آراء

حلايب وشلاتين.. هوية مصرية خالصة (1)

محمود محمد عليما زلت دويلة قطر تصر علي تأجيج نار الفتنة وعدم الاستقرار للدولة المصرية، وقد اتضح لنا ذلك في ملفات كثيرة، ولكن ما نركز عليه هنا في هذا المقال ذلك اللقاء الذي أجرته "قناة الجزيرة مباشر أول أمس (بتاريخ 19/11/2019) " عندما استضافت الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان رئيس المجلس العسكري، عندما سأله المذيع أحمد طه".. بما أن سيادتكم تتحدثون عن مصر فهل تواصلتم سيادتكم لأي شئ بخصوص بشأن حلايب وشلاتين .. وأجاب الفريق قائلاً: لم نتطرق لهذا الأمر حتي الآن .. ثم يسأله المذيع: كيف تري سيادتكم هذا الملف ... فقال الفريق: هذه القضية يوجد كثير من الإجراءات التي يعمل السودان عليها، كما أن هذه القضية قضية شغلت الرأي العام السوداني لفترة طويلة والرأي العام الإقليمي، إننا حتي الآن لم نتطرق إليها، حتما قضية ستظل قائمة.. ثم سألة المذيع مرة أخري: حلايب وشلاتين: مصرية أم سودانية.. وأجاب الفريق: سودانية طبعاً... ثم سأله المذيع: هل ستعملون علي إرجاعها من مصر؛ خاصة وأن مصر ستقول بعكس ذلك، وهي تسيطر علي حلايب وشلاتين.. وأجاب الفريق: نحن والمصريون إخوة ونستطيع أن نصل إلي توافق في هذا ...الخ ".

ولم تكتف قناة الجزيرة بذلك، بل حاولت بين آناً وآخر أن تربط موضوع جزيرتي حلايب وشلاتين بجزيرتي تيران وصنافير، والحقيقة أنه لا وجه للمقارنة بين الأثنين علي الإطلاق، فحلايب وشلاتين هي أرض مصرية داخل حدود مصر وتتبع مصر منذ الأزل، فالرئيس محمد مرسي حين كان رئيسا لمصر كان يريد أن يهب حلايب وشلاتين للسودان تحت إطار الإخوة الإسلامية باعتبار أن محمد مرسي كواحد من دعاة الإخوان المسلمين يدعو إلي فكرة الأمة الإسلامية وليس الوطن المصري، وهذا عبث للحدود وبالتاريخ شأنه في ذلك حين أراد محمد مرسي أن يتنازل عن 40 % من مساحة العريش لحساب دولة غزة الكبري لمصلحة إسرائيل وقيل وقتها أن مرسي حصل من الخزانة الأمريكية علي 8 مليار دولار من أوباما وعندما لم يتم الأمر فتم استجواب لأوباما في مجلس الشيوخ وقتها، ومرسي حصل علي الـ 8 مليار ولم يضعها في خزينة الدولة المصرية، وإنما وضعها في حسابات الإخوان المسلمين .

إذا نظرنا للوثائق والمعلومات والموجودة في مجلس الوزراء المصري نجد أنها تؤيد بأن مثلث حلايب وشلاتين مصرية بالتاريخ والجغرافيا وبالتالي علينا أن نظهر تلك الوثائق لأن هذا حق واجب، خاصة وأن قضية حلايب وشلاتين تمثل أمن قومي مصري لا يجب العبث به، ولذلك فإن الوقائع التاريخية تؤكد بأن شلاتين وحلايب أرض مصرية وبالتالي تخضع للسيادة المصرية.

بيد أن الاحتلال البريطاني المتزامن في مصر والسودان، هو الذي أدى إلى تعيين الخط الحدودي الفاصل بين البلدين، وكان ذلك عملاً من نتاج الفكر الاستعماري البريطاني الذي كان يترقب لحظة تفكيك أملاك الدولة العثمانية، حيث وقَّعت اتفاقية السودان بين مصر وبريطانيا في 19 يناير 1899.

وتُعد حلايب وشلاتين وأبو رماد بوابة مصر الجنوبية للسودان ودول إفريقيا، ويطلق عليها "منطقة المثلث"، وذلك لتثلث أضلاعها، فهي تمتد من نقطة على ساحل قرب بئر الشلاتين وتتجه جنوب غرب لمسافة 58 كم حتى تصل إلى بئر منيجة، ثم تمتد شمال غرب لمسافة 28 كم حتى تصل إلى جبل تجروب، والمنطقة على شكل مثلث متساوي الساقين قاعدته تبلغ نحو 300 كيلو متر، مع خط عرض 22 درجة شمالاً، وطول كل من ضلعيه الشرقي البحري والغربي الصحراوي 200 كيلو متر، ويشغل مثلث حلايب رقعة جغرافية متميزة، ويبعد عن القاهرة بنحو 1600 كيلو متر.

وتقع "مثلث حلايب" في أقصى الجزء الجنوبي الشرقي من الصحراء الشرقية، وتقدر المساحة الكلية لمنطقة المثلث بنحو 20,580 ألف كم مربع، تمثل نحو 14% من إجمالي مساحة محافظة البحر الأحمر، والتي تبلغ 120 ألف كيلو متر مربع. وتتمتع منطقة مثلث حلايب وشلاتين بمقومات سياحية، حيث تمتلك شاطئا بطول 103 كيلو مترات، والذي يُعد من أجمل الشواطئ المصرية على البحر الأحمر، ومن ذلك سحر الطبيعية من خلال السياحة السفاري فوق الجبال، حيث تضم المنطقة جزءً من محميتي "وادي الجمال، وحبل علبة"، فيعتبران من أكبر محميات مصر. لذلك قامت الحكومة المصرية، بتنمية المنطقة من خلال خطة شاملة في عام 2014، حيث بلغت اعتماداتها 746 مليون جنيه، وفقاً لتعليمات الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي شدد على ضرورة استكمال مشروعات البينة الأساسية لتلك المنطقة.

والسؤال الآن: لماذا تصر قطر من خلال قناة الجزيرة أن تفتح ملف حلايب وشلاتين مرة أخري، وأن تبرز فكرة أن هناك نزاعاً شديداً بين مصر والسودان؟ ليس هذا فقط بل تحاول أن تربط بين حالة "تيران وصنافير" وبين شلاتين وحلايب، بأنه على غرار تقسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، واعتبار جزيرتي "تيران وصنافير" سعوديتين، وبالتالي حلايب وشلاتين سودانيتين؟

وللإجابة علي ذلك نقول: إن دويلة قطر لم تأخذ في الاعتبار أن الحدود المصرية - السودانية تمتد على شكل خط مستقيم، وهو خط عرض 22 شمالاً من العوينات حتى ساحل البحر الأحمر، وتحدد هذا الخط وفقاً لاتفاقية 1899، ويبلغ طوله 1280 كلم، ووفقاً لهذا الخط، فإن حلايب وشلاتين مصرية، وتدخل ضمن الحدود المصرية، ولم يقرأ الرئيس السوداني المعزول حسن البشير التاريخ والجغرافيا جيدا فلجأ في 1992 أيام الرئيس حسني مبارك إلي الجلوس للتفاوض المباشر لحل قضية حلايب وشلاتين ولكنه لم يجد استجابة، ثم لجأ في 2017 إلى التحكيم الدولي امتثالا للقوانين والمواثيق الدولية، وهنا جاء الرد المصري مقتضباً على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية "أحمد أبو زيد"، في بيان صحفي: "حلايب وشلاتين أرض مصرية تخضع للسيادة المصرية، وليس لدى مصر تعليق إضافي على بيان الخارجية السودانية".

وكما قلت من قبل إذا نظرنا للوثائق والمعلومات والموجودة في مجلس الوزراء المصري، نجد أنها تؤيد بأن منطقة حلايب وشلاتين مصرية بالتاريخ والجغرافيا، والدليل علي ذلك هو أنه لم تكن هناك دولة تسمي السودان قبل 1821 وهو العام الذي انضمت فيه السودان للأراضي المصرية، وهنا أود أن أشير إلي ما ذكره الدكتور "عبدالله عبدالرازق إبراهيم"، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، فى الندوة تحت عنوان "الجذور التاريخية للحدود السياسية بين مصر والسودان"، حيث قال: إنه بدأ اهتمام مصر بالجنوب فى العصر الحديث، بعد تولى "محمد على" باشا السلطة عام 1805، وتوسعه إلى الجنوب لكشف منابع النيل فى الجنوب، وكانت رحلاته فى 1822، وتأسيس مدينة الخرطوم بداية اهتمام وإلى مصر بجنوب وادى النيل، وظلت هذه السياسة تتوسع تدريجياً وتنتقل من إقليم لآخر، حتى نجح إسماعيل باشا فى تأسيس إمبراطورية كبرى فى قلب أفريقيا، وسيطر على أوغندا، كما توسع شرقاً ووصل إلى مقديشو بالصومال.

وكان هذا التوسع المصري من العوامل التى أزعجت بريطانيا، والتى رسمت سياستها فى أوائل القرن التاسع عشر على التوسع فى أعالي النيل ومنع أية دولة من الاقتراب من هذه المناطق، حتى يتسنى لها مد خط السكك الحديدية من شمال القارة إلى جنوبها، فيما أطلق عليه خط حديد الكيب- القاهرة. وفى المقابل سجل البريطانيون أول وجود لهم على الساحل الشرقي لأفريقيا، عندما حاصرت وحدة بريطانية سواحل الصومال فى الفترة من 1825 حتى 1833 بسبب قيام بعض البرابرة بالاعتداء على بحارة الباخرة الأمريكية مارى أن، ونظراً لأهمية موقع عدن فقد احتلتها عام 1839 لاستخدامها كمحطة لتموين السفن، وأيضاً لحماية الطرق المؤدية إلى الهند، وحاولت بريطانيا إحكام قبضتها على النيل، واعتمدت على إيطاليا حتى تتفرغ من مشكلات الاحتلال البريطانى لمصر عام 1882، لكن إيطاليا انهزمت فى معركة عدوة 1869 أمام الأحباش، وانهارت كل آمال بريطانيا بعد أن بدأ التقارب بين إمبراطور الحبشة "منليك"، من خلال حملات فرنسية وحبشية من الشرق والغرب، ونجح الفرنسيون فى الوصول إلى أعالى النيل، ورفع مارشان العلم الفرنسى على قرية فاشودة، وأسرعت بريطانيا بإرسال قواتها نحو دنقلة لتخفيف الضغط على الإيطاليين.

وفى نفس الوقت تقدمت القوات المصرية حتى تم القضاء على الدولة المهدية فى معركة جديد فى نوفمبر 1899، ورفع كتشنر العلم المصري إلى جانب العلم الفرنسى، وأعلن أنه جاء لاسترداد أراضى الخديوى، وكادت أن تحدث مشكلة بين كتشنر ومارشان، لكن صدرت تعليمات بانسحاب مارشان، وعاد كتشنر ليرفع العلم البريطانى إلى جانب العلم المصرى، إيذاناً ببدء الحكم الثنائى للسودان عام 1899، وتم توقيع اتفاقية الحكم الثنائى بين بريطانيا ومصر، باعتبارهما حاكمى السودان فى هذا الوقت، لكن نظراً لأن القبائل الرعوية فى شمال شرق السودان وجنوب شرق مصر كانت ولا تزال ذات حركة مستمرة بحثاً عن الماء والكلأ فقد تم تقديم بعض التسهيلات الإدارية لتخفيف قيود الحركة والتنقل لهذه القبائل الرعوية.

وكان السودان قبل أن تبسط السيادة المصرية عليها عبارة عن ممالك متناحرة مثل مملكة تقلي والفونج ومملكة دار فور والغوار حتي استطاع محمد علي باشا جمع شتات هذه الممالك وحقن دماء شعوبها، وأنشأ مدينة الخرطوم وميناء "كسلا"، وتمكن من نشر الإسلام في ربوع السودان، ومنذ ذلك الحين أصبح السودان جزءً من الدولة المصرية يتم الصرف عليه من الخزانة المصرية حتي عام 1881 عندما اندلعت الثورة المهدية في السودان، وهي تلك الثورة التي تزعمها "محمد أحمد المهدي"، واضطرت للأسف الحكومة المصرية إلي سحب الجيش المصري من السودان تحت ضغط من إنجلترا التي تمكنت من احتلال مصر في عام 1882، ولم يكن أمام الدولة المصرية في ظل الاحتلال الإنجليزي إلا الانسحاب من الأراضي السودانية مؤقتاً، وقد أدى انسحاب مصر من السودان إلى تكالب الدول الأوروبية على ملحقات السودان في اريتريا والصومال وبحر الغزال وخط الاستواء وأوغندة، التي كانت تخضع جميعها لمصر، لذا قررت بريطانيا - حرصاً على مصالحها - استرجاع السودان، وهو ما تحقق بالفعل من خلال الحملة العسكرية (المصرية - البريطانية) المشتركة على السودان التي استمرت من 1896 الي 1898 .... وللحديث بقية!!

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

 

في المثقف اليوم