آراء

هل الصين مسؤولة عن تفشي كورونا بالعالم؟ (2)

محمود محمد علينعود ونكمل حديثنا عن مدي مسؤولية الصين عن تفشي كورونا بكوكب الأرض، وهنا في هذا المقال نركز علي تساؤلات البعض الذين يقولون : ما هي حقيقة مساعي حملة الضغوط التي تقودها واشنطن؟ وما أوراق الصين في مواجهة هذه الجملة؟

دعونا نبدأ بالإجابة عن الشق الأول، وفيه تزعم الإدارة الأمريكية، ومعها فرنسا، وإنجلترا وبعض الدول الأوربية التابعة بقوة للإتحاد الأوربي (الذي عرته الصين) بأنه قبل 4 أشهر بدأت أزمة فيروس كورونا الذي تحول إلي جائحة تهدد العالم، فالصين قد لا تكون مسؤولة عن تفشي المرض، لكنها وبحسب الاتهامات الأمريكية المتعددة مسؤولة عن انتشاره بسبب غياب الشفافية وإخفاء الحقائق، لنتذكر معاً كيف بدأ الأمر كما تزعم واشنطن  بأنه منذ أوائل ديسمبر الماضي 2019 رُصدت عوارض الفيروس أي متاعب في الرئة لعشرات الأشخاص في مدينة ووهان كانوا علي ارتباط للحيوانات بسوق للحيوانات البرية والأسماك في المدينة، تقول مجلة لانست الطبية أنه مع الوقت ازدادت حالات المرض واكتشف الأطباء في ووهان أن الحالات الجديدة لا علاقة لها بالسوق وأصيبوا جراء عدوي لاتصالهم بمرضي..  وفي الحادي الثلاثين من ديسمبر الصين أخبرت منظمة الصحة العالمية بالمرض، لكنها أكدت أن المرض غير معدي متجاهلة بذلك التحذيرات التي أطلقها د. لي وينلينغ، وفي وقت مقارب وبالأخص في أواخر ديسمبر 2019 أرسلت تايوان المستبعدة من منظمة الصحة العالمية بضغوط صينية أرسلت تحذيراً إلي المنظمة بشأن خطر انتقال الفيروس بين البشر .. تحذير تجاهلته المنظمة ولم تشاركه مع دول أخري، مما أخر الاستجابة العالمية للوباء وفق مجلة أيكونمست ..  وفي مطلع يناير الماضي السلطات الصينية اعتقلت الطبيب الذي دق ناقوس الخطر وحققت معه وسبعة آخرين، أكدوا أن المرض يتفشي وفي ذلك اليوم وفقا للنيويورك تايمز غادر ووهان 175 ألف شخص إلي 21 وجهة عالمية بينها الولايات المتحدة وحتي الرابع عشر من يناير بقيت السلطات الصينية تنكر انتقال العدوي من شخص إلي آخر وبقيت منظمة الصحة العالمية تردد ما تقوله الصين، وذلك بعد 6 أسابيع من اكتشاف أن المرض معدي من شخص إلي آخر، واستمر إنكار الصين لخطورة العدوي من الفيروس حتي أعلنت اليابان في منتصف يناير عن حالة مريضة لم تزر ووهان وأنها أصيبت بعدوي من شخص مصاب بالفيروس نفسه، غير أن الصين لم تقل باحتمالية انتقال العدوي بين البشر حتي 21 يناير وفي الثالث والعشرين أعلنت الصين إجراء العزل المنزلي، وكان قد غادر مدينة ووهان 7 ملايين شخص إلي 26 دولة حول العالم، وذلك وفقاً لصحيفة نيويورك تايم ..

ومن جهة أخري اتهم السيناتور الأمريكي، توم كوتون (النائب الجمهوري عن ولاية أركنساس الأمريكية) المسئولين الصينيين، بتضليل الرأي العام، بشأن منشأ فيروس كورونا القاتل، الذى انتشر في مدينة وهان الصينية، وانتقل إلى 23 بلداً حول العالم، مشيراً إلى اعتقاده أن الفيروس تم تطويره داخل المختبرات الصينية كسلاح بيولوجي. وأشار السيناتور الجمهوري خلال جلسة استماع للجنة الخدمات المسلحة، إلى أن انتشار الفيروس أسوأ من كارثة تشرنوبيل، وهى كارثة انفجار مفاعل نووي فى روسيا البيضاء عام 1986 والتي أسفرت عن مقتل الآلاف، وإصابة آلاف آخرين بأمراض سرطانية. وأسفر فيروس كورونا الذى يصيب الجهاز التنفسى، عن وفاة 362 شخص حتى الآن، فيما بلغت عدد الحالات المصابة أكثر من 17 ألف شخص. وأصر كوتون على أن بكين لم تكشف عن العدد الحقيقى للإصابات وكانت "تكذب بشأنه منذ البداية" للتقليل من خطورة الوباء. كما اتُهم المسؤولون الصينيون بخفض عدد الحالات وتقليص حجم التقارير قبل أسابيع من الاعتراف الرسمي بانتشار الفيروس. وقال السيناتور فى إشارة إلى دراسة نشرتها مجلة The Lancet الطبية "لقد زعموا أيضاً طيلة شهرين تقريباً وحتى مطلع هذا الاسبوع، أن الفيروس نشأ فى سوق للمأكولات البحرية في ووهان". مضيفاً "ليس هذا هو الحال." وقال كوتون إنه "من أصل 40 حالة  لم يكن 14 منهم على اتصال بسوق المأكولات البحرية، بما في ذلك المريض الأول". ولفت السيناتور الأمريكي إلى مختبر ووهان الوطني للسلامة البيولوجية التابع لأكاديمية العلوم الصينية، والذي يحقق في "أخطر مسببات الأمراض (وذلك كما ذكرت انجي مجدي في مقاله باليوم السابع المصري بعنوان سيناتور أمريكى يتهم الصين بتطوير فيروس كورونا كسلاح بيولوجي).

الصين استنكرت الاتهامات الموجهة إليها مشيرة إلي أنها لا تستند إلي حقائق "تشاو لي جيان المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية"-  نفي وجد أدلة علي أن الفيروس قد صنع في مختبر ووهان قائلاً :" إنه لم يحدث مطلقاً أي تعتيم بشأن تفشي فيروس كورونا في الصين، مضيفاً أن الحكومة لا تسمح بذلك". وأشار تشاو لي جيان للصحفيين في إفادة يومية إلى أن مراجعة إجمالي الإصابات في ووهان، التي ظهر بها المرض لأول مرة في نهاية العام الماضي، كانت نتيجة تدقيق إحصائي لضمان الدقة مضيفاً أن المراجعة ممارسة عالمية شائعة.. كما رفض مدير مختبر في ووهان بشدة نظريات المؤامرة المتعلقة بأصل كوفيد-19، واصفًا بأنه من "المستحيل" أن يكون فيروس كورونا قد نشأ من مختبره، في حين أكد أن مثل هذه التصريحات الكاذبة لن تعوق التعاون العلمي العالمي في المعركة المستمرة ضد الفيروس.. ففي مقابلة مع شبكة تلفزيون الصين الدولية (CGTN)، دحض يوان زيمينغ، مدير مختبر ووهان الوطني للسلامة البيولوجية، وباحث في معهد ووهان للفيروسات، نظريات المؤامرة وغيرها من البيانات الزائفة التي تربط المعهد بأصل الفيروس.. وأشار يوان إلى أن مختبر ووهان الوطني للسلامة البيولوجية في معهد ووهان للفيروسات هو المختبر الوحيد في الصين الذي يحتوي على أعلى مستوى للسلامة الحيوية "P4"، مضيفاً أن المعهد لديه قواعد ولوائح صارمة في البحث العلمي. وفى حديثه عن نظريات المؤامرة والتصريحات الأخرى المتعلقة بالأمر، قال يوان إن الادعاءات لا تدعمها أدلة علمية. وأضاف أنه يعتقد بأن مثل هذه الشكوك لن تزول طالما استمرت الجائحة في العديد من البلدان الأخرى. وفيما يتعلق بما إذا كان الفيروس من صنع الإنسان، قال يوان إنه بناء على معرفته وما قاله علماء آخرون، فإنه لا يعتقد أن أي شخص في العالم يمكنه إتقان مثل هذه التكنولوجيا الآن.

منظمة الصحة العالمية رجّحت يوم الثلاثاء الماضي، أن يكون أصل الفيروس من الخفافيش ولم يُصنع في أحد المختبرات، وفقاً لما ذكرته المتحدثة باسم المنظمة فضيلة شايب خلال إيجاز قدمته للصحفيين في مدينة جنيف السويسرية. وبعد أن تحدث الرئيس الأمريكي مراراً عن إمكانية أن يكون الفيروس قد صُنع في مختبرات الصين، أكدت شايب أن جميع الأدلة تشير إلى أن أصله يعود للخفافيش. وقالت شايب: «في هذه المرحلة، من غير الممكن أن نحدد بدقة مصدر الفيروس الذي سبب جائحة Covid19»، وأضافت مستدركة: «ولكن جميع الأدلة تشير إلى أن مصدر الفيروس طبيعي ويعود للحيوانات وليس فيروساً مصنوعاً أو مفتعلاً»، ولفتت إلى أن مصدره قد يكون الخفاش. ولفتت المتحدثة باسم منظمة الصحة العالمية إلى أن الباحثين ينظرون إلى الخصائص الجينومية المتعلقة به، ووجدوا أن تلك الخصائص لا تدعم نظرية أن يكون الفيروس قد صُنع في المختبرات. وحذرت من اتباع «النظريات الزائفة»، مشيرة إلى أن على الناس التركيز على الحقائق فقط، حول أصول الفيروس الذي سبب الجائحة.

من كل ما سبق يمكن القول بأن يبدو أن الصين ستصبح مركزية في الخطاب الأمريكي فيما يتعلق بهذا الفيروس لأسباب سياسية في المقام الأول بتشعبات مختلفة .. الفصل الأول يحاول أن يغطي علي فشل الحكومة الأمريكية وكانت الوشنطن بوست قد نوهت حول تصدير الحكومة الفيدرالية برئاسة ترامب بكميات هائلة بملايين الدولارات من كميات هائلة من المعدات الطبية لاستعدادا للوباء، في حين لم تكن حكومته تستعد للداخل، وهذا ربما سيسهم في تراجع شعبية ترامب حسب استطلاعات معظم الرأي العام، لكن البيت الأبيض والجمهوريين في الكونجرس سواء في مجلس النواب أو الذين سيواجهون الناخبين في نوفمبر القادم في مجلس الشيوخ يخشون من أن تنتقل هذه النظرة السلبية لأداء الحكومة الفيدرالية إليهم، وقد يخسرون ربما المزيد من المقاعد في مجلس النواب، وحتي ربما السيطرة علي مجلس الشيوخ، ووجدوا في الصين الشماعة التي يمكن أن تعلق عليها كل مواطن ضعف أداء الحكومة الفيدرالية، وأيضاً هدفاً سهلاً، لأن الصين عادة وربما من خلال العقود الثلاثة أو الأربعة الماضية كانت هدفاً سهلاً خلال الحملات الانتخابية سواء بسبب التبادل التجاري أو غيره، والآن جاء فيروس كورنا .

علي كل حال يبدو أن كورونا يجدد الحرب الدعائية، ويدفع الإعلام فى البلدين للانحياز إلى مصالح بلاده بصرف النظر عن العواقب، لا فرق بين الحرب التجارية والفيروسية.. وننتظر ما تسفر عنه الأيام المقبلة!!

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل بجامعة أسيوط.

 

 

في المثقف اليوم