلحة) أو الزواج من موظفة، حديث الساعة في كثير من دوائر الدولة، فتسأل الموظفة صديقتها متى تزوجت قبل السقوط ام بعده، في إشارة لكون الزواج بعد السقوط هو زواج مصلحة.

إننا هنا لسنا ضد الزواج، ولسنا ضد الرجل ولكننا ضد ظهور مثل تلك الزيجات التي تفقد أهم عنصر فيها وهو التكافؤ بين الزوجين على الصعيد الثقافي والاقتصادي والاجتماعي والعاطفي، حتى لا ينظر احد الزوجين لشريكه نظرة قاصرة.

ان ظهور مثل تلك الزيجات يحول الزواج من صورته التقليدية كعاطفة بين شخصين إلى منفعة متبادلة بينهما،  مما يؤدي إلى غياب الانسجام والمودة بين الزوجين وهذا ينعكس سلباً على الأطفال فينشأ الطفل ضعيف الشخصية وثقته مهزوزة بنفسه لكونه ينشأ في بيت تنقصه العاطفة.

ومع إن (زواج المصلحة) سيساهم في التقليل من نسبة العنوسة لكن نتائجه السيئة ستكون واضحة المعالم على المدى البعيد.

ولابد من وقفة لمراجعة الحسابات الخاطئة لتأثيرها الكبير على الأسرة والمجتمع ككل.

فدور الأسرة يتمثل في غرس قيم أصيلة في نفوس أبنائها، ونبذ العلاقات المبنية على اساس المنفعة.

ثم يأتي دور المجتمع متمثلاً بمنظمات المجتمع المدني ووسائل الاعلام في فضح عيوب تلك الزيجات ورفعها والدعوة الى اقامة علاقات زوجية على اساس المحبة والتفاهم وليس على أساس مادي بحت.

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1584 الأثنين 22 /11 /2010)

 

 

 

في المثقف اليوم