آراء

التأويلات المختلفة لتفسير أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 م (4)

محمود محمد علينعود في هذا المقال الرابع لحديثنا عن التأويلات المختلفة لتفسير أحداث الحادي عشر من سبتمبر، حيث نناقش هنا تلك الفرضية الثالثة القائلة: أن تنظيم القاعدة بالاشتراك مع المخابرات الأمريكية هما من أحدثا هجوم 11 سبتمبر 2001م ،وذلك علي النحو التالي :

وفي اعتقاد أصحاب هذه الفرضية، أن تنظيم القاعدة لا يستطيعون بمفردهم، أن ينفذوا هذه العملية بدون مساعدة أمريكية من الداخل، فمثلاً يذكر الكاتب الفرنسي "تييري ميسان " في كتابه " الخدعة المخيفة – قراءة ثانية لأحداث نيويورك"؛ حيث يطرح هذا الكتاب ثلاثة افتراضات:

الافتراض الأولي: إن الانفجارات التي أدت إلى انهيار مبنى برجي نيويورك وتدمير جزء من مبنى البنتاغون، لم يكن وراءها انتحاريين أجانب، بل من المرجح أن تكون من صنيع عناصر من الحكومة الأمريكية ذاتها، أي أنها دسيسة محلية يرجى بها تغيير وجهات النظر والتعجيل في مجرى الأحداث..

الافتراض الثاني : إن أحداث 11 سبتمبر لا يجب أن تتخذ كحصان طروادة، لتبرير الحرب على أفغانستان، إذ أن هذه الأخيرة تم التحضير لها مسبقاً بعون من البريطانيين. فلقد استند "بوش الابن" إلى مجموعات إنجيلية لشن حرب صليبية على الإسلام، في إطار الاستراتيجية المسماة " صراع الحضارات". أما "الحرب ضد الإرهاب"، فليست أكثر من حيلة يراد بها تقزيم الحريات الفردية في الولايات المتحدة والدول الحليفة مع وضع أسس الأنظمة العسكرية في البلدان هذه.

الا فتراض الثالث: إن أسامة بن لادن ليس سوى صناعة جهاز المخابرات الأمريكية، وهو لم يتوقف قط عن العمل لحساب هذا الجهاز، كما أن عائلتي بوش وأسامة بن لادن تجمعهما علاقات عمل وتعاون في إطار "مجموعة كارليل"، زد على ذلك أن قيادة حكومة البيت الأبيض غدت تحت أيدي زمرة من الصناعيين (الصناعة الحربية، النفطية، الصيدلية...إلخ)، الذين وضعوا مصالحهم الشخصية فوق كل اعتبار. ومن جانبه لم يتوان جهاز المخابرات الأمريكية (C.I.A) في تطوير برنامج تدخل أساسه التعذيب والاغتيالات السياسية.

ومن خلال تلك الفرضيات يطرح المؤلف عددا كبيراً من التساؤلات حول أنصار وأهداف هذه الانفجارات التي زعزعت النظام الجغرافي العالمي حسب العديد من المراقبين.

ومن هذه التساؤلات كيف يمكن لثلاث طائرات كبيرة من طراز البوينج الاصطدام ببنايات عالية، مثل توأم المركز التجاري في نيويورك، ويقع الاصطدام في المنتصف بالضبط؟! وكيف يمكن لها أن تصطدم بمبنى قصير مثل البنتاجون دون أن تظهر صورة للطائرة في الصورة الأولى التي نشرت مباشرة بعد الحادث؟!

ويلقي الكاتب تساؤلات حول تفسير اختفاء " ديك تشيني" نائب الرئيس الأمريكي والرئيس نفسه تحت مبرر حمايتهما من هجوم وشيك؟! ويتساءل الكاتب: هل يمكن للمرء أن يقتنع بأن نظام الرادار العسكري الأمريكي غير قادر على تحديد مكان طائرة بوينج موجودة في منطقة لا تتجاوز مساحتها بضع عشرات من الكيلومترات، وأن طائرة مدنية ضخمة يمكنها أن تخدع مقاتلي إف16، أرسلتا لاقتفاء أثرها ؟! وحتى لو استطاعت أن تتجاوز العقبة الأولى فكيف استطاعت أن تقترب من البنتاجون دون أن يمنعها النظام الأمنى السري الذي يحيط بوزارة الدفاع الأمريكية ؟! .

ويمضي الكاتب الفرنسي في تساؤلاته حول حقيقة اصطدام  طائرة بوينج بمبنى البنتاجون الذي يعتبر أكبر مبنى حكومي في العالم ؛ حيث يعمل فيه 23 ألف شخص ، ويمتد على مساحة 29 فداناً ويرتفع 24 مترا.. ويقول ميسان : إنه لكى يتم إلحاق أضرار بالمبنى يجب الاصطدام به من السطح، وليس من الواجهة كما حدث، ولكن الإرهابيين فضلوا الاصطدام به من الواجهة، فكيف استطاعت طائرة بتلك الضخامة، الطيران على ارتفاع منخفض دون أن تتلف أية منشآت في طريقها ؟! .

ويرجح الكاتب أن يكون انفجار البنتاجون قد وقع من الداخل وليس من الخارج ، ولكن تظل التساؤلات تحوم حول مصير الطائرة 77 التابعة لشركة أمريكان إيرلاينز، التى اختفت بالفعل في هذا اليوم ومصير ركابها؟! .

وحول انهيار برجي مركز التجارة العالمي يستبعد "تييري ميسان" التقارير الرسمية التى صدرت فيما بعد، والتي ترجع سبب الانهيار إلى الحرارة العالية الناجمة عن انفجار الوقود داخل الطائرة، مما أدي إلى إضعاف البنية المعدنية المركزية للمبنى، لقد استبعدت اتحادات المطافئ في نيويورك هذا التفسير، وأصدرت نشرة رسمية قالت فيها: إن البنية الأساسية للمبنى يمكن أن تتحمل حرارة النيران لمدة طويلة ، ولكن رجال المطافئ أكدوا سماع صوت انفجارات من أسفل المبنى ويطالبون بفتح تحقيق مستقل عن الحادث .

ويختتم المؤلف كتابه قائلاً : لقد وجهت الاتهامات إلى الإسلاميين ، وبالأخص إلى تنظيم القاعدة، ونشر مكتب التحقيقات الفيدرالية أسماء عدد من المتهمين السعوديين المفروض أنهم كانوا على الطائرة، ثم اكتشف فيما بعد أنهم أحياء يرزقون في بلادهم..!! .

ويتساءل المؤلف: كيف يمكن تخطيط عملية بكل هذه التعقيدات من كهف في أفغانستان ؟ وكيف يمكن لأسامة بن لادن تمويلها ، بينما كل حساباته مجمدة منذ عام 1998م غداة عملية نيروبي ودار السلام؟

كل هذه التساؤلات لا تقود إلا إلى أن التحقيقات التي تمت استهدفت التعتيم على وجود مسئولية أمريكية – أمريكية، ومن أجل تبرير العملية العسكرية التي ينوي الجهاز العسكري القيام بها في الخارج..!! .

ويشير المؤلف إلى أن هناك رسائل تحذيرية وفورية وجهت إلى المسئولين في إسرائيل وأمريكا من هجوم وشيك على نيويورك قبل ساعتين من وقوعه .. ويؤكد المؤلف أن الخونة موجودون في كل مكتب أجهزة المخابرات وعلى أعلى مستوي في أجهزة الدولة .!!  .

وينتهى المؤلف إلى القول :"  ليس ابن لادن عدواً لأمريكا بل هو عميل لها، (هذا رأي المؤلف) ومن جهة أخرى هو لم يقطع يوماً علاقته بعائلته التي تشكل شريكاً تجارياً أساسياً لعائلة بوش الأب، وذلك من خلال مجموعة كارليل -carlyle group، التي تدير الحسابات المالية لمجموعة "بن لادن" السعودية إذا كان صحيحاً ما يدعي العديد من الرسميين الأمريكيين أن عائلة ابن لادن مازالت على علاقة بأسامة، وأنها لم تكف يوماً عن تمويل نشاطاته السياسية، تكون مجموعة كارليل متورطة في جنح المطلعين لا محالة، ويكون بالتالي جورج بوش الأب أحد المستفيدين السعداء بحركة البورصة في الحادي عشر من سبتمبر، مما سيشكل سبباً قوياً يدفع مكتب التحقيقات الفيدرالي أو مكتب التحقيق الاتحادي (F. B. I)  إلى إقفال الشق المالي للتحقيقات)

نعود في هذا المقال للحديث عن  التأويلات المختلفة لتفسير أحداث الحادي عشر من سبتمبر ، حيث ذهب بعض الباحثين إلى أن" إيكهارت فرتباخ" الرئيس السابق للمخابرات الألمانية في مقابلة صحفية تمت ، عن رؤيته عما حدث في نيويورك وواشنطن، وتحليله لقدرة مجموعة صغيرة من تنظيم القاعدة التابع لأسامة بن لادن في صناعة هذه الأحداث الضخمة. استبعد أن يقوم بها أي تنظيم، بل في رأيه لا يمكن أن تنفذه إلا دول متقدمة ومتطورة، وقال "إن هجمات الحادي عشر من سبتمبر كانت تحتاج إلى سنوات من التخطيط وحجمها يبين أنها نتيجة لأعمال تنظمها دول" .

فالاختراق للولايات المتحدة بهذا الحجم الضخم، ليس من السهولة بمكان، وخاصة لتنظيم كتنظيم القاعدة، كما تدعي الولايات المتحدة وأجهزتها الأمنية، أو كما يدعي قادة القاعدة عبر أشرطة فيديو، تبث من قناة الجزيرة القطرية، فتنظيم القاعدة لا يضاهي لا في الشكل ولا في المضمون أجهزتها الأمنية، سواء أكان في الحجم، أو الإمكانات، أو القدرات المادية والتقنية وغيرها، فلا توجد مقارنة ولا بأي نسبة كانت .

إضافة أن الموقع الجغرافي للولايات المتحدة المطوق بالمحيطات، لا يسمح بهذا الاختراق السهل، وهذا الموقع المحصن جغرافياً، أفشل محاولات أعدائها من الدول العظمى في الحربين العالميتين الأولى والثانية من الوصول إلى برها. وطالما تغني الأمريكيون بالأمن من خلال موقعهم الجغرافي، الذي صعب حتى على هتلر اختراقه في الحرب العالمية الثانية، أو حتى الوصول إلى شواطئها، كان ولا زال سوراً أمنياً مانعاً، يحمي الولايات المتحدة من أي هجوم بري محتمل.

كما أن قواعدها العسكرية مزروعة في دول عدة على امتداد المعمورة، لا يسمح بحدوث ما حدث، إلا عبر تقنيات متقدمة جداً، وخدمات لوجستية ومخابراتية هائلة، سواء في داخل الولايات المتحدة وخارجها، حتى يتم تنفيذ عمليات بهذا الحجم الضخم، الذي حدث في الحادي عشر من سبتمبر.

وبما أن ما حدث في الحادي عشر من سبتمبر لا تستطيع القيام به أي دولة من الدول المتقدمة اليوم، والتي تناطح الولايات المتحدة بامتلاكها القدرات العسكرية، والاقتصادية، والمخابراتية، فكيف بـ"بن لادن" وإمكانياته المتواضعة، أمام الولايات المتحدة ومن خلفها الحلف الأطلسي بإمكاناته الهائلة، يقوم بهذا العمل دون غطاء داخلي، وتسهيلات من أجهزة الرصد الاستخباراتي للولايات المتحدة؟ .

وللدلالة على توفر غطاء مخابراتي من قبل أجهزة أمنية أمريكية وغيرها، أو من أجهزة استخباراتية دولية تعمل في الولايات المتحدة عدم استغلال عامل الزمن لمنع مسلسل الأحداث؛ حيث نرى أن فارقاً زمنياً بين الطائرتين اللتان اصطدمتا في مركز التجارة الدولية في نيويورك يزيد على ثلث الساعة، ووجود فترة زمنية ثانية، بين الطائرة الثانية التي صدمت برج مركز التجارة الدولية، وارتطام الطائرة الثالثة بالبنتاجون في واشنطن المحصن تحصيناً بالغاً .

فأين غابت تلك القوة الهائلة من القوات المسلحة والأجهزة الأمنية المكلفة برصد الخطر عن بلادها عن منع بقية الطائرات من التنفيذ بعد ارتطام الطائرة الأولى بمركز التجارة الدولية؟ وكيف لم تستغل القوات المسلحة والأمنية هذا الوقت في درء الخطر بعد الضربة الجوية الأولى؟ ولماذا ترك هذا الزمن لتنفيذ مخطط الجريمة؟ .

والسؤال الآخر الذي يخطر على البال، أين الصناديق السوداء لتلك الطائرات، التي قامت بضرب مركز التجارة العالمي والبنتاجون؟، فمن المعروف لدى الجميع أن تلك الصناديق لا تتأثر لا بحريق أو ماء بحر أو غيرها. لماذا لم يعلن عن وجودها؟ وما هي المعلومات التي احتوتها أشرطتها.؟ فحتى تاريخ هذا اليوم لم تعلن الولايات عن اكتشاف تلك الصناديق السوداء، بل لم تقل شيئاً!!. فما مصير تلك الصناديق؟ وأين هي الآن؟ ولماذا التكتم عليها من قبل الإدارة الأمريكية؟ .

إن ما حدث في الحادي عشر من سبتمبر في نيويورك وواشنطن، حسب كل الخبراء من عسكريين واستراتيجيين وباحثين في كل أنحاء العالم، يستغرق إعداده عدة سنوات. فكيف لم يكتشف خلال الإعداد له، الذي قدر بعدة سنوات؟ وكيف يكتشف بعد التنفيذ مباشرة وبساعات قليلة؟- حيث اتهمت الإدارة الأمريكية بعد ساعات من الحدث تنظيم القاعدة وزعيمه أسامة بن لادن، بالهجمات التي أصابت برجي مركز التجارة العالمي ووزارة الدفاع (البنتاجون) .

فالذي يتمكن من معرفة القائم بالعملية خلال ساعات، ويمتلك القدرة الدقيقة في معرفة الفاعل، وبسرعة مذهلة! أليس بالأحرى أن يكتشف عمليات التخطيط له، التي استغرقت سنوات؟.

أليس من الغريب أيضاً أن يطلب وزير الدفاع رامسفيلد من الإدارة العسكرية بعد خمس ساعات من الأحداث، وضع خطة لضرب العراق ، وكأن وزير الدفاع يترقب هذا الحدث، فيسرع بالاستفادة الفورية من نتائجه، فيضع جدولاً لتوظيف الحدث تنظيم القاعدة، وأفغانستان، ومن ثم  العراق!!  .

ولماذا أطلقت على دول معينة العراق، وإيران، وكوريا الشمالية دول محور الشر؟ وهؤلاء ليس لهم أية علاقة بين الحدث لا من قريب أو بعيد، كما نشرت السلطات الأمنية الأمريكية عن مرتكبي الحادث، إلا لنوايا مبيتة ومرسومة مسبقاً، ثم تختار سبع دول أخرى أسماها الرئيس الأمريكي بالدول المارقة وهي (العراق، وسوريا، وإيران، وليبيا، والسودان، وإيران، وكوبا، وكوريا الشمالية) بذريعة أنها تهدد الولايات المتحدة على زعمه، هل جاءت التسمية عبثاً أم لتصفية حسابات من دول نهجت نهجاً وطنياً مستقلاً غير تابع لها؟.

وعقب الحدث شنت وسائل الإعلام الغربية المشبوهة حملة على الإسلام، تتهمه بأنه مستودع يفرخ الإرهابيين، وبأنه يعلم اتباعه كراهية الغرب، وأنه خطر على ديمقراطية الغرب .

ولكن لمعرفة المجرم الحقيقي صانع الحدث، لا بد من العودة إلى بديهيات قانون اكتشاف الجرائم، الذي يقول (لمعرفة الجرائم إبحث عن المستفيد). فمن هو المستفيد من نتائج هذه الأحداث سوى الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني!!.؟ فالإسلام المتهم، لم يستفد منه، بل تمت محاصرته، وأخذت بلدانه على حين غره .

وقد فوجئت به كافة الدول الإسلامية بما فيها حكومة طالبان في أفغانستان، التي يتواجد فيها أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة، والمتابع لسير التداعيات العسكرية والسياسية بعد الأحداث، قد شاهد أن الاستغراب والاستنكار لما حدث، كان بادياً على جميع تلك الدول والمؤسسات الروحية والمدنية الإسلامية، لما جرى في نيويورك وواشنطن .

وهذا ينفي التهمة عن الإسلام والمسلمين، وإن كان تنظيم القاعدة بزعامة بن لادن تورط به، كما تدعي أشرطة قناة الجزيرة القطرية على لسان أسامة بن لادن وكبار تنظيم القاعدة، أو أشرطة بعض المنفذين، وحتى وإن كانت ملفقة، فالتقنيات الحديثة في علم الصوتيات والتصوير قادرة على خلق مثل هذه الأشرطة، فمن المؤكد أنه تم استغلال القاعدة لتنفيذ الحدث، سواء علمت، أو لم تعلم بهذا الاستغلال، وإنها كانت تقوم بهذا الحدث برعاية وتسهيلات ومراقبة أجهزة الأمن الأمريكي والصهيوني .

فالمستفيد هو الولايات المتحدة وفق معادلة قانون الربح والخسارة لدى الرأسماليين والتجار والحركات العنصرية وسياسي الغرب، فبالنسبة للولايات المتحدة الربح أكبر وأعظم من خسارة برجين وقسم من البنتاجون ؛ والمستفيد الرئيسي الثاني من الحدث إسرائيلي، فقد عادت لـه الأحداث بمكاسب كبيرة، سواء بتغطيتها للجرائم الهائلة، التي يرتكبها بحق الشعب العربي الفلسطيني وأرضه، أم في صرف أنظار الرأي العالمي عن هذه الجرائم. كما أتاحت لـه فرصة لصق تهمة الإرهاب بالمقاومة الفلسطينية.

إذن تنظيم القاعدة ليس لديه القدرة علي شن مثل هذه العمليات داخل أمريكا وأن أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة، ليس إلا أداة من أدوات الـ CIA التي ضخمت من قدراتهما لإقناع الرأي العام العالمي بانهم السبب المباشر وراء الحادث .

وللحديث بقية !

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

 

 

في المثقف اليوم