آراء

ابو بكر خليفة: أسس وخطوات تحقيق المصالحة الحقيقية والعميقة والشاملة في ليبيا

بلا شك ولا ريب ولا جدال أن ليبيا شأنها في ذلك شأن كل الدول التي مرت بحروب أهلية قاسية ونزاعات إجتماعية عميقة ودورات متعاقبة من العنف، ولم تستطع تجاوز سنوات الجمر والألام إلا عبر بناء جسر مصالحة حقيقية وعميقة تجب ما قبلها، مصالحة شجاعة تسمو على الضغائن ويتجمع فيها الكل بلا إستثناء تحت مظلة الوطن .إن تحقيق المصالحة الحقيقية والعميقة والوطنية الشاملة في ليبيا يتطلب جهودًا كبيرة من جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك الحكومات والمجتمع المدني والقيادات السياسية والعسكرية والدينية والاجتماعية. وفيما يلي بعض الخطوات التي يمكن اتخاذها لتحقيق المصالحة الشاملة في ليبيا:

1- الحوار والتفاوض: يجب على جميع الأطراف المعنية الجلوس معًا للتفاوض على القضايا الحساسة والمتعلقة بالمصالحة الوطنية وتجاوز الخلافات التي تعيق السلام والاستقرار في البلاد. ويتطلب ذلك الاستماع لجميع  الأطراف ومحاولة فهم مواقفهم وتوجيههم نحو الحلول الوطنية.

2- العفو العام: يمكن تحقيق المصالحة الوطنية من خلال العفو العام، الذي يتيح للأطراف المتحاربة والمتنازعة فرصة لتجاوز الماضي والبدء من جديد في بناء مستقبل مشترك. ويجب أن يكون العفو العام مرتبطًا بتحقيق العدالة وتعويض الضحايا.

3- العدالة الانتقالية: يجب على الأطراف المعنية أن تعمل على إحداث تغيير جذري في نظام العدالة وتحقيق العدالة الانتقالية، والتي تهدف إلى معالجة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ارتكبتها الأطراف المتحاربة في الماضي، وتحديد مسؤولية الجناة ومحاسبتهم.

4- التعويض والإعادة وعودة المهجرين والنازحين: يجب على الأطراف المعنية العمل على تعويض الضحايا وإعادة الممتلكات التي تمت سرقتها أو تدميرها خلال النزاعات السابقة. ويمكن تحقيق ذلك من خلال توفير الدعم المالي والموارد اللازمة للضحايا وتطبيق قوانين الإعادة والتعويض. أيضاً يجب العمل على إتاحة الظروف وتهيئة الأوضاع لعودة النازحين عن مدنهم وقراهم إلى ديارهم ، وكذلك ضرورة تسهيل عودة المهجرين خارج الوطن إلى ليبيا.

5- الإصلاحات السياسية: يجب على الأطراف المعنية العمل على إحداث إصلاحات سياسية جذرية، من خلال تحقيق الديمقراطية والحكم الرشيد وإدارة البلاد بطريقة شفافة ومسؤولة، وتوفير الفرص الاقتصادية والاجتماعية لجميع المواطنين دون تمييز.

6- الدعم الدولي: يمكن للدول الأخرى أن تلعب دورًا مهمًا في تحقيق المصالحة الشاملة في ليبيا، من خلال تقديم الدعم السياسي والمالي والتقني للأطراف المعنية والمساعدة في تسهيل الحوار والتفاوض. كما يمكن للدول الأخرى تقديم الدعم للعدالة الانتقالية والإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تساعد في بناء مستقبل مشترك لليبيا، وذلك بعيداً عن التدخلات الخارجية غير العادلة وغير الحيادية والتي تنطوي على أغراض براغماتية ، والتي من بين أدواتها تأجيج النزاعات والحروب.

إن تحقيق المصالحة الوطنية الشاملة في ليبيا يتطلب الصبر والتفاني والتعاون من جميع الأطراف المعنية، وكذلك فإن تحقيق هذه المصالحة الشاملة ليس بالأمر الصعب فهناك تجارب مصالحة عالمية جرت في ظروف أسوأ من ذلك ،وقد يستغرق الأمر وقتًا طويلا تحقيق المصالحة الوطنية الشاملة بشكل كامل. والتي تتطلب أيضاً تضحيات وتنازلات، ولكن إذا تم تبني هذه الخطوات وإدراك الأهمية الحقيقية للمصالحة الشاملة، فإنه يمكن تحقيق الاستقرار والسلام الدائم في البلاد والحفاظ على وحدة الوطن وتعزيز النمو الاقتصادي والسلم الاجتماعي للشعب الليبي.

***

د.ابوبكر خليفة أبوبكر

كاتب راي وباحث وأكاديمي ليبي

في المثقف اليوم