آراء

محمود محمد علي: هل أصابت حماس أم أخطأت في عملية طوفان الاقصى؟

هل كانت حركة حماس تتوقع مآلات هجومها المباغت في السابع من أكتوبر  الماضي، على غلاف غزة، فاستعدّت جيداً للعواقب العسكرية والسياسية؟ وبشكل محدّد، هل وضعت في حساباتها فائض النجاح لـ"طوفان الأقصى" بما يترتّب عليه من ردّ إسرائيلي هائل أم فوجئت بالنتائج كما فوجئ العالم، ولم تحسب حسابه؟، وهل في تاريخ الأمم التي أُستعمرت وأُستغلت حساب بأي معيار في توازن القوى بينك وبين عدوك؟.

الحقيقة بعض الناس عندما يتحدثون عما فعلته المقاومة الفلسطينية في غزة في السابع من أكتوبر 2023 يدعي التعقل، حيث نجدهم يقولون بأنه عندما تخوض معركة ما لابد من أن تحسب حسابها، وحماس دخلت حرب دون تقدير لما يمكن أن يقوم به العدو، ومن ثم فإن إمكانات حماس لا تقارن بإمكانات اسرائيل .

بيد أن هذا لم يحدث في تاريخ أي أمة أن كانت المقاومة في ذات قوة العدو الذي يحتل البلد، ولكن ما يحدث هو أن اتصال المقاومة والصمود وتراكم الدم الذي يهزم السيف ما يحدث ينهك العدو المحتل، ويجعله يعيد التفكير هذا من ناحية ؛ ومن ناحية أخرى  من قال ان الدفاع عن القضايا المصيرية والجوهرية، ودفاع الشعوب عن حريتها واستقلالها، تقاس بالإمكانات المادية؛ وإلا لما وجدنا حركات تحرر او مقاومة في كل دول العالم؛ فكل المقاومين إمكاناتهم لا تقاس بإمكانات وعلاقات الدول.

ألم يكن لنا في رسول الله صلي الله عليه وسلم القدوة والعبرة، وذلك عندما قرر الحرب في معركة بدر أو أحد لم يحسب حجم امكانات وقدرات العدو؛ وإنما إيمان المسلمين بقضيتهم، وكذا خروج سيدنا الحسين عليه السلام وكل الاحرار في العالم، إذن الدفاع عن الحقوق والحريات لا يرتبط بالحسابات العقلانية؛ وانما شعارها التضحية والفداء.

أنا لا أُنكر أن الهجوم الذي قامت به حماس كان صادماً، بل مزلزلاً، فجاء الردّ الإسرائيلي بقسوة لامتناهية ضدّ أهل غزة، في عقاب جماعي، كان الاستعمار الأوروبي منذ ما سُمى بالاكتشافات الجغرافية في القرن الخامس عشر وما تلاه، يمارسه بشكل اعتيادي ضدّ الشعوب الأصلية المقهورة في آسيا وأفريقيا وأستراليا، كما في القارة الأميركية، أو العالم الجديد. بل إنّ الولايات المتحدة نفسها حشدت أسطولها في البحر المتوسط، دفاعاً عن إسرائيل، وعن حقها في الدفاع عن نفسها، بمعنى إبادة عدوها، من دون قيود ولا شروط. فكيف تُشخّص الطبيعة العملياتية لـ "طوفان الأقصى" لبناء الاستنتاجات المناسبة على المآلات التي تتعاقب أحداثاً ووقائع؟

ومنذ قيام العملية في السابع من تشرين الاول الى اليوم توضحت حقائق عدة منها أن قرار طوفان الاقصى أفرز الهوة  بين الشعوب العربية والاسلامية وحكامهم؛ فالحكام مع اسرائيل والشعوب مع القضية الفلسطينية، الأمر الذي يدفع حكام العرب الى ضرورة مراجعة سياساتهم وحتى بعض الدول الاسلامية التي تعلن نصرتها للقضية الفلسطينية مثل تركيا وايران  وماليزيا وإندونيسيا وغيرها من الدول والتي وقفت عاجزة عن تقديم الدعم للشعب الفلسطيني، لا بل البعض متهمة بتقديم مساعدات لإسرائيل، مثل تركيا، وإيران أعلنت رسميا تخليها عن فصائل المقاومة الفلسطينية.

علاوة علي أن طوفان الاقصى أعطى دفعة معنوية لفصائل المقاومة الفلسطينية فبقدرات بسيطة استطاعت الرد على إسرائيل وكسر هيبتها وفضح مخططاتها وتجاوزاتها على الشعب الفلسطيني، وامكانية اعتمادها على الشعوب العربية والاسلامية التي لم تخذلها، لا سيما  في ظل تطور وسائل الاعلام الرقمي.

ولهذا فإن العملية كسرت أسطورة القوة العسكرية الاسرائيلية، وإمكاناتها التكنلوجية،وجدارها العازل، وقبتها الحديدية، وجيشها الذي لا يقهر والمنتصر على الكثير من الجيوش العربية؛ بإذلال جنودهم وقدراتهم بإمكانات عسكرية بسيطة.

كذلك أعطت العملية انطباع للإسرائيليين؛ لاسيما المستوطنين منهم بان مستوطناتهم تقام على أرض مغتصبة،وأنها ممكن أن تزول بأي لحظة مما يدفهم لإعادة التفكير في وضعهم وحساباتهم، وأحدث انقساما غير مسبوق داخل المجتمعات الإسرائيلية.

إن العملية كشفت زيف المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الانسان والقانون الدولي الإنساني الذي يقف عاجزا عندما يتعلق الأمر بإسرائيل،وكشفت ازدواجية تعاملهم الإنساني فعندما أحتلت روسيا جزء من أوكرانيا تداعى الغرب كله بقضايا حقوق الإنسان وضرب البنية التحتية في أوكرانيا اما اليوم فإسرائيل تقصف وتقطع الماء والكهرباء وتقتل الاطفال والنساء وتحت مضلة الدفاع عن النفس

أخيراً، وربما كان العنصر الأهم في المعادلة، أنّ حماس حسبت حساب الردّ القاسي من جانب إسرائيل، فأسرت عدداً كبيراً واستثنائياً من العسكريين والمدنيين الإسرائيليين، ظنّاً منها أنّ يردع إسرائيل عن تدمير غزة على رؤوس ساكنيها، لكن حكومة نتانياهو فاجأت حماس باستعدادها قتل الأسرى مع الآسرين، وهو ما جرى حتى أثناء الاشتباكات في غلاف غزة، بحسب ما جاء في شهادات إسرائيليات ناجيات من القتل أو الأسر. بدأت إسرائيل حملة إبادة شاملة، واتخذت قراراً همجياً لا سابق له، بقتل كل أقرباء قيادات حماس؛ إذ تسكن العائلات في أحياء محدّدة في غزة جنباً إلى جنب بحسب ما هو معتاد، مما أدّى حتى الآن إلى قتل جماعي لأكثر من 50 عائلة حتى الساعة، وذلك لإجبار القيادات على الخروج من الأنفاق واغتيالها، بحسب المصدر المقرّب من حماس.

***

د. محمود محمد علي –كاتب مصري

..........................

المراجع:

1- أ. د. رشيد عمارة الزيدي: هل أخطات حماس في عملية طوفان الاقصى؟، مقال منشور ضمن المنتدي العراقي للنخب والكفاءات.

2- هشام عليوان: حماس أين أصابت وأين أخطأت؟، مثال منشور، الخميس 19 تشرين الأول 2023.

في المثقف اليوم