آراء

كيف انقلب الشعب المصري على جماعة الإخوان المسلمين (1)

محمود محمد عليبعد مرور عشرة أشهر على حكم الرئيس مرسي، تأسست "حركة تمرد " في 26 أبريل 2013 بهدف جمع توقيعات المصريين لسحب الثقة من الرئيس محمد مرسي وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة .وأعلنت الحركة عن جمع 22 مليون توقيع لسحب الثقة من محمد مرسي، ودعت هؤلاء الموقعين للتظاهر يوم 30 يونيو .وقد تجاهل الرئيس هذه التوقيعات ورفض إجراء الانتخابات المبكرة واصفا إياها بالمطالب العبثية، وفي المقابل، رفضت المعارضة دعوة الرئيس للحوار، وتشكيل لجنة لتعديل الدستور والمصالحة الوطنية، وذلك في خطاب امتد لساعتين ونصف.

وهنا انطلقت جموع الشعب المصري من كل ربوع مصر، في مسيرات ضخمة منذ الصباح الباكر ليوم 30 يونيو، ولم تمنعهم أزمة الوقود المفتعلة منذ عشرة أيام من الخروج في مسيرات من الاحياء المصرية سيرا على الأقدام لكيلومترات إلى ميدان التحرير، وأمام قصر الاتحادية ووزارة الدفاع، ومثلها في ميادين الاسكندرية، ومحافظات الصعيد ومدن القناة وريف مصر.

وقبل الموعد المحدد بساعات للتظاهرات، والذي حدد في تمام الساعة الخامسة، عصر ذلك اليوم امتلأت كل الميادين بجموع الشعب المصري العظيم،والذي خرج من فج عميق في مشهد تاريخي لم يسبق له مثيل معلنة عن بداية سقوط الطاغية ونهاية حكم الإخوان المسلمين، ظلت هذه الجموع والتى قدرت ما بين ثلاثين إلي أربعين مليون مصري، طبقا لإحصائيات وكاللات الأنباء العالمية والقنوات الفضائية المحلية والدولية حتى الساعات الأولي من صباح اليوم التالي تنشد وتغنى الألم والحسرة على ما تعرضت له البلاد من مخاطر تهدد الأمن القومي المصري، وما آلت إليه الأوضاع  الاقتصادية والاجتماعية من انهيار تام في شتى مجالات الحياة . وفي مشهد تاريخي تلقي طائرات الهليوكبتر العسكرية بالأعلام المصرية الفوسفورية على جموع الشعب المصري المتظاهرين في ميدان التحرير، وأمام قصر الاتحادية في رسالة من القوات المسلحة المصرية للشعب المصري ـ تعلن تفهمها للمطالب المشروعة للشعب المصري.

ويمكن القول من دون أدنى مبالغة أن الخروج الشعبي الكبير من المصريين إلى الميادين والشوارع استجابة لحركة «تمرد» في 30 يونيو لإسقاط حكم «الإخوان»، حدث تاريخي نادر ليس له سابقة في التاريخ المصري الحديث، بل إنه – كما عبر عديد من المراقبين الغربيين - ليس له سابقة في تاريخ العالم.

فلقد خرجت الملايين بعد أن تم توقيع أفرادها الموثق على استمارة حركة «تمرد»، والهدف كان محدداً وهو إسقاط حكم «الإخوان المسلمين» المستبد الذي عصف بالحريات السياسية، ومارس القمع المنظم للأحزاب السياسية المعارضة، ودخل في عداء مع مؤسسات الدولة الأساسية، وفي مقدمها القوات المسلحة والقضاء والإعلام والرموز الثقافية والفنية. وقد بادرت القوات المسلحة المصرية لدعم الإرادة الشعبية بعد أن كانت أصدرت تحذيراً للدكتور محمد مرسي بأن عليه أن يحاول التوافق السياسي خلال أسبوع مع قوى المعارضة، وتحذير آخر مدته ثماني وأربعون ساعة، ولم يتحرك إلى أن وقعت الواقعة في 30 يونيو.

إن خروج فئات متنوعة من الشارع ومساندة القوات المسلحة لها جاء دليلا على تعثر حكم الإخوان، وإثارته السخط لدي قطاعات عريضة ربما لم يستفزها حتى فساد نظام مبارك ولا يغيب عن المشهد الحشد المؤيد لحكم مرسي وقتها منذ أحداث الجمعة 28 يونيو في ميدانى رابعة العدوية والنهضة، غير أن تركيز الإخوان على مركزية الحشد في مقابل انتشار المعارضين أضعف من تكتيكات الإخوان في إجهاض 30 يونيو.

كما أن تعامل الرئيس مرسي الذي استخف بالمعارضين واعتبرهم مجرد ثورة مضادة للفلول أسهم في عدم قدرته على إدارة الأزمة، وبدا ذلك في خطابات مرسي الذي اكتفي بتوجيه اتهامات، وتفسير التظاهرات على أنها مجرد مؤامرة . في الوقت نفسه غلب علي جماعة الإخوان حالة الإنكار وربما الصدمة التى سببتها ضخامة الحشود وراديكالية مطالبها، فضلا عن حالات العنف التى وجهت لمقار الجماعة وحزب الحرية والعدالة.

لقد دفع الرد السلبي لمؤسسة الرئاسة على احتجاجات 30 يونيو المؤسسة العسكرية غلى التحرك بإعلانها في بيانها يوم 1 يوليو إمهالها جميع الأطراف 48 ساعة للاستجابة لمطالب المتظاهرين في إطار حمايتها للشرعية الشعبية . وهو ما كان يعنى ضمنا تنحي مرسي عن الرئاسة بطريقة أو بأخري . ومع اقتراب مهلة المؤسسة العسكرية من الانتهاء، واستمرار التظاهرات الرافضة لحكم الإخوان، ودفع الجماعة بمؤيديها يوم 2 يوليو إلي الشارع، وجاءت كلمة الرئيس ليؤكد فيها تمسكه بالشرعية الانتخابية، ورفضه إنذار الجيش ن، بل وتلويحه بالعنف ضد الرافضين للشرعية، وهو ما دفع الوضع إلى التأزم مع وجود عنف متبادل، وسقوط قتلي وجرحي، فاستبقت القوات المسلحة انتهاء المهلة باجتماعها بالقوي الوطنية والسياسية والأزهر لتتخذ قرارات 3 يوليو التى أسست لمرحلة جديدة. وللحديث بقية!

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

 

في المثقف اليوم