آراء

لماذا سحبت واشنطن بطاريتي دفاع باتريوت من السعودية؟

محمود محمد عليمن الواضح أن كورونا لم تصب الدول في صحتها فقط، ولكنها بلا شك أثرت على سياساتها الداخلية والخارجية، ففي الأسبوعين الماضيين قامت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) بسحب بطاريتي صواريخ وبعض الطائرات المقاتلة من السعودية، ما أثار تساؤلات كثيرة بشأن أسباب هذه الخطوة، ومدى إمكانية أن تكون ضغوطاً أمريكية على المملكة، أو نتيجة توتر في العلاقات بين البلدين على وقع أزمة النفط الأخيرة.

ذهب بعض المحللين إلى ربط القرار بسياسات النفط السعودية، مرجحين أن "القرار يهدف إلى توصيل رسالة إلى المملكة مفادها أن سياستها النفطية لها عواقب"؛ بينما أكد آخرون لا توجد أي علاقة على الإطلاق بين سحب بطاريتي الصواريخ الأمريكية بروابط الولايات المتحدة مع السعودية، التي لا تزال متينة.

ونقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية عن مصادر مطلعة أن السلطات الأمريكية تقوم بسحب أنظمة "باتريوت" الدفاعية من المملكة العربية السعودية وتدرس تقليص قدراتها العسكرية في البلاد.. وذكرت صحيفة "واشنطن بوست" أن الحزب الجمهوري أشار بأصابع الاتهام للسعوديين، وحملهم المسؤولية المباشرة عن ارتفاع معدلات البطالة وفقدان العاملين في مجال الصناعة وظائفهم، لاسيما في الولايات التي يديرونها، وتضيف الصحيفة بأنه ليس من الواضح حتى الآن إذا ما كان نزاع النفط الجاري هو العامل الرئيسي في قرار الولايات المتحدة.

وأشارت واشنطن على لسان وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إلى أن سحب بطاريات باتريوت ليس وسيلة "للضغط على المملكة العربية السعودية بشأن قضايا النفط"، وقال بومبيو تعليقاً على سحب بطاريات "باتريوت" من السعودية: "أود أن أوضح ذلك... بطاريات "باتريوت" هذه كانت منتشرة منذ فترة والقوات يجب أن تعود، وهي بحاجة إلى إعادة انتشار"... وأضاف الوزير: "هذا لا يعني الاعتراف بتراجع الخطر. نود أن يكون الأمر كهذا، وأن تغير جمهورية إيران سلوكها، لكن الخطر ما زال قائما"... وأشار بومبيو إلى أن وزارة الدفاع قد تكشف عن مزيد من التفاصيل بهذا  الخصوص في وقت لاحق... وأكد بومبيو أن هذه الخطوة ليست تخفيض الدعم المملكة العربية السعودية "ونحن نقوم بكل ما في وسعنا من أجل ضمان أمنها وتزويدها بأنظمة الدفاع الجوي حتى لا يستطيع الإيرانيون تهديدها".

يبدو أن "الولايات المتحدة الأمريكية تجد نفسها كما صدر على لسان رئيس خارجيتها بومبيو مضطرة إلى إعادة ترتيب تواجد قواتها عالميا، ومن ذلك التفكير في سحب بطاريات باتريوت من السعودية، مع أن الخطر الإيراني قد تناقص كثيرا كما أفاد بذلك.

ولكن الخطورة لا تزال قائمة حسب ما يراه معظم المحللين الذين يرون بأن المملكة العربية السعودية أيضا قامت بعدة أمور قد تكون أزعجت الولايات المتحدة، ومنها رفع أسعار البترول، وتعمق علاقاتها مع كل من روسيا والصين، وهذه أمور طبيعية الحدوث في أوضاع صحية وسياسية واقتصادية فرضتها كورونا على مختلف دول العالم، وقد يكون ذلك نوع من الضغوط، أو محاولة إعادة الأمور إلى ما يصب في صالح الشراكة السعودية، الأمريكية".

كما أن الولايات المتحدة هي أكثر من تضرر من إصابات "كورونا"، وقيامها بسحب قواتها من أماكن عدة، قد يكون في غير صالحها"، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن السياسة السعودية الحكيمة قادرة على إعادة الأمور إلى حالها بالتفاهم السياسي، أو بالقيام بعمل ما يلزم لتكون أفضل مما كانت في السابق.. السعودية، ليست مجبرة على أنواع معينة من الأسلحة، ولها كامل الحرية حين تعثر أي علاقات، بالدخول في علاقات وشراكات، وتعهدات مع من تراه قادرا على معالجة الوضع الحالي.. : فالأمر هنا يعود للبائع، والشاري، والعلاقة بين الطرفين يجب أن تكون حقيقية أصيلة متمكنة ومستمرة، ولا تتغير بتقلب الأحوال المؤقتة، ولها القدرة على استمرارية العلاقة للمحافظة على السلام العالمي في منطقة ملتهبة مثل الشرق الأوسط.

إن العلاقات الأمريكية السعودية متواجدة قوية منذ ثمانية عقود، ولا بد للطرفين من نظرة عقلانية، لما يحدث، ومحاولة الإبقاء على ما تم التعاقد عليه بين الطرفين من عقود أكيدة للحماية والتدريب والتسليح ..

وقد فسر البعض بأن "الولايات المتحدة أرسلت في سبتمبر الماضي بعد الهجوم الإيراني على منشآت أرامكو بطارية صواريخ باتريوت إضافية وأربعة أنظمة رادار و200 فرد إلى المملكة العربية السعودية، وهذه الخطوة كانت مؤقتة مالم تتطور الأمور.. وأن التهديدات الإيرانية تراجعت في المنطقة، وبالتالي كان لابد من إعادة هذه الأنظمة الصاروخية الدفاعية إلى الولايات المتحدة، والسعودية كانت قد أعلنت فور ذلك أن البطاريات المزالة سيتم استبدالها ببطاريات باتريوت سعودية.. مع أن إعادة هذه البطاريات في هذا التوقيت تحديدا وخاصة أن إيران تهدد بممارسة أعمالها التخريبية إذا حال تمديد حظر السلاح عليها، لا يبدو أنّه قد اتخذ على خلفيات عسكرية وأمنية، بقدر ما أنه مرتبط بحسابات سياسية تخصّ إدارة الرئيس دونالد ترامب ومساعي الأخير للحصول على عهدة رئاسية ثانية في انتخابات نوفمبر القادم، الأمر الذي يضطره لمسايرة مجموعات ضغط نافذة ولو كان ذلك على حساب الحلفاء الاستراتيجيين للولايات المتّحدة"... أن "سحب هذه البطاريات ليس له تأثير كبير، حيث توجد في دول الخليج خمس قواعد عسكرية أمريكية، بالإضافة إلى انتشار 54 ألف جندي أمريكي في 12 قاعدة عسكرية بالشرق الأوسط، أي أن الوجود الأمريكي لايزال قويا في المنطقة، واليوم بعد قرار إعادة الانتشار العام الماضي تواجد القوات الأمريكية مع القوات العسكرية الخليجية في قواعد ومراكز وموانئ الدول الخليجية.. كما أكد ترامب في اتصاله بالملك سلمان التزام الولايات المتحدة بحماية مصالحها والعمل مع حلفائها لمنع أي تصعيد قد تقوم به إيران، وأن أمريكا ستقف مع حلفائها حال مهاجمة دول الخليج أو مصالح الولايات المتحدة في المنطقة..

وفي رأي بعض المحللين السعوديين، يبدو أن هناك خمسة أسباب وراء سحب هذه الصواريخ من السعودية:

أولاً، يوجد لدى الجيش الأمريكي عدد محدود من أنظمة باتريوت، ويجب إعادتها بشكل روتيني إلى الولايات المتحدة للترقية، وفقًا لما نشرته صحيفة "واشنطن بوست".

ثانيًا، بدأت الولايات المتحدة مؤخرًا في ترقية وجودها في شرق آسيا لاحتواء نفوذ الصين في تلك المنطقة، والتي تتوقع الولايات المتحدة زيادتها حيث تواجه مشاكل اقتصادية هناك، وأبرز وزير الدفاع مارك إسبر مرارا ما تمارسه الصين من أنشطة في بحر الصين الجنوبي خلال الأسابيع الأخيرة. لذا، فإنه على الأرجح سيتم نشر بطاريتي باتريوت هناك.

ثالثًا، تعتقد الولايات المتحدة أنه على الرغم من أن إيران لا تزال تشكل خطرًا حقيقيًا على مصالحها في منطقة الخليج، إلا أن مصادر هذه المخاطر تأتي من وكلاء إيران في العراق؛ وليس من إيران نفسها المنشغلة حالياً في احتواء تفشي جائحة كوفيد-19، والتي باتت تستوعب جيدًا مدى تصميم الولايات المتحدة على الدفاع عن حلفائها بعد قتل قاسم سليماني.

رابعاً، للولايات المتحدة وجود عسكري كاف في منطقة الخليج لمواجهة إيران. تمتلك الولايات المتحدة أكثر من 14 قاعدة عسكرية في المنطقة، يمكن تشغيلها جميعًا ضد إيران، إذا لزم الأمر؛ كذلك، يشير قرار الرئيس ترمب باستخدام حق النقض ضد قرار الكونغرس الذي يحد من سلطاته ضد إيران إلى إصراره على إبقاء إيران تحت السيطرة.

خامسا، تعتقد الولايات المتحدة أن سحب بطاريتي صواريخ باتريوت لن يؤثر على دفاعات السعودية ضد الصواريخ الإيرانية.

واختصارًا، لا يوجد ما يبرر الاعتقاد بأن سحب صواريخ باتريوت الأمريكية من السعودية يعد مؤشراً على توتر العلاقات بين السعودية والولايات المتحدة، كما أنه إجراء لا يؤثر على القدرة الدفاعية للمملكة العربية السعودية.

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل بجامعة أسيوط

 

في المثقف اليوم