آراء

خطاب المرجعية إنصاف للمُحتجين وقهر للفاسدين

علي المرهجلطالما كانت المرجعية الدينية العليا في مقدمة من يوجه لهم النقد في حال خذلان الحكومة للشعب من كل الأطراف: الحكومية، أو الجماهير المؤيدة لتدخلها، أو الرافضة لهذا التدخل، وهي بين هذه النيران تحتسب، فهي بكلا الحالات مُتهمة، فإن صمتت قالوا أنها تخلت عن مسؤولياتها في النُصح والإرشاد، وإن طالبت الأطراف المتصارعة لاتخاذ خطوات عملية للإصلاح وتحاور الأطراف المُتنازعة، وطالبت بوجود أصحاب اختصاص مستقلين من الذين عُرفوا بالنزاهة للنظر في حال المجتمع ومساعدة الحكومة على اتخاذ خطوات عملية في مُحاربة الفساد قال البعض عنها من أطراف الحكومة أو الجماهير المُحتجة وهل نحن نعيش تحت ظل دولة (ولاية الفقيه) وأظنها حيرة ما بعدها حيرة!، ولكنها قالت قولتها وليجتهد من يجتهد في تأويل خطابها وأنا من بين هؤلاء، فلست من المؤيدين لتدخل رجل الدين في السياسة، ولكن طبيعة الحال في مجتمعنا وما آل إليه المآل، بعد أن (ضيعت الحكومة صول جعابها) أو بوصلتها، وبما أن أغلب المُتظاهرين هم من الذين يحترمون مقام المرجعية العليا، أجد أن لخطاب المرجعية تأثير في التهدئة وقبول لدى كل أطراف النزاع.

لا أظن أن الحكومة تستمع لتوصيات المرجعية وتسير على هديها كما يدعي رجالاتها، فلو كان الأمر كذلك لما أظهر خطاب المرجعية تململه من رتابة الاجراءات الحكومية نحو الإصلاح ومحاربة كبار الفاسدين.

سأوجز خطاب المرجعية الذي وضعته بفقرات أهمها: 

ـ مطالبتها السلطة بالتعجيل بعملية الإصلاح الذي راهنت عليه بوصفه ضرورة لا محيص عنها، فحذرت الحكومة بأن الاحتجاجات ستعود في وقت آخر بأشد وأوسع من هذا بكثير إن لم تتخذ خطوات عملية وسريعة لمعالجة الموقف.

ـ دعوتها للسلطات الثلاث لاتخاذ خطوات عملية واضحة في طريق الإصلاح الحقيقي، عبر العمل واتخاذ إجراءات واقعية يستشعر أهميتها وفاعليتها المواطن البسيط.

ـ تحذيرها الكتل الكبيرة من مغبة المحاصصة والبحث عن المكاسب الآنية للحزب أو الجماعة ودعتها للتخلي عن مصالحها الحزبية.

ـ مطالبتها السلطات القضائية والرقابية بتفعيل دورها بعملية الإصلاح الشاملة عبر عبر فتحها لملفات كبار الفاسدين ومحاسبتهم.

ـ تحميل الحكومة مسؤولية الخراب بسبب تهاونها في محاسبة الفادسدين الكبار من الذين تلاعبوا بأموال الدولة وأثروا على حساب المال العام. يعني باختصار دعوة المرجعية لتفعيل قانوان (من أين لك هذا؟). (يعني سياسي معارض جان ما عنده قمري صار بالسلطة صار ملياردير، وعنده هو وأهله وأهل أهله عدهم أرصده خيالية وشركات، إمنين جابها، من نضاله ـ مثلاً) (عمت عيني على الحُسين "ع" وإخرب بيتي على جيفارا "رض")! ماتا ميتة الشرفاء، ولم يرث أتباعهما سوى رثاؤهما والبكاء، ولا أقصد المُدَعين الأفاقين الذين يلهجون بإسم الثوار ليل نهار ويتباكون على الحُسين في الليل ويسرقون أموال الفقراء في وضح النهار!.

ـ تأكيدها على تشكيل لجنة تكنوقراط مستقلة من المعروفين بالكفاءة العالية والنزاهة التامة للتحقيق في الفساد على أن تُتاح لها الاتصال مع كل الأطراف الحكومية وغير الحكومية لا سيما المتظاهرين.

ـ برأت المرجعية نفسها (ومن حقها ذلك) لأن الحكومة لم تأخذ بتوصياتها المستمرة لمعالجة أحوال الفقراء والخريجين وأصحاب الشهادات بايجاد فرص عمل لهم، ولكن الحكومة تغافلت عن توصياتها لتدارك الأمور قبل فوات الأوان، فكان ما كان. (حكومة تُعرف طُرق التغليس والتدليس على وفق المثل القائل (أذن من طين وأذن من عجين)، يعني بحسب آي الذكر الحكيم: "صُمٌ بُكمٌ عُميٌ فهم لا يرجعون" لأنهم في "ظُلمات لا يبصُرون"، فهم صُمٌ عن الحق فلا يسمعونه "بُكمٌ"، ولا يرون طريق الهدُى وصلاح لأنهم "عُميٌ"، فقد "ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلال لا يُبصرون" (البقرة/179) "إولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مُهتدين" (البقرة/16) وهو تفسير لقوله تعالى في سورة البقرة: "صُمٌ بُكمٌ عُميٌ فهُم لا يرجعون" (البقرة/18) أو "صُمٌ بُكمٌ عُميٌ فهُم لا يعقلُون" (البقرة/171).

ـ رفضها لاستخدام العنف الحكومي ضد الحركات الاحتجاجية ومطالبتها للمحتجين بالتهدئة لانتظار خطوات الحكومة العملية.

يحمل خطاب المرجعية رسالة واضحة للحكومة بأنها فشلت في اتخاذ خطوات جادة للإصلاح، بل وحملتها مسؤولية الدم المراق للمتظاهرين، وإن كان في خطابها ألم لما آلت إليه الأمور، ولكنها طالبت الحكومة بأكثر من خطبة منذ تظاهرات البصرة أيام العبادي، ولكن الحكومة (منطيتها إذن الطرشة).

ما يُلفت النظر ويستحق التقدير في خطاب المرجعية أنها لم تُشكك بمصداقية مُطالبة المُحتجين والمتظاهرين، ولم تتهمهم بأنهم مدفوعون من جهات خارجية، بل حمل الخطاب بين طيَاته دفاعاً عن حقهم بالتظاهر وتقريعاً للحكومة على إفراطها باستخدام العُنف، بل ومطالبتها بمحاسبة قادة الأجهزة الأمنية الذين لم يلتزموا بتوجيهات القيادة العامة للقوات المُسلحة التي أكد رئيس الجمهورية أن لا أحد منه طُلب منه ردع المُحتجين بالرصاص الحي!.

لم يأت خطاب المرجعية على ذكر وجود جهة مُندسة اخترقت الأجهزة الأمنية، الأمر الذي يعني في حال الاعتراف بوجودها الاعتقاد بفشلها وعدم قدرتها على إدراة ملف أمني بمساحة لا تزيد على كيلو مترين، فالأولى مُحاسبة قادتها.

يحمل خطاب المرجعية تعاطفاً مع مطاليب الجماهير المُنتفضة، الأمر الذي يعني رفضها للغة التخوين للجماهير التي استخدمها بعض المسؤولين الأمنيين الذين توعدوا وعربدوا على أنهم يعرفون بحجم (المؤامرة) قبل أحداث 1/10، وكان خطابهم ممجوجاً ويدل على قصر وعيهم الأمني، فإن كان من يرأس أكبر جهاز أمني يعرف بوجود (مؤامرة) ولم يتخذ إجراءات لوقاية الدولة وحماية شباب التظاهرات الذي هم أم الأمة القادم، فهو آثم، وينبغي محاسبته ومحاسبة كل من له دراية بتبعاتها ويدعي نباهة!.

في ذات الوقت حمَل خطاب المرجعية مجلس النواب مسؤولية تقعاسه عن اقرار قوانين وتشريعات تُساعد الحكومة على التعجيل في برنامجها الحكومي، بل وفي عدم محاسبتها للحكومة باتخاذ خطوات عملية لتقليل البطالة وتشغيل الشباب العاطلين.

يحمل خطاب المرجعية بين طياته شعوراً بالحسرة والتألم من أفاعيل الأحزاب الكبيرة التي لم يرتق قادتها لمستوى الحدث والشعور بمسؤوليتهم التاريخية عن هذا الشعب، فكانوا ولا زالوا في واد وناخبيهم في واد آخر!، لتُخبرهم (المرجعية) أن (الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك) وهذه الاحتجاجات مؤشرات خطيرة أو ناقوس خطر يدق لتنبيهكم أنكم ذاهبون بالبلد إلى الدرك الأسفل، فتهادوا واستكينوا وخففوا الوطئ لأن أديم الأرض من أجساد أجداد هؤلاء الصبية والشبيبة سقتها دماؤهم، وهي بتحصيل الحاصل دماء أهليكم فتريثوا ولا تستهينوا بدمائهم لأنها سقتنا وسقتكم كرامة النفس وعزتها. إنهم ابناء المدن الفقيرة ومُدن العشوائيات إن كان يصح عليها الوصف بأنها مدُنٌ. إنهم أبناء الخايبات (أمهاتنا) الثكلى اللواتي تستحي أرض الرافدين من فرط عطائهنَ، فتريث أيها الجندي أو شرطي الأمن وتمعن وأنعم النظر في وجوه هؤلاء الصبية ستجد ملاحة وجوه أمهاتنا وطيبتهنَ التي من فرط شعورك بالخطر تناسيت ملامح وجوههن السمراء التي ولدننك وحملنك وصبرنَ على شقاوتك وتمردك مثل أخيك المتظاهر الذي لم تسطع لا أمي ولا أمك وقف اندفاعه وحماسته لأنه يروم العيش بكرامة، وأظن أنك لا ترتضي لنفسك ولا له أن يعيش بذلة (فهيهات منَا الذلة) تلك مقولة تربيتما عليها أنت وأخيك المُحتج الصادق في تضحيته بنفسه بعد أن لم يجد من يحتضنه لا أنا ولا أنت ولا "حكومة أبوية" تشعر بألمه وعوزه. (جا إذا أنت خويه العشت ضيمه ما تحس بيه منو يحس بيه أمريكا لو إسرائيل، لو دول الجوار، خويه (ما حك جلدك غير ظفرك) و(الظفر ما يطلع من اللحم) وهذا الشاب المُحتج هو ظفرك فدعه يحك بقايا الصدأ في حكومتنا لعلها تستفيق ولا تخليه يطلع عن طور الأمل بحياة أفضل تحت خيمة هذا الوطن الذي لا نستظل إلَا بظله، فساعده ولا تقتص منه، ولا إتكلي (مؤامرة) ولا أنفي وجودها، ولكن لا تجعل أخيك يقع في حبالها فتقتص منه، على قاعدة (الوقاية خير من العلاج)، وإن لم تستطع الوقاية فعليك تحمل الأذى إن كان في رفض الظلم والخروج على حاكم فاسد أشر تعدَه أذى، فاصبر على أخيك لدرء مفسدة أو فتنة ولو إلى حين على قاعدة (جلب المصالح ودرء المفاسد)، ففي كسب الشباب جلب للمصالح، وفي قتلهم وضربهم شر معلوم، وفي التجاوب معهم والتعاطف مع مطالبهم خير محتوم، فكيف تسنى لك ترك الخير واستبداله بالشر، ولا كسب لك فيه معروف، والقاعدة الفقهية تقول:"درء المفاسد مُقدم على جلب المصالح"!. ولا أظن أن فيما حصل في ردع المتظاهرين ما يُنبئ عن تطبيق واع لهذه القاعدة الفقهية. ولا أجد فيما حصل من رد فعل غير محسوب لكثير أو قليل من الأجهزة الأمنية على احتجاجات الجماهير سوى عمل غير مدروس كاد أن يؤدي إلى فتنة لولا وجود بقية حكمة مكنونة ظهرت بوادرها في خطاب رئيس البرلمان الشاب الذي داعب قلوب الشباب المتظاهرين واقترب من وجدانهم في تركه للتنظير وكتابة الخطاب، ليقول ما في قلبه كشاب قريب من طموحاتهم وآمالهم، وقد خفف بعض من غلوائهم، ولكنه ليس سلطة تنفيذية فما طرحه يبقى مقول للتخدير لا فعل للتغيير.

اعترفت المرجعية في خطابها بضعف السطات القضائية والرقابية في اتخاذ خطوات عملية في مُحاسبة كبار الفاسدين، فلو حاسبت هذه الجهات عدد قليل من رؤوس الفساد لما وصل الحال لما نحن عليه الآن.

ا. د. علي المرهج

 

في المثقف اليوم