آراء

عارف الجواهري: هل روسيا وبوتين حليف يمكن الوثوق به للعرب والمسلمين

منذ الاحتلال الامريكي وحلفائها للعراق عام 2003 ولحد يومنا هذا ترتفع اصوات اليسار العربي ومعهم اليسار الاسلامي من المحور الايراني بوجوب التحالف مع الشرق المتمثل بروسيا والصين والتخلي نهائيا عن الغرب وامريكا. وقد عمل هذا المحور بكل جهد ومثابرة من خلال الجيوش الالكترونية ووسائل الاعلام التابعه له لدفع الانسان العربي الى تبني هذا الرأي والتمسك به.

الادله التي استندوا عليها ولا زالوا لحد الان يكرروها هي ان الغرب وبالخصوص امريكا لا يمكن الوثوق بوعودهم، فهي تتقلب حسب مصالحهم في المنطقة والعالم، وانهم مستعدين لبيع اصدقائهم للذي يدفع أكثر وانهم لا يرغبون بأصدقاء او حلفاء حقيقيين بل ما يريدونه هو عبيد لهم يطيعونهم مهما عملوا، وهذا يمكن ملاحظته من خلال الكم الهائل من الصور الكاريكاتورية والمقالات والتصريحات امام الكاميرات وفي الصحف.

طبعا هذه الحالة ازدادت وكثرة عندما قرر الرئيس الروسي الدخول الى سوريا ودعم نظام الحكم البعثي الحاكم فيها منذ أكثر من خمسين عام، فعندها بدأت الجيوش الاعلامية والالكترونية بتصوير بوتين على انه المخلص البطل الذي تحالف مع اهل الحق والمظلومين لأجل نصرتهم امام الطغيان والجبروت الغربي الامريكي الصهيوني. واستنادا لذلك تم اعطاء القاب عديدة لبوتين حتى تم تلقيبه بأبو علي بوتين وتم نشر قصص عن انه من اصل عراقي وابوه كان طالب في روسيا زمن الشيوعيين وكان لقبه ابو التين والذي تحول لاحقا الى بوتين وكان اسم الطفل عبد الامير وتغير لاحقا الى فلاديمير بسبب صعوبة الاسم في اللغة الروسية، وتم نشر صور له وهو يلبس العمامة الدينية الشيعية وظهرت مقالات تدعي انه ربما اصبح مسلم شيعي وغيرها الكثير من القصص والادعاءات ، ولا ننسى المحللين السياسيين المحسوبين على المحور الايراني وعلى المحور اليساري كانوا يكيلون المديح له ولروسيا ويدعون العرب والامة الى التخلي عن امريكا والوقوف مع الشرق الروسي ومن ثم تبعها الصين في الفترة المتأخرة، وكان شعارهم الذي دائما يرددوه بان "المتغطي بالغرب والأمريكان عريان".

لكن الضربة الروسية لهؤلاء لم تتأخر كثيرا، فخلال حوالي السنة من دخول الروس الى سوريا وبعد زيارة مفاجئة للرئيس وزراء الاسرائيلي نتنياهو حوالي سنة 2016 ظهر الرئيس الروسي بوتين وكذلك وزراء ومسؤولين روس اخرين امام الاعلام وصرحوا ان الوضع في سوريا يتحسن وعلى كافة القوات والمقاتلين الاجانب الخروج منها بأسرع وقت ... وكان الكلام واضح جدا ان المقصود منه هي إيران وحلفائها في سوريا، حتى ان وزير الخارجية الايراني في حينها رد على هذا الكلام بان صرح قائلا والروس ماذا يعتبرون قواتهم الموجود في سوريا؟ وهل هذا الكلام يقصدهم ايضا؟

وكان واضح جدا ان الرئيس بوتين اتفق مع نتنياهو وبضوء اخضر اوربي امريكي على اخراج إيران وحلفائها من سوريا مقابل الموافقه على بقاء روسيا وقواتها، وهذا ما تم نشره في وسائل اعلامية غربية كثيرة. كذلك تم الاتفاق على السماح لإسرائيل بضرب سوريا وبالخصوص إيران وحلفائها من اجل اضعافهم واخراجهم. وفعلا بعد هذه الزيارة لنتنياهو لموسكو بدأت عمليات قصف مكثفه بالطيران وبالصواريخ لكل المواقع التي يتواجد بها الايرانيون وحلفائهم من حزب الله اللبناني والافغان والعراقيين والذين دخلوا الى سوريا بدون موافقة الحكومة العراقية. وحسب تصريحات اعلامية فقد بلغت عدد الغارات والقصف الإسرائيلي للمحور الايراني في سوريا حوالي 500 هجمه قتل فيها العشرات وجرح المئات من الايرانيين واللبنانيين والعراقيين والافغان بالإضافة الى السوريين.

الضربة الجديدة التي وجهتها روسا الى المحور الايراني هي اصدار بيان مشترك مع دول الخليج العربي يطالبون فيه الحكومة الايرانية بحل مشكله الجزر الثلاثة التي تدعي الامارات انها تابعه لها حلها بشكل سلمي. وهنا ثارت ثائرة السياسيين الايرانيين ضد روسيا حتى ان أحد الصحف الايرانية اعتبرتها طعنه بالظهر بينما اعتبرها رئيس البرلمان الايراني ان روسيا تجاوزت الخطوط الحمر، حتى ان امام جمعة طهران استنكر هذا البيان وادان روسيا واخيرا صرح وزير الخارجية الايراني بان التصرف الروسي لا يطاق وعليهم تصحيح موقفهم. رغم كل هذا الاستنكار الايراني فان الموقف الروسي كان باهت لحد الان من خلال اصدار بيان عن وزارة الخارجية يؤكد على العلاقة مع إيران وان الحكومة الروسية تؤمن بوحدة الاراضي الايرانية لا أكثر من هذا البيان وهذا يعتبر تجاهل وتعالي وعدم اهتمام بالقلق الايراني.

طبعا هكذا مواقف لروسيا هي مشابهة لمواقف الاتحاد السوفيتي الشيوعي السابق، مثلا عندما اعترف الاتحاد السوفيتي السابق بدولة اسرائيل كأول دوله قبل حتى امريكا وأوربا وكان من اشد الداعمين لقيامها ولكن موقفه تغيير بعد سنيين قلائل عندما مال الاسرائيليين الى الغرب وامريكا بالذات مفضليهم على الشرق استنادا لحنكتهم السياسية واستقرائهم للمستقبل بشكل صحيح. التاريخ اثبت صواب رأي الاسرائيليين وخطل راي الدول العربية القومية واليسارية في حينها والتي استمالها النظام السوفيتي الحاكم في روسيا حينها. وكذلك لا ننسى كيف باع السوفييت الحزب الشيوعي العراقي عندما هجم عليهم نظام البعث العراقي في اواخر السبعينات ولم يدافع السوفييت عن الشيوعيين العراقيين الذين عانوا بشدة من الاعتقال والتعذيب والتشريد وحتى الاعدام.

انا أتساءل هل فعلا ان الشرق بالخصوص الروس هم اهلا للثقه والاعتماد والصداقة والتحالف أكثر من الغرب والامريكان ام ان كلا الطرفان متشابهان وهما لا يبحثان الا على مصالحهم فقط ولا شيء غيرها؟

فمتى اليسار العربي والمحور الايراني سيقولون الحقيقة لشعوبهم واتباعهم ويتوقفوا عن الخداع والمداهنه والتلوي؟

***

عارف الجواهري

في المثقف اليوم