قضايا وآراء
خصائص النقد النسائي .. نقد الرواية في سورية أنموذجاً / د. سمر الديوب
وما يقترن بها من معانٍ نفسية وروحية وعقلية. فقد تم إضافة كلمة نسوي إلى مصطلح النقد، ولهذا الأمر دلالته.
لقد تسيدّت المرأة جزءاً لابأس به من الموروث الشعري والنقدي قديماً. لكن تجربتها الأدبية والنقدية الحديثة تختلف اختلافاً كبيراً عن تجربتها القديمة. فقد اختلفت درجة التوتر، والفاعلية التي تدفع المرأة إلى فعل خارج إطار ماحددته لنفسها سابقاً. وليس خوض المرأة في المجال النقدي نوعاً من التحدي للرجل، ولاأظنها تقبل أن توضع في مثل هذا الموضع، فقد سعت المرأة الناقدة إلى غير ذلك حقاً. فمحاولاتها النقدية ناتجة من داخلها، وليس من أثر خارجي. ورغبة المرأة في دخول مضمار النقد الجديد تنبع من رغبة داخلية ناتجة من مشاعر النقص أمام العصر. فالمتنبي وأسلافه أمراء الحداثة في عصرهم، وتستطيع المرأة أن تكون كذلك اعتقاداً منها أن التوهج ينمو في ظل المنافسة.
إن ثمة من يرى في النقد عملية عقلية تحتاج إلى جهد. فقد عرَّف ابن سلام النقد بأنه علم " وللشعر صناعة وثقافة يعرفها أهل العلم، كسائر أصناف العلم " (1) فإذا امتلك الرجل القدرة على الغوص في أعماق النص الأدبي، وامتلك الملكة اللغوية التي تسعفه في ذلك، فلا نستطيع أن ننفي ملكات المرأة اللغوية. فالقدرة الكلامية لدى المرأة متطورة عن الرجل، ولديها فكر تركيبي، ومشاعر متلازمة مع لفظ كلمة امرأة. إنها من هذه الزاوية أكثر قدرة من الرجل على التعبير اللغوي وغيره.
فجهود المرأة النقدية أكبر من مجرد الرد على الاستصغار، وأكبر من شعور بالسلطة. إن لديها حافزاً تكوينياً تضاف إليه عوامل الموهبة والملكة والفطرة؛ لتؤمن سبباً حقيقياً لتفسير حضورها الفاعل عبر امتداد عصور الأدب العربي .
ونتساءل: هل هنالك نقد خاص بالنساء، ونقد خاص بالرجال؟ هل يمكننا أن نحدد خصائص كل نوع، وأن نضع قواعد توافق هذا النوع من النقد أو ذاك، ونحدد قواعد النقد النسائي بعد أن نلاحظ الفوارق الطبيعية بين الجنسين، ونفترض أن مزاج النقاد الذكور يميل إلى الشجاعة بينما يميل مزاج النساء إلى الاعتدال والنظام. إن الجمع بين النقد والمرأة أمر يثير الاستغراب في مصطلح النقد النسائي. فلا جنس للأدب، وهذا ماتؤكده الكاتبة الفرنسية كريستيان روشفون بقولها (2) " هل للأدب جنس؟ قد أجيب بثقة ... كلا، ولكن هل لدينا التجربة نفسها، وهل نملك التكوينات العقلية نفسها والهواجس نفسها ... "
ربما عنت كلمة نسائي تحليل نص من وجهة نظر المرأة عبر التركيز على ماهو اجتماعي وحضاري، وهذا الأمر يخلِّف النقد، ويحصره في الموضوع؛ لذلك يجب على الناقدة أن تفكك النص الذكوري، وتحرره من عقده باستخدام ممارسات نقدية جديدة.
إذا قلنا إن هنالك نقداً نسائياً فهذا يعني أننا نجمع ناقدات مختلفات في الرؤية والفكر والأسلوب والاتجاه. فثمة مدارس نقدية، ولايوجد نقد نسائي؛ لذلك يجب أن يصنف نقد المرأة في اتجاه من الاتجاهات النقدية تعبر من خلاله عن رؤيتها في الحياة، وتتفق مع بعض النقاد، ولاتتفق مع بعضهم الآخر. والكلام نفسه ينطبق على الأدب النسائي.
نرى أن كلمة نقد نسائي تعني تقليلاً من قيمته، وتصغيراً لشأنه. فنقد المرأة هو نقد يدرس أثراً أدبياً وفق عناوين واضحة، ومعالم نقدية معينة. أما إذا كان المقصود من مصطلح النقد النسائي دراسة الآثار النقدية النسائية، وإظهار خصوصية المرأة، واختلاف رؤيتها فهو أمر مقبول. وقد ننظر إلى المصطلح من زاوية أخرى، فوجود مصطلح نقد نسائي يعني وجود ثنائية ضدية مكونة من نقد ذكوري ونقد نسائي. وإذا كانت هذه الثنائية ضدية فهي تعني النديّة. وهو أمر يرفع من قيمة إنتاج المرأة النقدي، ولايعني الحط من قدره. فبعودة إلى لسان العرب (3) نجد أن مادة ضدّ تعني خلاف الشيء وتعنيه في الآن نفسه. وبهذا المعنى يكون خطاب الضدية هو خطاب القرين مايعني تثمين الأنوثة. فقد آن للمرأة أن تعبر من خلال النسق الكتابي عن رغبتها في الحرية، فلا تقبل أن يدمج ماتقدمه في اسم واحد هو نقد نسائي كمن يجمع طيوراً مختلفة الأشكال والألوان في قفص واحد إلا إذا فهم من منطلق الثنائية الضدية التي تعني الندية والتماثل. فليس للأدب جنس، وليس للمشاعر الإنسانية خريطة. وبناءً على ذلك لنسمِّ هذا النقد نقداً نسائياً، أو نقد الأظافر الطويلة، أو نقد النصوص الناعمة. فالتقسيمات مستمرة حول أدب المرأة وأدب الرجل. ويبقى الأمر المهم أن يفهم المعنى المستتر وراء المصطلح لا أن ينظر إليه نظرة دهشة واحتفاء كمن يحتفي بطفل ينطق بكلمة جديدة .
إن الإقرار بالندية بين الناقد والناقدة يتضمن إقراراً بالاختلاف، لكن هذا الاختلاف لايعني تفضيلاً لجانب على آخر، ولا تميزاً فنياً لجانب على آخر.
- العلاقة بين المرأة والرواية
للمرأة علاقة بالسرد، فالسرد مهارة نسوية، والرواية النسوية تطوير لهذه المهارة. وبعودة سريعة إلى التاريخ نجد مهارة شهرزاد في السرد. فقد احتالت بالسرد على الموت، وانتصرت عليه، وفي العصر الحالي تحتال المرأة بالسرد على سلطة الرجل الفحل، فربما كانت الرواية أكثر إبرازاً لدور المرأة وصوتها. وهي الخطاب الأول في حركة الإبداع الأدبي في القرن العشرين. وربما نتج اهتمام المرأة بنقد الرواية من الخصوصية الموجودة في علاقة المرأة بالرواية. فقد كانت المرأة سباقة إلى كتابة الرواية (4). من هنا كانت المرأة فعالة في مقاربة الرواية نقدياً، ومقاربة السرديات عموماً.
تعدّ الرواية العربية النسوية فاتحة حقيقية للنقد النسوي؛ لذلك نجد أغلب الدراسات النقدية النسوية قد حققت حضورها في مجال نقد الرواية، فلم تقترب الناقدة من النص الحواري (المسرحي)، أو من النص الشعري الذي يقوم على أحادية اللغة كما فعلت مع الرواية. ففي الرواية تتجلى تعددية الأصوات والرؤى؛ لذلك انفتح النقد النسائي على السرديات الحافلة بالصوت النسوي الخاص، فوُجِدَ كمٌّ نقدي من جهة، وكمٌّ أدبي معبر عن إشكالية معاناة المرأة، وبحثها عن المساواة بالرجل في الحياة من جهة أخرى. إن اختلاف المرأة عن الرجل يعني وجود كتابة مختلفة عن كتابة الرجل. وهدف هذا البحث دراسة ماأنتجته المرأة على مستوى نقد الرواية بوصفها مسهمة في صياغة ثقافة معينة، وجماليات جديدة على مستوى الكتابة النقدية. فثمة نقد روائي صحفي، وأكاديمي، وانطباعي، ومنهجي استطاع أن يحافظ على توازنه مع النقد الذكوري من جهة، والتحامه بقضايا الواقع من خلال العلاقة المتينة بين ذاتية المرأة وواقعها في العالم. لقد حظيت المرأة بأهمية خاصة في النقد الروائي. فالمرأة شخصية محورية في الرواية العربية، وهي روائية أنتجت كماً لابأس به من الروايات، وهي أيضاً ناقدة استطاعت أن تتغلغل في نفسية المرأة، وتنطلق منها إلى قضايا أوسع وأعمق.
- خصوصية النقد الروائي النسائي
لانستطيع الكلام على نقد روائي نسائي مهم قبل مرحلة قريبة. فالثقافة التنظيرية لم تظهر نتائجها قبل فترة قصيرة في نقدنا العربي .
تبدو خصوصية نقد المرأة الروايةَ كامنة في الانتباه للاختلافات بين الرجل والمرأة، وهنا يكون الالتفات إلى خصوصيات المرأة. فالمرأة مختلفة عن الرجل نفسياً وجسدياً واجتماعياً وثقافياً؛ لذلك اختلفت همومها، واختلفت نظرتها إلى العمل الروائي. من هذا المنطلق اهتمت بعض الدراسات النقدية بحصر الكتابة النسوية في معركة المرأة مع الرجل في مجتمع شرقي.
إن المرأة بوصفها ناقدة رفضت أن تكون خصوصية كتابتها محصورة في جسد المرأة، رفضت اختزال المرأة إلى جسد فقط؛ لأنها آمنت بإنسانيتها المتكونة من جسد وروح. صحيح أنها ركزت على أنوثتها، ونقد مشكلات الأنوثة في المجتمع الذكوري لكنها انطلقت إلى الهم العام وناقشته، ولم تقلّص همّها في الحديث عن مشكلات المرأة فقط . فقد ركز النقد النسائي على إبراز هوية الأدب النسائي بوصفه تمثيلاً لعالم المرأة جسدياً وثقافياً ونفسياً. ونستطيع القول: لم تتحدد للكتابة النسائية خصوصية أكثر من كون المرأة ناقدة أو روائية، وتبقى الخصوصية داخل هذه الكتابة، ولم توجد مقاربة للكتابة النقدية النسائية من خلال النصوص بشكل تطبيقي، ولكن ذلك لايمنع أن تكون للكتابة النسائية خصوصية جمالية تتحقق من خلال شخصية المرأة الناقدة المختلفة عن شخصية الرجل .
لايستطيع الناقد الروائي تلمس النواحي الدقيقة في نفسية المرأة الراوئية، فيأتي حكمه في أحيان تعسفياً، فالناقد جورج طرابيشي - على سبيل المثال - يجرد ثلاث روايات من القيمة الفنية هي " أيام معه " لكوليت خوري، و " لن نموت غداً " لليلى عسيران، و " أنا أحيا والآلهة الممسوخة " لليلى بعلبكي فيرى أن الضعف الفني يهيمن على هذه الروايات، وعلى الرواية النسائية العربية، ويتجلى هذا الضعف برأيه في ضجيج الألفاظ عند ليلى بعلبكي، والاعتماد على عامل الصدفة لدى كوليت في أيام معه، وسيطرة النزعة التجريدية التعميمية والأخلاقية لدى ليلى عسيران في ( لن نموت غداً )، ويستغرب مع هذا الضعف الخطير كيف تقبل دور النشر على نشر الرواية النسائية (5) .
والحق أن دراسة الناقدة روايات الروائيات النساء تختلف من حيث النظر إلى الشخصية، والمشكلة المحورية، وخطاب الشخصيات، وعلاقتها مع بعضها بعضاً ...
- المنهج النقدي لدى بثينة شعبان
تعد بثينة شعبان من الناقدات المتميزات على الساحة السورية والعربية في كتابها (مئة عام من الرواية النسائية العربية 1899-1999)، فقد قدمت في هذه الدراسة النقدية تسعة فصول، انطلقت في دراستها من فكرة النقد النسائي الذي يتحدد في " أن الرجال والنساء يكتبون بشكل مختلف حتى لو كانوا يكتبون باللغة نفسها ." (6)
بدأت بداية حماسية، فقرأت إنتاج الروائيات العربيات، ورأت أن المكانة الدونية التي نسبت إليهن في الأدب ناتجة من جهل النقاد، أو تمييزهم، ودرست الروايات النسائية منذ أول رواية كتبت، ولعلها قد تفردت بهذه الدراسة، فلم تصدر دراسة نقدية تناولت الروايات النسائية منذ نشأتها حتى الوقت الحالي، ولولا جهود هذه الناقدة لكان مصير الإنتاج الروائي النسائي قد لاقى مصير شعر النساء في العصور الأدبية القديمة .
لقد حرصت بثينة شعبان على التأسيس للكتابة النسائية بطريقة منهجية، وبأسلوب علمي واعٍ معمق، وأكدت أن أول رواية عربية هي رواية نسائية لزينب فواز، وليست رواية حسين هيكل (زينب)، فتحدت هذه المقولة، وأثبتت ما يخالفها بأسلوب لا يدانيه الشك، فأكدت أن النساء هن اللواتي لهن السبق في تأسيس هذا النوع الأدبي في الأدب العربي . (7)
يحمد للناقدة هذا الجهد الذي بذلته في جمع مادتها النقدية ونقدها، لكنها لم تنتبه إلى نقطة مهمة هي الجانب الفني في الرواية، فقد عُدت رواية زينب أول رواية فنية عربية، لا أول رواية عربية سواءٌ أكتبت بقلم ذكر أم أنثى .
إن حماستها للمرأة الروائية قد دفعتها إلى مغالطة فنية – لكنها لاتقلل أبداً من قيمة الجهد المبذول في هذه الدراسة – فتذهب إلى تحدي المقولة الدارجة بأن سبب إهمال أعمال المرأة هو عدم ارتقائه إلى مستوى الهم العام، وتثبت من خلال دراستها رواياتٍ نسائيةً أن المرأة العربية مغروسة بعمق في هموم وطنها ومجتمعها، فقد قادت المظاهرات ضد الاحتلال الأجنبي، وضد تقسيم فلسطين، وتحدت التقاليد التي تنتقص من حقها وكرامتها، وتثبت أن سبب هذه النظرة لأعمال المرأة هو أن رؤية المرأة تختلف عن رؤية الرجل، وحلوله المقترحة. وبما أن الرجال يشكلون التيار العام في الأدب والسياسة على حد سواء تم تجاهل نظرة النساء، ومواقفهن. وتبرهن بلهجة حاسمة في الفصل الثاني أن إسهام المرأة يفوق إسهام الرجل في تأسيس الرواية العربية وهي ترى أن المرأة تميزت من الرجل في كتابة الرواية. فعلى سبيل المثال تعاملَ الرجل مع أدب الحرب على أنه الأدب الذي يصف الأحداث على خط النار، وتكلم على تفاصيل المعارك والدماء، أما المرأة – برأيها – فقد كتبت عن الآثار النفسية والاجتماعية للحرب، ووصفت تأثيرها في النفس الإنسانية، فوسّعت من أسلوب أدب الحرب، وجعلته أكثر ارتباطاً بحياة النساء بما فيها من حزن وفرح وتشوه. (8)
اتخذت الناقدة بثينة شعبان من منهجي الزمن والموضوع دليلاً لتصنيف مادتها الضخمة، وهدفت إلى إعادة التوازن في مجال الرواية العربية، فظهرت في لغتها الثقة بالنفس، و وجدت أن الكاتبات في السبعينيات يكتبن بثقة محاولات إثبات الذات أو التشابه أو المساواة. (8)
وفي الحقيقة حاولت أن تجعل من خطاب المرأة خطاباً متجاوزاً الأزمة على المستويات كافة، فهو خطاب يتكلم على مطلق المرأة، ويضعها في موازنة مع الرجل على أساس أنهما طرفان متقابلان. إن من شأن الطرف الذي يرى نفسه مهيمناً أن ينتج خطاباً عنصرياً، حتى في خطاب المساواة هنالك تمايز بين طرفين. فطلب المساواة بين طرفين يفترض وجود طرف أدنى من طرف، ويبدو الرجل هو المركز.
ربما أوقعتها لغتها الحماسية في بعض المآخذ، لكن تبقى هذه الدراسة النقدية على الرغم من ذلك إضافة مهمة إلى الدراسات النقدية.
ويبقى لنا سؤال في مجال الحديث عن د.شعبان. فقد دافعت عن الرواية النسوية، وأكدت حضورها الفاعل، وتقدمها التاريخي على رواية الرجل فهل نستطيع القول إن د.شعبان قد تحولت إلى حارسة للنسائية، هل تحول نقد الرواية العربية إلى ثأر نسائي من حيف ذكوري؟ هل تمتلك المرأة شبكة لغوية مختلفة لممارسة النقد في مواجهة الناقد الرجل؟
مما لاشك فيه أن الناقدة لاتقيِّم إبداع المرأة الروائي من حيث هو تقييم جنس من كتب بل تحاول أن تعطي المرأة حقها في مجال العمل الروائي . فالنظرية النقدية النسائية تعنى بالتحليل الدقيق للنصوص الأدبية من وجهة نظر نسائية ....وكم تحتاج مكتبتنا العربية إلى كتاب نقدي مماثل يؤرخ لرواية الروائيين العرب من نشاتها إلى الوقت الحالي !!
- تجربة إيمان القاضي النقدية
تميزت تجربة المرأة النقدية في مجال نقد الرواية بتعددية المناهج النقدية بناءً على تعددية الكتابة النسائية، وعدم توحدها، فقد " تفرقت بهن السبل، ولم يلتقين على إطار نظري موحد للكتابة النسائية يجعل من المرأة محوراً له " (10)
وتميزت تجربة إيمان القاضي النقدية في كتابها (الرواية النسوية في بلاد الشام – السمات النفسية والفنية – 1950-1985). فقد تجاوزت التنظير للكتابة النسائية، وبدأت بالكلام على النقد الذي وجه للكتابة النسائية بعامة، وهو – برأيها – نقد لم يتتبع الرواية تتبعاً دقيقاً، فقد اتُّهمت الرواية بتمحورها حول الذات، وبأنها نتاج عاطفة أنثوية، وحددت هدف دراسة الرواية النسوية قائلة "فإذا ما درسنا الرواية النسوية أمكننا أن نتبين جانباً مهماً من الواقع الاجتماعي للمرأة." (11)
أما منهجها فيتمثل في دراسة السمات النفسية لرواية المرأة؛ لتكوين فهم أفضل لرواية المرأة ونظرتها لنفسها، وللرجل، ولعلاقتهما المتبادلة، ولاقتراحاتها الخاصة في كيفية رفض الواقع والثورة عليه. ومن العلاقة بين الموقف النفسي والموقف الفني تتكامل الدراسة.
وقد تناولت الرواية النسائية من زاوية الندية للرجل، فهي ترفض الواقع، وتتمرد عليه، فإذا بهدف الرواية النسائية الحديث عن ثنائية المرأة / الرجل وما ينتج منها فقط. فرصدت صورة المرأة، فوجدتها في المرأة السلفية، والانتقالية، والجديدة (12) ورصدت صورة الرجل فوجدتها في الرجل السلفي والنهضوي (13) ورأت أن مصطلح الأدب النسوي يعني فيما يعنيه معالجة مشكلات المرأة في المجتمع الذكوري (14) لكن إذا وصلت المرأة إلى حال انتهت فيها مشكلاتها مع الرجل فما مصير هذا المصطلح ؟!!
وقد تميزت دراستها باستيفاء دراسة النضج الفني، ودراسة تقنيات العمل الفني مع الدراسة النفسية. وحاولت أن تنظر إلى العمل نظرة مترفعة عن التحيز، فنظرت إلى الروايات النسائية نظرة موحدة من دون التفريط بالعمل الفني، وإن اقتضت الدراسة التفريق بين الجانب الفني والجانب النفسي. وربما يشعر القارىء أن الكاتبة تصور نماذج للمرأة تصورتها سلفاً، واضطرتها إلى تحديد الفصول على هذا الأساس.
وقد تجلى اهتمامها بتجربة المرأة الروائية، ومعاناتها، والاضطهاد اللاحق بها، فقد ظل - برأيها - هذا الأمر محور اهتمام المرأة الروائية على الرغم من توجه الرواية النسائية بعد النكسة إلى معالجة الهم العام. (15) فغدا الاهتمام بالموضوع النسائي لديها هو الظاهرة والبارزة في جميع الروايات المدروسة فنادراً مايكون بطل الرواية رجلاً .فهل يعقل ألا تهتم المرأة محورياً إلا بقضيتها وبعلاقتها بالرجل ؟!!
مما لاشك فيه أن المرأة أقدر على فهم المرأة من الرجل. فقد قالت سيمون دوبوفوار يوماً "نحن النساء نعرف خيراً من الرجال عالم المرأة ؛ لأننا مرتبطات الجذور به، ونحن أقدر على إدراك مامعنى أن يكون الكائن الإنساني امرأة " (16)
وتؤكد في مكان آخر أن المرأة هي المحور المهم في هذه الروايات (17) ويبدو أنها كانت المحور الوحيد في هذه الدراسة فقد تركز جهد المرأة الروائية على هموم المرأة – كما رأت- وتركز جهد الناقدة على البحث في هذا الهم .
وقد حاولت أن تكون حيادية في إطلاق أحكامها النقدية فتقول مثلاً (18): " وكان القارئ يقع على عدد كبير من المشاهد غير المقنعة، فيبدو التسرع والافتعال واضحين في تجسيد المشاهد، ورسم أفعال وانفعالات الشخصيات، وهناك أحداث مقحمة لاتنبثق من السياق الداخلي للنص، وأخرى مبهمة لايستطيع القارىء فهمها، ولا يجد لها تفسيراً."
لكنها تعود إلى لغة الانحياز إلى المرأة فترى أن هنالك بعض الأعمال المتفوقة التي تدل على نضج كاتباتهن وقدرتهن على الإبداع على الرغم من الملاحظات السابقة بشأن الروايات ذات البنية التقليدية.
وقد وجدت أن بعض الروائيات العربيات أسهمن في دفع الرواية العربية نحو النضج، والاستواء، والتعبير عن واقع الوطن العربي الحافل بالمتغيرات، والتعبير عن مجموعة الأوضاع الصعبة التي يعيشها إنسانه (19).
لكن الرواية النسائية العربية بعامة لم تحقق قفزة نوعية عالية للرواية العربية، وإن كانت قد تقدمت في مضامينها وبعض إنجازاتها الجمالية، فإنه ليس التقدم الكافي. وربما مضى وقت طويل على الرواية النسائية حتى تذهب عنها السمة التي تسمها، وتميزها من الرواية الذكرية، وهو الاهتمام بالموضوع النسائي. فهذا الأمر مرتبط بدرجة تطور المجتمع، وبلوغه مرحلة المساواة الحقة بين الرجل والمرأة في الحقوق والحياة الاجتماعية.
يحمد للناقدة أنها اتخذت من الشكل الفني أو الدراسة الفنية أساساً لدراسة العمل الروائي، وقد حاولت أن تطبق هذه المقولة على الأعمال الروائية النسائية، وربما كان اتساع دائرة البحث في الروايات وكثرة عدد الروايات المدروسة قد جعل الدراسة الفنية مقتضبة في بعض الأحيان على حساب سرد مضمون الرواية. فقد أشارت مثلاً إلى أن الروائية سحر خليفة قد استفادت من تقنية المونولوج والتداعي الحرّ، وكذلك فعلت إيملي نصر الله إذ استخدمت المونولوج والتداعي والارتداد (20) لكنها لم توضح جمالية هذا الاستخدام، وأثره في بناء الشخصية الروائية، وفي العمل الروائي بشكل عام. ومن جهة ثانية اعترفت الناقدة بخصوصية الكتابة النسائية من جهة المحتوى الناتج من اضطهاد المرأة في المجتمع، وأن الكتابة النسائية اصطلاح وقتي غير دائم (21) لكنها تتكىء في أفكارها هذه على مقولات النقد العربي العامة ومقولة حسام الخطيب بشكل خاص فمن أبرز ماقاله في هذا المجال: (22) " إلحاح الرواية النسوية الشديد على معالجة الوضع النوعي الخاص للمرأة منعزلاً عن قضايا المجتمع، والقبول بالمصير العام والاكتفاء بالاحتجاج السلبي، وانطلاق جميع الكاتبات من إشكالية ضرورة المساواة النظرية التامة في الحقوق والواجبات بين الرجل والمرأة ..."
عندما تنقد المرأة بلغة الرجل، وتعتمد على ما أتى به الرجل فإن ذات الناقدة المؤنثة تعمل ضد أنوثتها. ونستطيع القول: كلما كتبت المرأة بأنوثتها، وأصرت عليها ازدادت قوة. وهذه مشكلة في حد ذاتها يعالجها د.الغذامي في كتابه المرأة واللغة. فالمرأة تكتب بلغة ذكورية –هذا على مستوى اللغة- فهل تستطيع كسر هذا القيد الذكوري؟ وهل بلغت الذات المؤنثة لحظة الوعي الحقيقي بذاتها وبأنوثتها في مواجهة ذكورية اللغة، يقول الغذامي: (23) " وهل تستطيع المرأة أن تكتب وتمارس اللغة واللفظ فحل، وتظل مع هذا محتفظة بأنوثتها أم يلزمها أن تسترجل لكي تكتب وتمارس لغة الرجل."
لقد خرجت المرأة إلى النقد، وقد كانت هذه الساحة حكراً على الرجال مع أن للمرأة دوراً بسيطاً فيه في العصور الأدبية السابقة. فعندما تقرأ،وتنقد تكون مضطرة لأن تقرأ، وتنقد حسب شروط ماوضعه النقاد؛ لذلك لم تبدع الناقدة نموذجاً نقدياً خاصاً بها، فالنموذج الموجود أمامها نموذج ذكوري .
إن المعجم النسائي لايختلف في جوهره عن المعجم الذكوري، لكن في المعجم النسوي يجتمع المستوى الانفعالي والرمزي في لغة الناقدة ما يؤدي إلى تفاعل من نوع خاص. فتتكشف الدوافع الداخلية النسائية وتنطلق في صورة مختلفة عن الكتابة الذكورية.
- الناقدة هيام ضويحي والرواية النسائية السورية
قدمت الناقدة ضويحي دراسة أكاديمية تناولت فيها الأعمال المغمورة والمشهورة لروائيات سوريات. فبذلت جهداً في قراءة هذه الروايات، ورأت كغيرها أن الرواية النسائية السورية تأثرت بالتيارات الفكرية والسياسية التي كانت تموج بها الساحة العربية في السنوات الأربعين من سنة ( 1946 – 1985 ) .
يبدو جهد الناقدة د.ضويحي شبيهاً بجهد الناقدتين د.شعبان والقاضي من حيث جمع الروايات النسائية في دراسة واحدة. فلم تدرس هؤلاء الناقدات رواية نسائية بشكل مفصّل، ولم يسهبن في الكلام على جماليات الرواية الفنية، فأكثر الدراسات النقدية اعتمدت على جمع الروايات النسائية في دراسة واحدة، وكأنهن في هذه الحال يكرسن مفهوم أدب نسائي، وأدب ذكوري من دون أن يشعرن .
وقد أعطت الناقدة لدراستها شكلاً علمياً أكاديمياً، فقسمت الدراسة إلى فصول، وحاولت ألا يؤثر اتجاهها السياسي في أحكامها النقدية. فبعض النقاد أخذتهم الحمية السياسية، فأقاموا مقصلة للروايات عرضوا عليها رقاب اللاتي لاتتوافق آراؤهن ومواقفهن السياسية مع موقفه ورأيه، وبعضهم صنف الأدب تصنيفاً سياسياً لاأدبياً، فألغى حق الآخر في الاختلاف .
أما الناقدة ضويحي فقد كانت أقرب إلى الموضوعية، ابتعدت عن استعمال عبارات المدح والذم انسياقاً وراء الإنشائية الانفعالية، وابتعاداً عن إصدار الأحكام النقدية والأخلاقية على الروايات والروائيات اعتماداً على الانتماء الإيديولوجي والعصبية السياسية. فعندما تورد كلمات مثل طبقية، رجعية، يسارية تضيق مدلولاتها فتختصرها في زمن أو حدث أو شخص.
لكن دراستها اعتمدت على الأحكام الانطباعية، والأحكام المعيارية الجاهزة، فقد درست الروايات دراسة تاريخية مضمونية مجزأة، وعنت لها الرواية النسائية رواية مكتوبة بقلم أية امرأة. (24)
وما يؤخذ على هذه الناقدة أيضاً أنها لم تتناول ماقيل عن تلك الروايات، وعن تلك الروائيات من حكم نقدي، فلم تأخذ حكماً نقدياً لغيرها كي تناقشه، وتبين رأيها فيه. وحين تستشهد برأي ناقد ما توافقه الرأي(25) ما يعني أن أقوال النقاد مسلمات لديها .
ومن أمثلة أحكامها النقدية الجاهزة قولها إن لغة الكاتبات السوريات تميزت بعامة بالشاعرية والموسيقية ولم تستثن واحدة من الروائيات . (26)
ورأت أن نفَسَ الرجل طويل في الكتابة الروائية في حين أن سمة كتابة المرأة قصَرُ نَفَسها الأدبي، والانقطاع الفني السريع، وعدم الاستمرارية – باستثناء الروائيات المنتجات – ووجدت أن السبب يكمن في أن كل امرأة أفرغت في قصة واحدة نتاج تجربتها مع واقع عاشته في الداخل، ثم توقفت عن العطاء، أو أن محدودية التجربة في أدب المرأة ونمطيتها عند الجيل الأول من الكاتبات تعود إلى أن الأديبة تسدُّ في وجهها دروب التجربة المفتوحة أمام الرجل، ونظرة النقد إلى أدبها على أنه أدب لم ينضج بعد. (27)
والحقيقة أن السبب لايكمن فيما أوردت من دوافع، بل يكمن في كونها رأت أن كل محاولة لكتابة الرواية هي رواية فنية أدرجتها ضمن دراستها، فبعض الروايات المدروسة لاتحمل من القيمة الفنية ما يؤهلها لتكون مادة صالحة للنقد .
وها هي ذي تناقض نفسها فتقول إن الروائيات السوريات نجحن بفضل موهبتهن، وجهدهن الأدبي والفني وحماستهن في الإعلان عن أنفسهن أن يوجدن أدباً روائياً نسائياً على درجة من الفن والجمال (28)
وقد اتسعت في دائرة البحث وركزت على مضمون الروايات الأمر الذي جعل تحليل الجوانب الفنية في كل رواية أمراً مستحيلاً. ومثال ذلك تحليل شخصيات رواية كيان لكوليت خوري تقول: "فالتحليل لهذه الحركات معايش لحركتهم ومواقفهم وسلوكاتهم؛ لذلك هم رموز لمعان كبرى، والرصد فيها رصد وصفي من الداخل والخارج على السواء " (29)
لقد حاولت الناقدة جاهدة الإحاطة بالروايات النسوية في الفترة التي حددتها، فعرَّفت بروايات غير معروفة، وحاولت أن تكون حيادية في إطلاق أحكامها، فتحدثت عن سلبيات روايات المرحلة الأولى من حيث افتقارها عناصر التجديد في بناء الرواية، واعتمادها شكل سرد الرسائل، وعدم استفادتها من وسائل التصوير الفني بشكل كافٍ (30)
ونستطيع أن نسجل أخيراً ملاحظة حول النقد الانطباعي الذي انتهجته د.ضويحي، فهو نقد يشير إلى عوز في الآليات النقدية، ويهتم بالمضمون والمنحى الفكري على حساب الجانب الفني .
- ناقدات الرواية : المكانة والموقع
تحتل الرواية مكانة مرموقة بين فنون الأدب العربي المعاصر، ومع ذلك لايزال حجم الدراسات النقدية غير متناسب والمكانة التي تحتلها، ولعل مكانة الشعر العالية في نفوس العرب قد جعلت أغلبية النقاد يوجهون أقلامهم إليه؛ لذلك نجد أن من يسير في نقد الرواية يجد صعوبة تكمن في حجم المادة النقدية التي ستخضع للدراسة والتقويم. كما أن أغلب ناقدات الرواية يستمددن نظراتهن النقدية من مناهج نقدية متنوعة، فلكل ناقدة ثقافتها، وطريقة شعورها بحاجات عصرها ومجتمعها وإداركها مدى التطور الذي طرأ على عقلية الأمة .
ونلمس لدى ناقدات الرواية رغبة في التجديد. وفي الحقيقة إن التجديد في النقد النسائي تجديد ينبع من داخل النقد ومن داخل خطاب المرأة. لكن هذا النقد بحاجة إلى جهود أكبر فما تزال الدراسات النقدية الذكورية أكثر حجماً من الدراسات النسوية. (31)
لعل النقد النسائي جاء ليرفع من منزلة المرأة في المجتمع بوصفها روائية وناقدة. فلا عجب في تركيز المرأة في نقدها على مشكلاتها، وبذلك يصبح النقد النسائي تصويراً لحقيقة وجود المرأة في المجتمع العربي، الغاية منه ليس فقط إعادة الاعتبار للإبداع النسائي، بل تتجلى الغاية في البحث عن خصوصية نتاج المرأة وعلامات الأنوثة فيه؛ لتمييزها من علامات الذكورة.
وبعيداً عن المصطلحات التي تعيق حرية الإبداع، وتحاصر مفهوم الكتابة لانستطيع إنكار إنتاج نقدي نسائي يستحق التنويه والدراسة. وكم نحن بحاجة إلى رؤى نقدية واضحة وحرية للإبداع. فالجمال لايرى بعين واحدة، والغرض من النقد النسائي تحقيق الهدف من هذا النقد. وقد أحسنت ناقداتنا قراءة مجريات الأحداث والتطلع بصورة فعالة؛ للإسهام في الفعل الثقافي، والإنتاج الفكري .
كما أحسنت ناقداتنا قراءة النصوص لإتاحة رؤية ما لم ير، وبذلك أقامت علاقة متجددة مع الواقع، وروحاً متطلعة، ورغبت في الخروج من القوقعة الفكرية.
وربما كان من المفيد في هذا الميدان إنشاء دورية شهرية تعنى بالكتابة النسائية (رواية ونقداً ) وتعرّف بالروائيات والناقدات المعروفات والمغمورات والناشئات.
ليس للنقد النسائي الحالي كيان محدود وملامح ثابتة، لكن في جهود الناقدات الروائيات ما يبشر بهذا الكيان في المستقبل القريب . ففي مجال الرواية نجد أعمالاً أنثوية عالية المستوى من شأنها أن تعالج مشكلات المجتمع وقضاياه باقتدار. ومن ثم يمهد هذا الأمر لوجود نقد نسائي عربي رصين.
في الماضي هدفت المبدعات إلى تحقيق التساوي مع الفحول؛ لأن الفحولة هي الغاية الأسمى إبداعياً، واليوم تسعى الناقدة إلى تحقيق التكامل بضمانة الاختلاف وتأكيد الحضور .
إن ثمة مناهج نقدية نسوية لامنهجاً واحداً، وكتابات نسائية لاكتابة واحدة، والنقد – في النهاية- نقد، وهو فعل إنساني، المعيار الوحيد الذي يميزه الإبداع لاجنس المبدع .
- خاتمة
- كان خطاب المرأة النقدي غائباً، ومن حضوره الذي حل محل الغياب تظهر أهميته، وهو نقد مكمل لنقد الرجل، وليس مناقضاً له، ملتحم مع قضايا الواقع. لكنه يعاني شيئاً من التهكمية، ويحتاج إلى صوت المرأة الناتج من التجربة حتى يتسنى للرجل أن يسمعه. ففي النقد النسائي كتابات نسائية ناضجة من نساء أنارت مواهبهن النقدية الدراسة الأكاديمية.
- النقد النسائي نقد متأثر، يمرّ بمرحلة تجريبية، لايزال كثير من النقاد يعدّه طارئاً لغوياً . فقد ترسخت تقاليد النقد حسب أعراف الفحولة والذكورة، ووجدت الناقدة نفسها أمام ناقد رجل، عليها أن تثبت ذاتها أمامه، ولكن حسب النموذج الذكوري، وبناءً عليه. وتعني التجريبية أننا نتوقع دائماً وجود إضافات لدى الناقدة. فما من نقد يقول كل شيء، ويتسع لكل شيء. وبذلك تأتي لغة النقد مشحونة بحب الاكتشاف .
- يحتاج مصطلح النقد النسائي إلى إعادة نظر. فكلمة نسائي تعني أن لاوجود لتمايز بين ناقدة وأخرى، فهذا المصطلح يتقرر على العموم. فثمة مغايرة بين خطاب الذكورة وخطاب الأنوثة. وقد ظل النقد الذكوري طاغياً فترة طويلة حتى مدة قريبة، والنقد النسائي حاضر بغيره؛ لذلك يأتي الخطاب النسائي هادفاً إلى تحقيق التكامل بضمانة الاختلاف.
وقد ركزت أغلب ناقدات الرواية على نقد هذا المصطلح ووجدن أن الإبداع إبداع سواء أكان صادراً من رجل أم إمرأة. إن النقد النسوي نقد ملتزم يرفض التمييز بين الجنسين، لكن الحديث عن النقد النسائي هو تمييز واضح بينهما.
- اختارت الناقدة الخطاب السردي؛ لأنه أقدر على كشف الأصوات المتعددة، وأقرب إلى إيضاح معالم الاختلاف والتبدل والتنوع.
- تختلف المرأة في مجال نقد الرواية عن الرجل الناقد، ولها الحق في أن تدافع عن حق الاختلاف هذا، وتسهم في تعزيز نشاط القراءة النقدية.
- من الناقدات من امتلكت لغة تجمع الناحية الوظيفية والجمالية. فيكون النقد مفيداً وممتعاً في الآن نفسه. ومنهن من تغلب الموضوعية على نقدها، ومنهن من أنتجت نقداً تأثرياً تطغى عليه الأحكام الانفعالية .
- نقد المرأة أدبَ المرأة الروائي التقط الزوايا التي تلتفت إليها عين المرأة فقط. فقد أعطت المرأة الأديبة شخصياتِها النسائيةَََ مثالية رفيعة، فاصطدمن بالواقع .
- مالت لغة بعض الناقدات إلى الشعرية أحياناً، وتعاطفت مع المادة المنقودة، وهربت بعض الناقدات من النقد المجامل. وربما وجدنا شيئاً من هذا النقد لدى ناقدات المرحلة الأولى مثل الناقدة والأديبة وداد سكاكيني (32) فحين درست نتاج الأديب د. كاظم داغستاني أديب السيرة بدا نقدها تأثرياً انطباعياً إنشائياً متعاطفاً، ولغتها تميل إلى التحدث عن الإيجابيات، وتبتعد عن لغة النقد العلمي.
- ظنت بعض الناقدات النسويات أن مهمة النقد النسائي عرض مشكلة المرأة، ونسين أن هذا الموضوع ليس حكراً على المرأة. فقد عالجه النقاد بكم أكبر. فظهر لديهم الهم النسائي هماً محورياً تدور حوله الرواية والنقد والنسويين .
- جملت بعض ناقدات الرواية الروايات النسوية في دراسة واحدة. فكرسن مصطلح الأدب النسائي من غير أن يشعرن، وقلة من الناقدات أخذن رواية نسائية واحدة وفصّلن القول فيها.
- تواجه ناقدات الرواية، والنقد الروائي بعامة مشكلات منها: الأدوات المعرفية، والاطلاع على المناهج الحديثة النقدية، وقسر النصوص العربية لمصطلحات غريبة عن ثقافتنا. كما أن مفهوم النقد لايزال غائماً بين المجاملة والنقد العلمي .
- لن تكون نتائج الخطاب النسائي مجدية إلا إذا أولى عنايته إلى الأعمال الأدبية ذاتها؛ كي تتسع جدلية الإبداع والنقد. فتكمن جدوى النقد في ثنائية تكاملية هي ثنائية النقد ونقد النقد .
أخيراً: إن نقد الرواية، والنقد التطبيقي يعاني عدم وجود أساس حول نظرية نقدية عربية متكاملة تنبعث من خصوصية النص، وتعبر عن روحه. ولانزال نقتبس من الزاد الفكري الغربي، والمشكلة أن نبقى في إطار الاقتباس أبد الدهر
د. سمر الديوب
سورية- حمص- جامعة البعث
......................
الهوامش
1- الجمحي، محمد بن سلام:د.ت- طبقات فحول الشعراء – تحقيق محمود محمد شاكر – مطبعة المدني- القاهرة – ص 10 .
2- ستيمبسون، كاترين: 1989، حول النقد النسوي، ماهو النقد – ترجمة سلافة الحجاوي – دار الشؤون الثقافية العامة – بغداد – ص 236 .
3- ابن منظور: 1994، لسان العرب – ط3 – دار صادر – بيروت – مادة ضدد: الضدّ: الندّ والشبه .
4- ترى الناقدة بثينة شعبان أول رواية عربية هي رواية نسوية. وهي رواية حسن العواقب أو غادة الزهراء للكاتبة اللبنانية زينب فواز. نشرت عام 1899 . ينظر: شعبان، بثينة: مئة عام من الرواية النسوية العربية – منشورات دار الآداب – بيروت .
5- طرابيشي، جورج: 1963، الاستلاب في الرواية العربية النسائية – مجلة الآداب – السنة 11 – العدد 3 – ص 49 .
6- شعبان، د.بثينة : مئة عام من الرواية النسائية العربية، ص 13 .
7- نفسه: ص17 .
8- نفسه: ينظر الفصل السادس .
9- نفسه: الفصل الثالث .
10- شولتر، إلين: 1982، النقد النسائي في عالم الضياع – مجلة الثقافة العالمية – الكويت – المجلد الثاني – ص84 .
11- القاضي، إيمان: 1992، الرواية النسوية في بلاد الشام – السمات النفسية والفنية (1950 – 1985) – ط1 – دار الأهالي – دمشق – ص7 .
12- نفسه: ص57 – 130 .
13- نفسه: ص131 – 196 .
14- نفسه: ص10 .
15- نفسه: ص392 .
16- سيمون دوبوفوار والجنس الآخر: 1981، ط7 – ترجمة لجنة من أساتذة الجامعة – بيروت المكتبة الوطنية للطباعة والنشر – ص8 .
17- القاضي، إيمان : الرواية النسوية في بلاد الشام، ص397 .
18- نفسه:ص400
19- نفسه: ص403 .
20- نفسه: ص 271 .
21- نفسه: ص 10 .
22- الخطيب، حسام : 1976، حول الرواية النسائية في سوريا – مجلة المعرفة – العدد 169 – ص82 ومابعدها .
23- الغذامي، د.عبدالله: 1996، المرأة واللغة – ط1- المركز الثقافي العربي – الدار البيضاء – ص8 .
24- ضويحي، د.هيام : 1992، الرواية النسائية في سورية (1946 – 1985 ) – مطبعة العجلوني – دمشق – ص19 .
25- نفسه: ص20، تستشهد بكلام الناقد حسام الخطيب حول الرواية النسوية في سورية، وتأخذ رأياً نقدياً للناقد نفسه حول النرجسية الطاغية في الروايات، وتؤكده برأي نقدي للناقد عبدالله أبو هيف حول الأمر ذاته في ص 63-64 .
26- نفسه: ص 179 .
27- نفسه: ص 182 .
28- نفسه: ص 183
29- نفسه: ص 77 .
30- نفسه: ص 76 -77 .
31- ينظر: أبو هيف، د.عبدالله : 1996، مصادر دراسة المرأة والأدب في سورية – الموقف الأدبي – عدد 180 – ص45-47 . قدم معلومات إحصائية عن نتاج المرأة الأدبي من قصة وشعر ورواية، ورأى أن نتاج المرأة لايتعدى 18 % في أحسن الأحوال، وأن كتابتها على كتابة المرأة فقيرة .
32- سكاكيني، وداد: 1989، الدكتور كاظم الداغستاني أديب السيرة والحياة الثقافية – مجلة الموقف الأدبي – عدد2
تابع موضوعك على الفيس بوك وفي تويتر المثقف
............................
الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2226 الاربعاء 26/ 09 / 2012)