آراء

الأبعاد الحقيقية لصفقة القرن الصهيو- أمريكية (1)

محمود محمد عليالأسس والمنطلقات

عندما تم تنصيب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة فى العشرين من يناير 2017، تعهدت إدارته بعرض رؤيتها للسلام فى الشرق الأوسط خلال أشهر قليلة، إلا أنه وبعد مرور عامين ونصف العام، لم تخرج الصفقة للعلن، ولم تعرف تفاصيلها فى صورة خطة مكتوبة، حتي أن البعض شكك فى طرحها بعد ذلك بسبب حلول موسم الانتخابات الرئاسية فى الولايات المتحدة والتى تعقب الانتهاء من تشكيل حكومة إسرائيلية جديدة، إذ تبدأ الانتخابات التمهيدية فى ولاية آيوا فى بداية شهر فبراير من نفس العام.

وفى العام الماضي وبالتحديد فى إبريل 2019، أكد الكاتب المصري الدكتور عبد المنعم سعيد أن «خرائط صفقة القرن أكثر كلام فارغ سمعته فى حياتى»، وخلال أقل من سنة جاءت رياح التطورات فى المنطقة لتثبت أن الرجل ربما، أو من المؤكد بعيداً عن هذا التعبيرات المهذبة، جانبه الصواب فى النظر للأمر أو أنه كان يفكر بمنطق التمنى؛ حيث إنه في خلال شهري مايو ويونيو من نفس السنة بدأت أول ملامح صفقة القرن بالظهور بشكل جلي عندما أعلنت إدارة ترامب عزمها عقد ورشة اقتصادية في البحرين تهدف لدعم مشاريع إعمار المناطق الفلسطينية، واصفة هذا الإعلان بأنه يمثل الخطوة الأولى لتمرير صفقة القرن.

إلي أن فوجئنا في مساء الثلاثاء الماضي وعلي شاشات التلفزيون خروج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال مؤتمر صحفي في البيت الأبيض، وبحضور رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو، معلناً عن خطته الموعودة لتحقيق السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين والتي تعرف بصفقة القرن؛ وتضمن الخطة استمرار السيطرة الاسرائيلية على معظم الضفة الغربية التي احتلتها اسرائيل عام 1967، وضم الكتل الاستيطانية الضخمة في الضفة الغربية إلى دولة إسرائيل وبقاء مدينة القدس موحدة وتحت السيادة الاسرائيلية.

وتعهدت اسرائيل بالحد من النشاط الاستيطاني في الضفة الغربية لمدة أربع سنوات وهي الفترة الممنوحة للجانب الفلسطيني كي يقر بالدخول في مفاوضات مع الجانب الاسرائيلي لتطبيق الخطة؛ وهنا علق ترامب علي ذلك، قائلاً أن "إسرائيل تتخذ اليوم خطوة كبيرة نحو السلام"، متوجهاً بالشكر لكل من الإمارات وعُمان والبحرين على مشاركتهم في هذا الإعلان.. وأن خطة السلام في الشرق الأوسط تقدم حل الدولتين واقعيا، مضيفا أن الدولة الفلسطينية المقبلة ستكون "متصلة" الأراضي، وأكد أن "هذه هي المرة الأولى التي تجيز فيها إسرائيل نشر خريطة مقترحة لخطة السلام الإسرائيلية الفلسطينية"، موضحا أن خطته تنص على أن "القدس ستبقى عاصمة غير مجزأة لإسرائيل".، وقال ترامب إن "اليوم هو خطوة كبيرة نحو السلام"، مضيفا أن رؤيته للسلام مختلفة تماما عما طرح في الماضي، وتتكون من 80 صفحة أو تزيد، واصفا إياها بأشمل خطة مقدمة حتى الآن.

وهنا يمكن القول بأن أفضل وصف لخطة السلام الأمريكية والمعروفة بصفقة القرن، هي تلك المقولة الشهيرة التي ذكرها الرئيس المصري جمال عبد الناصر رحمه الله " من لا يملك أعطي لمن لا يستحق "، ولأن الرئيس ترامب أعطي لإسرائل دون وجه حق الكثير من الحقوق الفلسطينية، فهذا إن دل علي شئ فإنما يدل علي أن تلك الصفقة تمثل ترضيه اقتصادية هزيلة مقابل التنازل عن حقوق سياسية لحل الدولتين.

علي أية حال دعونا عندما ننظر لبنود خطة ترامب بشكل مفصل في هذا المقال، حيث نجد أنها تعطي لإسرائيل الحق في السيطرة علي كل المستوطنات والمجتمعات الإستيطانية الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة، إذ تنص بنود صفقة القرن على إخلاء الأرض، والمقصود أن الكتل الاستيطانية تبقى كما هي بيد إسرائيل وستنضم إليها المستوطنات المعزولة وتمتد مساحة الكتل الاستيطانية لتصل إلى المستوطنات المعزولة؛ وتشير بنود صفقة القرن إلى أن القدس لن يتم تقسيمها وستكون مشتركة بين إسرائيل وفلسطين الجديدة، وينقل السكان العرب ليصبحوا سكانا في فلسطين الجديدة وليس إسرائيليين- بلدية القدس تكون شاملة ومسؤولة عن جميع أراضي القدس باستثناء التعليم الذي تتولاه فلسطين الجديدة، وفلسطين الجديدة هي التي ستدفع لبلدية القدس اليهودية ضريبة الارنونا والمياه. كما أنه لن يسمح لليهود بشراء المنازل العربية، ولن يسمح للعرب بشراء المنازل اليهودية، ولن يتم ضم مناطق إضافية إلى القدس وستبقى الأماكن المقدسة كما هي اليوم.

وتتابع الصفقة أنه بالنسبة لغزة، سيتم بناء مطار ومصانع للتبادل التجاري والزراعة، دون السماح للفلسطينيين بالسكن فيها والضفة الغربية، ويسمح بإقامة ناقل للمياه المعالجة تحت أراضي بين غزة وبين الضفة. وسيتم رصد مبلغ 30 مليار دولار على مدى خمس سنوات لمشاريع تخص فلسطين الجديدة ثمن ضم المستوطنات لإسرائيل وبينها المستوطنات المعزولة تتكفل بها إسرائيل. ويمنع على فلسطين الجديدة أن يكون لها جيش وسلاح، والوحيد المسموح به هو سلاح الشرطة، وسيتم توقيع اتفاق بين إسرائيل وفلسطين الجديدة، على أن تتولى إسرائيل الدفاع عن فلسطين الجديدة من أي عدوان خارجي، بشرط أن تدفع فلسطين الجديدة لإسرائيل ثمن هذه الحماية ويتم التفاوض بين اسرائيل والدول العربية على قيمة ما سيدفعه العرب للجيش الإسرائيلي ثمنا للحماية.

ويشترط تنفيذ الاتفاقية على أن تفكك حماس جميع أسلحتها وتسليحها، ويشمل ذلك السلاح الفردي والشخصي لقادة حماس ويتم تسليمه، وبعد عام من الاتفاق تقام انتخابات ديمقراطية لحكومة فلسطين الجديدة وسيكون بإمكان كل مواطن فلسطيني الترشح في الانتخابات. وبعد عام على الانتخابات يطلق سراح جميع الأسرى تدريجيًا لمدة 3 سنوات في غضون 5 سنوات، كما سيتم إنشاء ميناء بحري ومطار لفلسطين الجديدة، وحتى ذلك الحين يستخدم الفلسطينيون مطارات وموانئ إسرائيل. وستبقى الحدود بين فلسطين الجديدة وإسرائيل مفتوحة أمام مرور المواطنين والبضائع كما هو الحال مع الدول الصديقة. وسيقام جسر معلق بين "أوتستراد" يرتفع عن سطح الأرض 30 مترا ويربط بين غزة والضفة وتوكل المهمة لشركة من الصين، وتشارك في تكلفته الصين 50%، واليابان 10%، وكوريا الجنوبية 10%، أستراليا 10%، وكندا 10%، وأمريكا والاتحاد الأوروربي مع بعضهما 10%.، وسيظل وادي الأردن في أيدي إسرائيل كما هو اليوم وسيتحول الطريق 90 إلى طريق ذي 4 مسارات وتشرف إسرائيل على شق طريق 90 مسلكين من الطريق يكون للفلسطينيين ويربط فلسطين الجديدة مع الاردن ويكون الطريق تحت إشراف الفلسطينيين. وفي حال رفض حماس ومنظمة التحرير الصفقة، فإن الولايات المتحدة سوف تلغي كل دعمها المالي للفلسطينيين وتعمل جاهدة لمنع أي دولة أخرى من مساعدة الفلسطينيين.

أما فيما يتعلق بباقي القضايا وفقا للخطة لا حديث عن عودة اللاجئين، وإنما قضية اللاجئين الأساسية غير مطروحة، ويمكن فيما بعد مناقشة عودة اللاجئين وتوطين اللاجئين خارج أراضي إسرائيل، إما أن يستقروا في الأراضي الفلسطينية أو الأردن أو الدول المجاورة، وإذا اقتضي المر فإنه سيتم فقط عودة عدد محدود جدا من اللاجئين، وهذه الأعداد يمكن أن تعود إلي الأراضي التي تخص الدولة الفلسطينية الموجودة بأعداد صغيرة علي مدار حوالي 10 سنوات.

وأما فيما يتعلق بقدرات الدولة الفلسطينية الجديدة فلا يحق عقد أي اتفاقات أمنية واستخباراتية أو عسكرية مع العالم الخارجي، ولا يحق لها أساساً تولي ملف الأمن إلا إذا رأت إسرائيل. وأقرت أن السلطة الفلسطينية صادقة النوايا، وفي نفس الوقت قادرة تماما علي التحكم في المواطنين الفلسطينيين الراغبين في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي (والتي تسميهم إسرائيل بالإرهابيين).

كذلك من ضمن بنود الخطة بأنه إذا ما التزم الفلسطينيون بتنفيذ الملامح السابقة فإنه علي إسرائيل كبادرة حسن نية سوف توقف تجميد المستوطنات الجديدة في الأماكن التي تحدد الخطة بأنها أراضي فلسطينية، وبالتالي لا بد أن تعترف السلطة الفلسطينية بإسرائيل كدولة يهودية، أي ليس فقط علي السلطة الفلسطينية تعترف وحقها في الوجود منذ سنة 1948، ولكن تعترف بفلسطين كدولة يهودية، وهذا يعني أنه لا وجود للعرب هناك، وبالذات عرب 1948 والمستقرين هناك منذ القرن الماضي، فهؤلاء وفقا للخطة سيكونون إما مواطنين فلسطينيين مقيمين علي الأراضي الإسرائيلية أو يتم تهجيرهم، وبالتالي فليس لهم حق كمواطنين يحملون الجواز الإسرائيلي هناك . وللحديث بقية !

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

 

 

في المثقف اليوم