آراء

لماذا الغضب الإسرائيلي من المسلسل الدرامي المصري "النهاية"؟

محمود محمد عليمسلسل النهاية هو مسلسل مصري، يحكى حلم عربى نؤمن به ونحلم به أيضًا، وهو فلسطين أرض عربية إسلامية، والمسلسل من بطولة يوسف الشريف، وسيناريو وحوار عمرو سمير عاطف، وإخراج ياسر سامي، ويشارك في بطولته عمرو عبد الجليل، وأحمد وفيق، وناهد السباعي، ومحمود الليثي، وعدد آخر من الفنانين؛ وتدور  أحداث المسلسل بعد 100 عام من الآن، حول مهندس يحاول التصدي لتأثير التكنولوجيا على العالم، لكن يتغير كل شيء، حينما يقابل إنسان آلي مُستنسخ منه.

في الحلقة الأولى من مسلسل "النهاية" ، يخبر البطل (الممثل المصري يوسف الشريف)، طلاّبه، بحرب "تحرير القدس" التي وقعت قبل أن تحتفل إسرائيل بعيد قيامها المئة؛ وإذ يخبر الشريف، الذي يلعب دور مهندس ومدرّس، طلابه بأن الإسرائيليين اليهود من أصول أوروبية عادوا إلى أوروبا، ولا يأتي السيناريو على ذكر مصير ملايين الإسرائيليين الآخرين. وفي نفس الحلقة أيضا يظهر مدرس تاريخ يؤكد لتلاميذه أن الولايات المتحدة الأمريكية انهارت وتم القضاء على إسرائيل، وحرر العرب القدس وعاد اليهود لدولهم التي كانوا قد تركوها؛ حيث يحكي لهم التاريخ الحقيقي بتفصيل فيقول :" عندما حان الوقت للدول العربية للقضاء على عدوها اللدود، اندلعت الحرب وسميت حرب تحرير القدس"، مضيفاً أن "الحرب انتهت سريعاًً، ودمرت إسرائيل قبل مرور 100 عام على تأسيسها"، وهرب معظم المستوطنين من دولة الاحتلال وعادوا إلى بلدانهم الأصلية في أوروبا"... لكن فجأة يقتحم مركزه التعليمي قوات نزلت بمراكب فضائية ويقررون محاكمته، ويقتلون أحد الأطفال، ويقررون نفيه لمركز الإشعاع النووي بتهمة التشويه. بحسب ما ورد في سياق المشهد، يتحدث الممثلون اللهجة المصرية، وتنقسم المدينة إلى مجتمعات سكنية تعرف بالتكتل، وتغير العملة إلى مكعبات الطاقة التي تملأ بالنقاط وتعرف بالاختصار إي سي EC.

ويحظى مسلسل «النهاية» بنسبة مشاهدة لافتة في مصر والعالم العربي تجعله يتصدر الترند، إذ إنه مسلسل خيال علمي مصري، تدور أحداثه عام 2120، في منطقة «القدس»، حول شخصية «زين» الذي يجسده بطل المسلسل يوسف الشريف، وهو مهندس طاقة يعمل في شركة تدعى «إينرجي كود»، تهيمن على الدولة، فيما تظهر الأحداث الاستخدام المتطور للتكنولوجيا في كل مناحي الحياة.

ويمكن القول إن هذا العمل الدرامي ينتمي إلى فئة الخيال العلمي، حيث يبدو العمل دستوبياً بامتياز، من خلال مستقبل أسود قاتم، بروبوتات مستنسخة وناطحات سحب مدمَّرة وعنف متواصل؛ وبالعودة إلى الإنتاج الدرامي المصري، ليس "النهاية" المسلسل الأول الذي يثير سخط الإسرائيليين، حيث أثار "فارس بلا جواد" (2002) -تأليف وبطولة محمد صبحي- الذي يتحدث عن فترة إنشاء الدولة العبرية غضباً واسعاً في إسرائيل وقتئذ.

أثار مسلسل "النهاية"، غضب الحكومة الإسرائيلية، حيث أدانت الخارجية، الأحد الماضي، عرض العمل الجديد على إحدى الفضائيات المصرية، والذي يتنبأ بزوال دولة إسرائيل؛ وقال بيان وزارة الخارجية إن "المسلسل أمر مؤسف وغير مقبول على الإطلاق". ووفقًا لبيان نقلته صحيفة "جيروسالم بوست" قالت الخارجية الإسرائيلية إن توقع نهاية إسرائيل الذي جاء في المسلسل "أمر مؤسف وغير مقبول، خصوصًا أنه يأتي بعد 41 عامًا من معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل"، في إشارة إلى المعاهدة التي وقعها الرئيس المصري الراحل أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل مناحيم بيغن عام 1979 بعد حرب أكتوبر، بين البلدين في كامب ديفيد.

لم تكتفِ الخارجية الإسرائيلية بمهاجمة صناع العمل، إذ قال المتحدث الرسمي للجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، وعبر حسابه الرسمي بـ"فيس بوك"، قال "إفيخاي": "ما موقفي من مسلسل النهاية الرمضاني؟ فهذا المسلسل لا يستحق التعليق، هذا ما بقي لمن يتحدث عن نهاية ‫إسرائيل منذ تأسيسها، يتحدثون ويعملون مسلسلات خيالية بينما نحن نصنع المعجزات يومًا بعد يوم، شاء من شاء وأبى من أبى ستبقى إسرائيل لأبد الأبدين.

وغضب إفيخاي، لم يكن الأول، فهو يؤمن في قرارة نفسة أن الدولة المصرية تنظر لإسرائيل برغم معاهدة السلام أنها دولة استعمارية ، وهذا الأمر جسدته من قبل مسلسل النهاية عشرات الأفلام التي ناقشت “حرب أكتوبر” عام 1973؛ مثل “الطريق إلى إيلات”، و”الرصاصة لا تزال في جيبي”، و”الممر؛ وعلى صعيد مسلسلات التلفزيون، انتشرت مسلسلات “دموع في عيون وقحة” ، و”رأفت الهجان” ، و”فرقة ناجي عطا الله".. الخ..

الهجوم الإسرائيلي استدعى بالتالي ردًا من مؤلف المسلسل عمرو سمير عاطف، الذي اعتبر في حديث مع هيئة الإذاعة البريطانية  (BBC)، في 27 من إبريل الماضي، أن رد فعل إسرائيل "مبالغ فيه". وأوضح عمرو سمير عاطف، مؤلف مسلسل النهاية، أن فكرته تقوم على الخيال علمي، "ومن الطبيعي أن يفترض بعض الأحداث، ومن قبل صُنعت أعمال درامية وتخيلت زوال العالم بأكمله".

وأضاف عاطف، مؤلف المسلسل الذي بدأ عرضه قبل ثلاثة أيام على قنوات تليفزيونية خاصة في مصر، في حديث مع بي بي سي: "إسرائيل تنتج بشكل متواصل أعمالا فنية تهاجم العرب والفلسطينيين وتصورهم كإرهابيين"، متسائلا "لماذا يصادرون على حقنا في العمل الإبداعي الحر؟"

واستطرد عاطف قائلا: "الظلم يُوجد حياة مليئة بالصراعات وإسرائيل تحتل أراضٍ عربية"، مضيفًا "عندما يعود الحق لصاحبه تتوقف الحرب والمشكلات".,, وسبق أن كتب عمرو سمير عاطف فيلم "ولاد العم" الذي تناول قصة جاسوس إسرائيلي في مصر، ولاقى اعتراضات من كثيرين في الأوساط الإسرائيلية.

وقال ياسر سامي، مخرج مسلسل النهاية، في تصريحات لصحف محلية إن "المسلسل يحكي عن حلم عربي نؤمن به ونحلم به أيضا، فلسطين أرض عربية إسلامية محتلة، وأنا وفريق العمل عبرنا عن هذا بالصورة، ولكن يبدو أن الصورة التي صنعتها كانت صادقة فأزعجتهم".

وفي نهاية هذا المقال لا نملك إلا أن نقول بأن احتجاج الخارجية الإسرائيلية على المسلسل يمثل هجوماً على حرية الرأي والديمقراطية، فعلينا أن نؤمن بأن حرية الرأي والتعبير مكفولة للجميع، ولا أعتقد أنه يجب علينا أن نظل داخل هذه الأطر المصنوعة منهم، وأن إسرائيل سبقت وأن صنعت فيلمًا عن قصة حياة "أشرف مروان"، السياسي ورجل الأعمال المصري الذي "اغتيل" في لندن عام 2007، يدعي أنه كان يعمل جاسوسًا لصالح إسرائيل و"يمتلئ بالأكاذيب الموضوعة"، ولم تعلق الخارجية المصرية على هذه الأعمال.. وأختم قولي بأنه إذا كانت بيتك من زجاج فلا ترشق بيوت الناس بالحجارة..

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل بجامعة أسيوط.

 

في المثقف اليوم