آراء

لماذا الغضب الأمريكي من إطلاق إيران لأول قمر صناعي عسكري؟

محمود محمد عليأعلن التلفزيون الرسمي الإيراني، الأربعاء الماضي الموافق 22 مارس 2020 أن الحرس الثوري أطلق لأول مرة قمراً صناعياً عسكرياً إيرانياً يدعي "نور 1" بنجاح، وهذا القمر مخصص للأغراض العسكرية نحو مدار حول الأرض، وذلك في وقت تتزايد فيه التوترات مع الولايات المتحدة بسبب برامج إيران النووية والصاروخية، مضيفاً أن القمر وصل إلى مداره، من صحراء مركزية في البلاد، وذلك بعد شهرين من فشل وضع قمر اصطناعي علمي في المدار، وذلك في خضم التوتر مع واشنطن.

وقال الحرس الثوري في بيان نُشِر في أحد المواقع التابعة له إنه تم إطلاق القمر بنجاح إلى الفضاء الخارجي على متن الصاروخ الإيراني الحامل للأقمار الصناعية (قاصد) ذو الثلاث مراحل والعامل بالوقود المركب من قِبَل الوحدة الجو فضائية التابعة لقوات الحرس الثوري الإيراني يوم الأربعاء الماضي، وأنه تم اختيار هذا اليوم بالذات لكونه يتزامن مع الذكري الـ 41 لتأسيس الحرس الثوري الإيراني، وهو الذي يمثل رمز الثورة الإيرانية التي قامت في عام 1979م ..

وقد استقر القمر في مداره حول الأرض على مسافة 425 كيلومتراً (264) ميلاً؛ وقال وزير الاتصالات الإيراني "محمد جواد أزاري جهرومي" القمر الصناعي "نور-"1- هو أول قمر اصطناعي عسكري إيراني الصنع والتصميم متعدد الأغراض، ويُعَد إنجازٌ تكنولوجي لطهران، حيث دخلت إيران نادياُ محدوداً من الدول القادرة على صنع وإطلاق أقمار صناعية، ثم يُذكَر أن هذا القمر الصناعي مصنوع كلياً داخل جمهورية إيران بما في ذلك منصة الإطلاق وكافة قطع القمر الصناعي والصاروخ الحامل وجميع التقنيات الأخرى.

وفي اعتقادي أن إطلاق إيران لقمر صناعي عسكري لم يكن يمثل مفاجئة كبيرة للعالم، وذلك لأن إيران لديها اهتمام بالبرامج الفضاء منذ عام 1969 تقريباً، ولديها محاولات مستمرة للوصول إلي الفضاء منذ عام 2000 م؛ حيث بذلت إيران جهوداً في هذا السباق خلال 2005 حتي 2015 م، وذلك عندما أطلقت عدة أقمار صناعية صغيرة إلي الفضاء بالفعل، ثم تعثرت نتيجة القرار الذي اتخذه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالانسحاب من الاتِّفاق النووي؛ إذ شكل هذا القرار مرحلة فاصلة في تاريخ الصراع الأمريكي - الإيراني؛ وبلغ الصراع والتوتر أشده بعد قتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني في غارة أمريكية في بغداد في الثالث من يناير  الماضي 2020م.

وعلى الرغم من المعارضة القوية التي تتعرَّض لها إيران، وإصدار قرارات لمحاصرة قدراتها الصاروخية وعرقلة برنامجها النووي، فإنها نجحت في تجاوز هذه العقبات، ومضت في تطوير قدراتها دون الالتفات إلى هذه المصاعب، وبالفعل نجحت في امتلاك قدرات صاروخية مكنتها من الضغط على خصومها، ومنع أيِّ عدوان محتمل على أراضيها.

وقد اعترفت الولايات المتحدة الأمريكية بنجاح إيران بإطلاق أول قمر صناعي عسكري لها، وذلك من خلال تأكيد القوات الجوية الأمريكية أن إيران نجحت في إطلاق أول قمر اصطناعي، مشيرةً إلى أنها راقبت عملية الإطلاق. وفي بيانٍ لها، أكدت القوات الجوية الأمريكية أن سرب التحكم ومراقبة الفضاء الثامن عشر التابع لها رصد جسدين وهما، قمر نور (رقم 45529 في ملف الأجسام الفضائية)، وجزء من الصاروخ الحامل قاصد (رقم 45530) من الإطلاق الفضائي من جمهورية إيران.. كما أفادت شبكة "CNN" الأمريكية، بأن وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) تأكدت من نجاح تجربة إطلاق القمر الصناعي للمرة الأولى. ونقلت الشبكة عن (البنتاجون) قولها: إن "التقييم الأمريكي خلص إلى أن تجربة إطلاق قمر صناعي إيراني تمت بنجاح للمرة الأولى".

ثم أدانت إدارة الرئيس الأمريكي ترامب بشدة إطلاق القمر واتهمت طهران بالعمل على تعزيز خبرتها في مجال الصواريخ البالستية من طريق إطلاق أقمار اصطناعية، علاوة علي أنها اعتبرت أن إطلاق إيران قمراً صناعياً باستخدام تكنولوجيا الصواريخ الباليستية مقلقة للغاية ولا تتفق مع قرار مجلس الأمن رقم 2231".. والسؤال الآن لماذا هذا الفزع الأمريكي من إطلاق إيران لهذا القمر؟

وللإجابة علي هذا السؤال يمكن القول بأن الولايات المتحدة تعلم جيداً أن إطلاق هذا القمر العسكري سيحقق قفزة استراتيجية معلوماتية للقوات الجو فضائية الإيرانية، كما سيمنح بعداً آخراً وتوازناً استراتيجياً للتكتيكات الدفاعية التي تنتهجها إيران في المنطقة والعالم، حيث سيسهم القمر نور العسكري في إنجاز خارطة دفاع شاملة للقوات الإيرانية، كما أنه سيتم استخدامه في الأغراض العسكرية، فهو مخصص لجمع المعلومات والصور، أي انه يُستَخدَم للأغراض التجسسية، علاوة علي أن استخدام القمر الصناعي نور لن يقتصر على المجال الدفاعي والعسكري، بل إن وضع هذا القمر الصناعي المتعدد الأغراض في المدار الأرضي سيجلب لإيران قيمة مضافة استراتيجية في مجال تقنية المعلومات والحروب المعلوماتية وسيرفع أيضاً قدرات البلاد في الحروب المعلوماتية.

إن ما يثير قلق الولايات المتحدة هو القدرات التكنولوجية التي تمكن إيران من إطلاق قمر صناعي لأنها باختصار تعني قدرات صاروخية متطورة، ولذلك فإن الموقف الأمريكي الغاضب سواء من ترامب أو من وزير خارجيته اعتراضاً علي إطلاق إيران لهذا الصاروخ له أهداف تكتيكية، وله اهداف استراتيجية.

أما الأهداف التكتيكية فتتمثل في أن الرئيس ترامب قد وجد في إطلاق إيران للصاروخ متنفساً لكي يخرج من الضغوط المتمثلة في تعثره في مواجهة أزمة كورنا بالداخل الأمريكي، وكذلك متنفسا للرد علي خصومه الذين يلاحقونه بتهم الفشل بسبب كورونا ويريدون في ذات الوقت إسقاطه في انتخابات الرئاسة الأمريكية في نوفمبر القادم، علاوة علي مغازلته للناخب الأمريكي- الصهيوني المؤيد لإسرائيل والذي يقول له: "إني معك مرة أخري، وسوف أحميك من إيران، ولن أتركك لإيران وحدك" وكذلك مغازلته لدول الخليج وإبتزازهم في نفس الوقت .

أما الأهداف الاستراتيجية فتتمثل في محاولة ترامب منع إيران من امتلاك قدرات صاروخية متطورة وقدرات نووية، لكنه حتي هذه اللحظة عجز عن تحقيق هذا الهدف، ولذلك لجأ إلي الانسحاب من الاتِّفاق النووي وإعادة فرض عقوبات جديدة، لكن يبدو أن تلك العقوبات لم تُثني إيران عن تطوير برنامجها الصاروخي، وهنا نتساءل: لماذا فشلت إدارة ترامب من منع إيران في تطوير قدراتها الصاروخية والنووية؟

والإجابة هو أنه لنفس الأسباب التي جعلت الولايات المتحدة والمجتمع الدولي في القرن الماضي عاجزاً عن منع الصين، ثم الهند، ثم باكستان، ودول أخري من تطوير أسلحة نووية. ولذلك وجدنا مع انتهاء الحرب العالمية الثانية، وظهور السلاح النووي، واعتباره أخطر وأهم سلاح ردعي في العالم، فقد وجدنا دول كثيرة أخذت تسعي إلي امتلاك قدرات نووية وقدرات صاروخية، لكن بعض تلك الدول تخلي عن طموحاته النووية والصاروخية، مثل اليابان، وتايوان، وكوريا الجنوبية، وجنوب أفريقيا. وهذه الدول تخلت عن طموحاته النووية والصاروخية في مقابل الوعد الأمريكي بالرغد الاقتصادي والحماية الأمريكية.. في حين أن البعض الآخر، مثل الصين، والهند، وباكستان، وكوريا الشمالية، وإيران، لم يتخلوا وأصروا علي رفض كل الوعود الأمريكية وكانوا علي استعداد لمواجهة أي ضغوط تفرضها أمريكا عليها مهما تكن في سبيل أنها تمتلك قدرات صاروخية ونووية، والسبب في ذلك يعود إلي أن هذه الدول كانت مؤمنة بأن الضمانات الأمريكية للدفاع عنها ليس كافية لحمايتها أو الحفاظ علي أمنها القومي.

فحين ننظر للصين مثلاً والتي كانت تمثل خامس دولة من الدول دائمة العضوية التي خرجت منتصرة من الحرب العالمية الثانية، كانت تشعر بالخطر من الولايات المتحدة ومن الاتحاد السوفيتي، وتجد أن أملها الوحيد في البقاء، والاطمئنان بالشعور علي أمنها القومي، وتطوير سلاح نووي رادع للاتحاد السوفيتي، ورادع للأطماع الأمريكية، وبالفعل تمكنت من تطور سلاحها النووي منذ عام 1964، وكانت الولايات المتحدة كما بينت الوثائق السرية لوزارة الخارجية الأمريكية، تؤكد بأنها سعت منذ عام  1963 إلي 1964 في ضرب البرنامج النووي الصيني، كما فكر الاتحاد السوفيتي أيضاً في إجهاض البرنامج النووي والصاروخي الصيني ..

والسؤال ما الذي أعجز كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي عن إجهاض البرنامج النووي الصيني؟

والإجابة ربما يرجع إلي كم المخاطر الهائلة والتي تترتب علي التدخل العسكري ضد دول مثل الصين، والهند، وباكستان، وإيران، لذلك وجدنا الصين تسعي إلي تطوير برنامجها النووي لمواجهة عدوها الأساسي وهي الهند، وبنفس المنطق طورت الهند سلاحها النووي لمواجهة عدوها الصين، وبنفس المنطق طورت باكستان سلاحها النووي لمواجهة عدوها الهند .. ومن هنا أدركت كل تلك الدول أنها لا تريد أن تنعم بمظلة الحماية الأمريكية، لاعتقادها بأن الضمانات الأمريكية لاتكفي للحفاظ علي أمنها القومي، كما لا تكفي لمواجهة العدو القريب والبعيد.

ولذلك وجدنا إيران وبنفس المنطق الذي لجأت إليه كل من الصين، وباكستان، والهند، وهي أنها تشعر أنها في مواجهة عدو قريب وبعيد في ذات الوقت، ألا وهو الولايات المتحدة الأمريكية؛ فمنذ عام 1979 وإيران لديها مشكلتان.. الأولي أن الخطر الخارجي دائما ما يأتيها من الولايات المتحدة بالدرجة الأولي وليس من أي دولة أخري، وبالتالي فإنها تشعر دائماً بأنه لا أمل لها في الحفاظ علي أمنها القومي إلا بامتلاك أسلحة ردع صاروخية بالدرجة الأولي، وتطوير قدراتها النووية، ولهذا فإنه من غير الوارد أن تتخلي إيران طواعية عن قدراتها الصاروخية والنووية.. علاوة علي أن هناك أسباباً أخري تاريخية وسياسية تدفع إيران دفعاً قوياً بتطوير منظومتها الصاروخية والنووية، فأما السبب التاريخي وهي يمثل تاريخ أسود في نظر إيران التي تستشعر دائماً بأنها إن تخلت عن سلاحها، فسوف تكون لقمة سائغة ليس فقط لأمريكا، بل لكثير من دول العالم، وهي في ذلك تراجع في ذاكراتها فتكتشف أنها عاشت تاريخ طويل من محاولات أمريكية في التدخل في شؤونها الداخلية .

وأما السبب السياسي وهو يتعلق بالنظام الذي يحكم إيران منذ سنة 1979، وهذا النظام يمثل جزء من شرعيته يقوم علي عداء أمريكا وإسرائيل، وبالتالي فإنه يواجهها بأسلحة ردع، وهو إن تخلي عن هذه الأسلحة حتي وإن لم يهاجم، فإنه يفقد جزء من شرعيته، ولذلك فهو متمسك جداً بالقدرات الصاروخية وطموحاته النووية، ولكي يتسني له التمسك بكل ذلك فبديهي جداً أنه لا بد أن يجري تجارب بين الفينة والفينة علي تطوير الأسلحة والصواريخ، ولكي يجري هذه التجارب لا بد أن يجريها تحت غطاء البرنامج الفضائي، ولذلك فعندما تطلق إيران قمر من علي مساحة حوالي 425 أو 430 أو الاختصار من 400 كم إلي 500 كلم في الفضاء ضد الجاذبية، فإن هذا يعادل تماماً نفس القدرة علي إطلاق صاروخ عابر للقارات يستطيع أن يصل إلي 3000 كيلو بعيداً عن الجاذبية الأرضية، وبالتالي فإن إيران لها مآرب كثيرة من برنامجها الفضائي منه الرغبة في الوصول إلي النادي الفضائي وامتلاك ستالايت يكون له دور مهم جداً للأغراض العسكرية والمدنية .. لكن الأهم هو تطوير قدراتها الصاروخية والنووية التي لا تعتزم أبدا إيران التخلي عنها ما يعني أننا مقبلون في الفترة المقبلة علي فصول جديدة من الصراع إيران والمجتمع الدولي.

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل بجامعة أسيوط.

.......................

المراجع

1- سيد جبيل: ماذا يعني اطلاق ايران لأول قمر صناعي عسكري؟ يوتيوب.؟

2- رياض الراوي: البرنامج النووي الإيراني وأثره على منطقة الشرق الأوسط، الأوائل للنشر والتوزيع، سوريا، 2006.

3- شفير يفتاح (3/2006) الصواريخ الاستراتيجية الإيرانية، تقرير استراتيجي، تقرير 9، ص20، معهد دراسات الأمن القومي، جامعة تلِّ أبيب – إسرائيل.

 

في المثقف اليوم